كأى إنسان طبيعى آلمنى كثيرا ما حدث يومى الجمعة والأحد الماضيين من تفجيرات أودت بحياة الأبرياء وبخاصة الأطفال الذين لهم الحق الكامل فى الرعاية، والحلم والحياة، وزاد من ألمى أنى مصرى، وضاعف هذا الألم ما جاء على لسان رئيس الجمهورية أثناء تشييع شهداء الكنيسة البطرسية من أن مفجر الكنيسة فيومى، ينتمى إلى تلك المحافظ التى أنتمى إليها وولدت فيها، وتساءلت بصوت عال إن صح هذا الكلام: فلماذا الفيوم؟ لماذا هذه المحافظة المسكينة يكون نصيبها الإرهاب؟
لا شك أن الإرهاب يعادى كل الأديان، ويعادى الإنسانية كلها، ولا يوجد إنسان يؤمن بالله حقا ويؤمن بمبادئ الرسل الكرام، أن يفعل هذا، ولا يمكن لإنسان يعرف الرسول الكريم محمدا صلى الله عليه وسلم، ويتبعه، أن يقتل إنسانا بريئا أو يعذبه أو يتمنى ذلك.
ولكن الأمر الذى لا جدال فيه أن هناك جماعات تكفيرية وإرهابية تزعم أنها تنتمى للإسلام، وأنها تسعى لتطبيق شرع الله وفق رؤيتهم هم وتفسيرهم لشرع الله. ويزعمون أن فى قتلهم للمسيحيين تقربا لله، وإعلاء لشأن الإسلام.
دار برأسى كل ذلك، وناقشت أصدقائى المسلمين والمسيحيين، المتدينين وغير المتديين والملحدين، وقد قال لى أحدهم اسأل نفسك يا دكتور، أنت من الفيوم بلديات الإرهابى الذى فجر نفسه فى الكنيسة، الفيوم يا دكتور بؤرة إرهاب .. لا تتعجب يا دكتور وفكر شوية: ألم تكن الفيوم مأوى لعمر عبد الرحمن؟
ألم يكن بها الشوقيون؟
أليست الفيوم بها أكبر عدد من المنتمين للإخوان؟
فقلت له هذا حق ولا جدال فيه، ولكن بحثت عن السبب فى ذلك، وعن علاج بدلا من التسليم بالتهمة؟
إننى كواحد من أبناء الفيوم أدرك تماما معاناة المحافظة، ومشاكلها أيضا، وأسلم بكل ما جاء على لسان صديقى ولا أنكره، ولكن هل تعرفون السبب؟
هل تعرفون لماذا ينجذب الناس والشباب خاصة لدعاوى التطرف والإرهاب، والنضمام لجماعات إرهابية تسعى لتخريب مصر؟.. إنه الفقر يا سادة، نعم الفقر الشامل فقر المادة وفقر العلم، وفقر المحافظين الذين تولوا أمر هذه المحافظة، فلم يقم أحد منهم أو يعمل على تطوير هذه المحافظة، واستغلال إمكاناتها الجبارة باستثناء الدكتور عبد الرحيم شحاتة الذى ما لبث أن عمل بها نهضة حتى نقلوه إلى الجيزة.
فنسبة الأمية فى الفيوم من أعلى - إن لم تكن أعلاها - فى جمهورية مصر العربية، وكذلك نسبة الفقر، أضف إلى ذلك فقر الفكر لأن الذين تعلموا تعلموا القراءة والكتابة فقط ولم يتعلموا فن التفكير والنهضة، ومعظهم يخرج من المحافظة شأن كل محافظات مصر للعيش فى مدينة الضوء والجمال والرفاهية القاهرة.
إن محافظة الفيوم التى تسمى مصر الصغرى لأنها تشبه مصر جغرافيا، وكذلك تسمى أو كانت تسمى بستان مصر لما تتمتع به من بساتين فاكهة كالمانجو والعنب والتين والمشمش، وكانت بها ثروة زراعية هائلة، وكذلك أنواع رائعة من الطيور، ولا يستطيع أحد حتى هذه اللحظة أن ينسى الفراخ الفيومى، ناهيك عن المزارات السياحية الكثيرة، وما تعرف به الفيوم من زيارات اليوم الواحد.
ولكن تم إهمال كل هذا ولم يعمل أحد على تطويره، والنهوض به، وتأكلت التربة الزراعية وبارت نتيجة الزحف العمرانى العشوائى، ونتيجة قلة مياه الرى وانعدامها أحيانا.
والفقر وزيادة عدد المواليد كذلك قرينان، بحثا عن السند وعمن يعول ويساهم فى خلق مناخ مادى معقول، والبعض يصيبه اليأس، وهو إحدى الراحتين ومن ثم يكون الإنسان عرضة لغسيل المخ من عارضى الجنة مقابل تفجير، أو عارضى الرحمة والغفران والرضا الإلهى مقابل زرعة عبوة ناسفة او ترويع الآمنين، أو تخريب المنشاءات التى أحدثها الكفرة حسبما يملى عليه ويوجه.
وليست الفيوم بدعا فى ذلك بل يشاركها عدد من المحافظات الشبيهة لها فى ظروفها كبنى سويف، وشطر من صعيد مصر، وشطر من قرى ونجوع المحروسة.
إن الحل يكمن فى ظنى فى أن يتولى هذه المحافظة ومثيلاتها رجل لديه رؤية، وعزيمة على النهوض بها، وذلك فى إطار الخطة العامة للدولة للنهوض كلية والاهتمام بالمحافظات الأكثر فقرا، ومن ثم زيادة عدد المدارس والارتفاع بنسبة التعليم نوعيا وكميا، والقضاء على الأمية، ورفع معنويات الناس من خلق خلق فرص عمل، وتوفير الحياة الكريمة لهم، لاسيما وأن هناك قرى بالفيوم لا يوجد بها مياه شرب حتى الآن.
وكذلك الاهتمام بتنشيط السياحة فى الفيوم وبخاصة السياحة الداخلية، وتوفير مياه الرى والاهتمام بالفلاح وبأرضه وبصحته واذهبوا إلى مستشفيات الفيوم بأنفسكم لتحكموا.
إن الفيوم كانت ذات يوم عاصمة لمصر الفرعونية، ومصدرا للخير فى كل العصور ولذا سميت بستان مصر، كما تتميز بجوها الرائع وسواقيها الحالمة، وحقولها الغناءة.
إن ناس الفيوم وأهلها طيبون وأنقياء، يعيشون على السجية، وفيهم كرم المصرى ونبله وأصالته، ولكن فئة من الشباب يغرر بهم لأسباب تم ذكرها.
لقد قدمت الفيوم نماذج مشرفة فى السياسة والدين، والفن والأدب والرياضة، ولديها الكثير لتقدمه لمصر وشعبها شريطة الرعاية والاهتمام، وحسن توظيف الثروات واستغلالها.
لقد قدمت الفيوم الشيخ إبراهيم موسى الفيومى، شيخ الأزهر من 1133 إلى 1137 هـ/ 1721 م، والقائد الذهبى الفريق عبد المنعم رياض، والسياسى: عمر طوسون عبد الواحد سعداوى، عضو مجلس الأمة الاتحادى (البالغ عددهم 20 عضوا عن مصر)؛ وهو المجلس التشريعى الوحيد الذى اشتركت فيه مصر وسوريا وليبيا عام 1971 تجهيزا للحرب العربية الإسرائيلية. وقدمت الدكتور: صوفى أبو طالب؛ رئيس مجلس الشعب الأسبق والقائم بأعمال رئيس الجمهورية بعد مقتل الرئيس السادات وحتى تولى حسنى مبارك 1981. وقدمت أول مهندس بترول فى مصر وهو على والى. وكذلك وزير الزراعة الأسبق: يوسف والى.
وفى الرياضة قدمت اللاعب الخلوق سيد عبد الحفيظ، وفقيد كرة القدم المرحوم الشاب محمد عبد الوهاب. وفى مجال الفن قدمت العظيم يوسف وهبى، وكلا من الفنانين؛ مريم فخر الدين ونجلاء فتحى و يوسف فخر الدين، وغير هؤلاء الكثيرون .
إننى أكرر النداء للمسؤولين أن يهتموا بالفيوم وأخواتها، وأن يعملوا على تحسين مستوى المعيشة، ووضع خطة قومية للنهوض بالتعليم كيفا وكما، حتى تقوم مصر من كبوتها، وستقوم بإذن الله، وتعود لسابق عهدها قائدة وصاحبة مكانة فى العالم كله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة