وجدت الدورية التابعة للقوات البريطانية فى بورسعيد ساعة فى يد محمد فائق فسلبوها منه، فصاح باللغة الإنجليزية بما معناه: «أعطونى ساعتى، أعطونى ساعتى، أنا مدرس وفى حاجة إلى ساعتى» وضحك أفراد الدورية وبالطبع لم يعيدوها، ووجدت نفس الدورية بطن يد «عبدالفتاح أبوالفضل» غير خشنة بدرجة غير كافية، فشكوا أن يكون عاملاً يعتمد على يديه كما قال لهم، فاحتجزوه.
كان الاثنان ضمن ضباط المخابرات المصرية وقتئذ، وكان فائق «رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان من عام 2013» يبلغ من العمر وقتئذ 28 عاماً «مواليد 28 نوفمبر 1928»، وأبوالفضل «نائب رئيس المخابرات العامة عام 1966» يبلغ 35 عاما «مواليد 28 أبريل 1921»، وكانا فى طريق الخروج من بورسعيد يوم 16 ديسمبر 1956، بعد أن تلقيا رسالة شفرية باللاسلكى يوم 14 ديسمبر للعودة حسب تأكيد «أبوالفضل» فى مذكراته «كنت نائباً لرئيس المخابرات» عن «دار الشروق - القاهرة»، وجاء أمر المغادرة بعد نحو شهر من دخولهما بورسعيد متنكرين بملابس صيد لقيادة المقاومة الفدائية ضد قوات العدوان الثلاثى على مصر «بريطانيا، فرنسا، إسرائيل» وبدأ بغارة إسرائيلية على سيناء يوم 29 أكتوبر 1956.
كانت «المغادرة» بنفس أسلوب «الدخول»، أى بالتنكر مما فرض معاناة خاصة يرويها «أبوالفضل» فى مذكراته: «فى يوم 14 ديسمبر وصلتنى إشارة شفوية عن طريق جهاز اللاسلكى لأعود من بورسعيد، ومعى الزميل محمد فائق ليحل محلنا سعد عفرة بمجموعة أخرى رتبت طريق العودة مع الريس عبدالمنعم، الذى سبق أن حضرنا معه من المطرية «راجع ذات يوم 16 نوفمبر 2016»، وغادرنا بورسعيد عن طريق القابوطى صباح يوم 15 ديسمبر مبكرين بعد ارتداء ملابس الصيادين وكان معنا الأستاذ الطناحى من مجموعة الإعلام حيث كان مريضاً».
قاد الريس عبدالمنعم الثلاثة العائدين «فائق، أبوالفضل، الطناحى» ووفقاً لـ«أبوالفضل»، سار بهم فى مياه البحيرة «المنزلة» الضحلة مسافة طويلة حتى وصلوا إلى مركبة فى «الغاطس»بعد جزيرة هى جزيرة الخندق: «وعندما وصلنا إلى هذه الجزيرة ظهرت فجأة طائرة استكشاف بريطانية تطير فوق الملاحة وأخذت تحوم حولنا على ارتفاع منخفض، وقبل أن نصل إلى القارب مباشرة خرجت علينا من داخل أعشاب البحيرة دورية بريطانية فاحتجزتنا جميعاً، وكان معنا عدد كبير من الصيادين والعمال وأمرونا بالجلوس على الأرض، كنت ارتدى سويتر وضعت فى جيوبه الداخلية نماذج من المنشورات والصحف التى كنا نطبعها ونقوم بتوزيعها داخل بورسعيد ضد الاحتلال».
توقع «أبوالفضل» المتاعب فخلع السويتر وبه المنشورات، ووضعه داخل الأعشاب، ويؤكد: «أخذت فقط بطاقتى المزيفة ومائة جنيه كانت معى أعطيتها للريس عبدالمنعم، واحتفظت بالبطاقة فى جيب الجلابية، وبتفتيشنا عثروا مع الريس عبدالمنعم على النقود فاستولوا عليها، أما أنا فسلبونى دبلة الزواج، وأخذوا من الطناحى علبة الدواء، أما فائق فوجدوا فى يده ساعة سلبوه إياها وأخذ يصيح بالإنجليزية: أعطونى ساعتى، أعطونى ساعتى، أنا مدرس وفى حاجة إلى ساعتى، وأخذوا يضحكون وبالطبع لم يعيدوها له».
جاءت مرحلة الاستجوابات، وتمت عبر ضابط إنجليزى كان يسأل وبجانبه مترجم يتكلم باللغة العربية باللهجة الشامية، ويوضح «أبوالفضل» طريقة تصرفه خلالها قائلاً: «لما جاء دورى كان الضابط بعد أن اطلع على البطاقة يوجه لى السؤال باللغة الإنجليزية وكنت لا أعيره اهتماماً لأن صاحب محل دراجات لا يفهم الإنجليزية»، ويضيف: «تم الإفراج عن الريس عبدالمنعم والطناحى ومحمد فائق وركبوا المركب إلى المطرية، أما أنا فقد كشفوا على باطن كفى ووجدوها غير خشنة بدرجة كافية كعامل يعمل بيديه، واحتجزونى مع عدد آخر من المعتقلين، وأرسلوا فى الاستفسارات عن صحة المعلومات التى بالبطاقة الشخصية، واحتجزت لمدة ثلاثة ساعات قاموا أثناءها بتشغيلى مع باقى الأسرى فى نقل الحجارة «دشمة مدفع» كانوا يقومون بتحصينها وكان العمل متواصلاً.
عاد «أبوالفضل» بعد الإفراج عنه إلى بورسعيد إلى «رئاسة المقاومة» بمكتبة «العدنى» وبالطبع كانت هناك سرية حول هوية المكان، وفى مثل هذا اليوم «17 ديسمبر 1956» قبل الغروب فوجئ بحضور سعد عفرة فى زى رجال الإسعاف وبصحبته آخرون من رجال إسعاف الإسماعيلية ومعهم عربة إسعاف، جاءت بتصريح من البوليس الدولى عبر طريق الإسماعيلية بورسعيد، واستبدل ملابسه بملابس فرد من الإسعاف ليعود بدلاً من سعد عفرة فى عربة الإسعاف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة