أكرم القصاص - علا الشافعي

د. محمد نعمان جلال

مصر والصين.. مصالح مشتركة وعلاقات حضارية

الجمعة، 04 سبتمبر 2015 08:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يقوم النموذج التنموى الصينى المعاصر من الناحية الأيديولوجية على خمسة أعمدة هى الانفتاح والبراجماتية والتوافقية والتعاون والسلام، ويقوم من الناحية التطبيقية على خمسة أعمدة مماثلة هى الإنتاج والصادرات والاستهلاك والمصالح المشتركة والمنافع المتبادلة. فالإنتاج هو أساس التنمية المستدامة، والصادرات هى أداة التنمية، والاستهلاك يمثل قوة الدفع الذاتية للاقتصاد المرتبط برفع مستوى المعيشة بزيادة الدخل لمواجهة أى قصور فى الصادرات، والمصالح المشتركة هى التى تغذى العلاقات الودية بين الدول، والمنافع المتبادلة هى التى تضمن استمرارية التعاون.
فى هذا السياق تأتى الزيارة الثانية للرئيس عبد الفتاح السيسى إنها تسعى لبناء مصالح مشتركة ومنافع متبادلة وعلاقات حضارية جديدة وفقًا لأربعة مبادئ رئيسية أولها السعى للانفتاح على مختلف القوى الدولية وبالذات القوى ذات المصداقية وذات الإستراتيجية بعيدة المدى للعلاقات بين الدول تقوم على المصالح وليس العواطف أو السعى نحو السيطرة، الثانى مبدأ الصداقات الإستراتيجية الدائمة وعدم التمييز أى السعى لمزيد من التعاون العالمى بين جميع القوى ومع جميع الدول وليس مع قوة معينة على حساب أية قوى أخرى، الثالث العمل من أجل تنمية مستدامة لمصلحة الشعب بأسره وليس لمصلحة فئة أو طبقة الرابع البراجماتية بمعنى رفض الأفكار والأيديولوجيات الجامدة فى التنمية أو فى العلاقات السياسية وبعبارة أخرى التعاون والعمل مع الجميع دون إملاء شروط.
زيارة الرئيس السيسى الثانية ارتبطت بمناسبة عالمية مهمة لمختلف دول العالم وهى الانتصار على قوى المحور التى تطلعت لتغيير العالم وفقًا لرؤيتها وسعيها نحو الاستعمار والتوسع وانتهاكها للمبادئ الدولية القائمة على أهم مبدأ وهو احترام السيادة وعدم المساس بأراضى الدول الأخرى بالغزو أو الاعتداء ومن هذا المنطلق أعلنت مصر الحرب على النازية ودول المحور فى الحرب العالمية الثانية وانضمت للدول التى تقاوم طموحات القوى الفاشية للغزو والتوسع شاركت مصر فى مؤتمر سان فرانسيسكو كدولة من الدول المؤسسة للأمم المتحدة ذلك المؤتمر الذى أعد الصياغة النهائية لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ العمل الدولى فى عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية وجاءت تلك المبادئ واضحة فى نصوص المادة الثانية من الميثاق كما شاركت مصر بممثل قدير هو الدكتور محمود عزام فى صياغة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وفقًا لرؤية عالمية تتسع لجميع الحضارات واختير من مصر أول قاض فى محكمة العدل الدولية التى أنشئت بعد الحرب وفقًا للنظام الأساسى للمحكمة الذى هو جزء لا يتجزأ من الميثاق وكان القاضى المصرى الأول هو الدكتور عبد الحميد بدوى ولعله مما يذكر أن مصر شاركت بثلاثة قضاة فى المحكمة حتى الآن هما الدكتور عبد الله العريان والدكتور نبيل العربى وأيضًا الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض الذى كان أول قاض مصرى وعربى فى المحكمة الجنائية الدولية لجرائم الحرب فى يوغسلافيا السابقة.
أما المناسبة الثانية فهى مشاركة مصر كدولة محبة للسلام فى العرض العسكرى السلمى فى الصين بقوة من الجيش المصرى وهى مشاركة حملت بعدًا رمزيًا مثل مشاركتها فى إعلان الحرب على النازية. وحملت هذه المشاركة رسالة سلام للعالم مضمونها أن مصر تتمسك بمبادئ الأمم المتحدة وهى العمل من أجل السلام ولكن من منظور بناء القوة وليس من منظور الضعف ومن منظور التعاون وليس من منظور الخضوع للأحلاف أو لأية قوة تملى على مصر إرادتها أو تتدخل فى شئونها الداخلية . إنها تقوم على المبدأ الذى أعلنه الزعيم المصرى الراحل جمال عبد الناصر نسالم من يسالمنا ونعادى من يعادينا مع تطويره وفقًا للفكر الإسلامى الصحيح نسالم من يسالمنا ولا نعادى من يعادينا وهو الفكر القائم على مفهوم "ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم" باختصار أن التعاون مع دولة ما ليس ضد أية دولة أخرى. مع التأكيد على التفرقة بين السعى للسلام من منظور القوة وبين الاستسلام من منظور الضعف.
العلاقات المصرية الصينية المعاصرة أى منذ 30 مايو عام 1956 قامت على أساس التعاون والمصلحة المتبادلة التى برزت من المفاهيم الأساسية فى مؤتمر باندونج فى أبريل عام 1955 والذى جمع الدول النامية التى تحررت لتوها من الاستعمار وترغب فى المحافظة على استقلالها وسيادتها ولا ترغب فى الحرب الباردة ولا الساخنة ولذلك طورت مصر بالتعاون مع الهند ويوغوسلافيا وغانا وغينيا وغيرها من الدول الأفريقية والآسيوية مبادئ حركة عدم الانحياز التى لعبت دورًا مهما فى تلك الفترة لتوسيع مساحة السلام ورفض الأحلاف العسكرية ورفض سباق التسلح المدمر وليس التسلح الضرورى للحفاظ على الأمن الوطنى للدولة.
زيارة الرئيس السيسى للصين بدأت معها مرحلة جديدة فى التاريخ المصرى المعاصر وهى مرحلة التعاون الجاد والشراكة الإستراتيجية والعمل فى إطار التنمية المستدامة والصداقة المستدامة، ولهذا عقدت مجموعة من الاتفاقات الاقتصادية والتجارية والصناعية والتعاون فى مجال تنمية وتطوير الموارد. والبشرية وفى الصناعات المختلفة. والعلاقات المصرية الصينية تدخل عامها الستين فى مايو 2016 وينبغى أن يتم الاحتفال اللائق بهذه العلاقات التى شهدت وقوف مصر مع الصين حتى استردت حقها فى الأمم المتحدة كما شهدت وقوف الصين مع مصر ضد العدوان الثلاثى عام 1956 وضد عدوان 1967 وفى حرب أكتوبر 1973 وغيرها من المواقف التى لن ينساها الشعب المصرى لأنها تمثل علامات مهمة فى تاريخه الحديث. المرحلة الجديدة فى علاقات مصر والصين تحولت للتعاون من أجل البناء والتعمير والتقدم والازدهار بعد أن تجاوزت الدولتان المرحلة الثورية التى بدأها جمال عبد الناصر وشوان لاى وماوتسى تونج. المرحلة الجديدة فى مصر والتى بدأت بثورتى 25 يناير و30 يونيو عندما خرج أكثر من 30 مليون مصر متظاهرين ضد حكم ينتمى للماضى بدلاً من النظر للمستقبل وضد حكم يفرق الشعب بدلاً من أن يوحد الصفوف أنها ثورة تكاد تتطابق مع مرحلة الإصلاح والانفتاح فى الصين التى بدأها الزعيم دنج سياو بنج وأدت لنهضة حولت الصين من دولة نامية إلى دولة متقدمة وهو ما نتطلع أن تحققه ثورة 30 يونيو والنظام الذى أفرزته بالدور الوطنى الرائع الذى قام به عبد الفتاح السيسى والجيش المصرى البطل الذى هو معقل الوطنية المصرية وحامى تراب الوطن وحامى أمنه الخارجى والداخلى ولمن لا يعرف قيمة هذا الجيش فعليه أن ينظر حوله فى عالمنا العربى المضطرب وكيف تسير الأمور فى بعض تلك الدول التى تتحول إلى فكر طائفى ومحاصصة سياسية وبراميل متفجرة ضد الشعب الذى يتحول إلى لاجئين بعد أن كان ملء السمع والبصر. وهذه هى أصالة جيش مصر عبر العصور فى دفاعه عن شعبه فى عهد أحمد عرابى وجمال عبد الناصر وأنور السادات وضد أى انحراف سياسى كما كاد أن يحدث فى مراحل لاحقة. وحرص الجيش المصرى والشرطة المصرية ومعهما القضاء المصرى الشامخ على أن واستقرار الوطن.
زيارة السيسى الثانية للصين تدخل الدولتين إلى مرحلة جديدة من العلاقات الصحيحة والصادقة وذات البعد الحضارى ولقد كررت كثيرًا عندما كنت سفيرًا لمصر فى الصين الدعوة لما أسميته "نادى الحضارات العريقة" التى من سماتها الالتزام بالعهود والمواثيق والتعاون بطريقة عملية وإيجابية وجادة وهو ما يعيد الدور المصرى على المستويات الدولية والإقليمية ويبنى الوطن بالتعاون الحقيقى وليس بالشعارات.
إن المرحلة التى تعيشها مصر الآن تتسم بخمس سمات الأولى هى الجدية فى القول والعمل ونموذج إنشاء قناة السويس الجديدة خير دليل على ذلك. والثانية السعى لتجاوز البيروقراطية والروتين التقليدى الذى يعوق الإنجاز والتقدم وهذا ما أحدثته ثورتا 25 يناير و30 يونيو فى الشعب المصرى ونتطلع لمزيد من التغيير الاجتماعى والثقافى فى مصر خاصة فى مجال البيروقراطية وفى قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأخرى، والثالثة مواجهة التحدى الذى تفرضه الجماعات الإرهابية المنحرفة فكريًا والتى يتم تمويلها وإدارتها من خارج أرض الوطن وهى جماعات مغيبة مثل جماعات الحشاشين فى العصور الإسلامية الوسطى التى جلبت النكبات وسوء السمعة للإسلام وانحرفت به عن مساره الصحيح وها هى تعيد تشكيل نفسها فى الإرهاب والقتل الوحشى وغير ذلك من مظاهر تدمير الحضارة وهو ما لا يقره الإسلام الحنيف الرابعة ترتبط بالتعاون الدولى مع الدول الراغبة فى التعاون على أساس المصلحة المشتركة مثل الصين وروسيا وآية دولة أخرى تحترم سيادة مصر واستقلالية قرارها
الخامسة الخروج بالفكر المصرى بعيدًا عن التقليد الأعمى لتجارب دول أخرى والانطلاق به بمنظور جديد يقوم على التفكير خارج الصندوق ووضع مبادئ جديدة وأفكار جديدة فى العمل الاقتصادى والتنموى.
وهذا ما ابتكرته ثورة 30 يونيو التى صححت مسار الثورة الاولى وأعادت السيادة للشعب المصرى وأعادت له روح البناء والعمل وليس بالتظاهر المستمر المدمر وحقًا قال الإمام محمد متولى الشعراوى: "إن الثائر يثور كالبركان ليهدم الطغيان ثم يهدأ ليبنى الأوطان" ومفهوم الثورة الدائمة الذى عبر عنه تروتسكى هو مفهوم خاطئ بخلاف مفاهيم البناء فى عهد الثوريين الجادين أمثال لينين أو دنج سياو بنج. ولسنا فى حاجة للتذكير بالتاريخ الإسلامى العظيم وكيف بنى النبى محمد عليه الصلاة والسلام الكوادر البشرية للرعيل الأول من المسلمين وكيف انحرفت سلوكيات المسلمين بعد عهد الخلفاء الراشدين الأربعة وهذا هو الفارق فى القيادات التى تغير مصير الشعوب والأمم وتبنى الدول على أسس سليمة وتلك التى تدمرها وتنشر الطغيان وتصدر الثورات. وما أحرانا أن نعيد التذكير ونقتدى بسيرة هذا النبى الكريم والرعيل الأول الذين أقاموا الإسلام معه على خير الأسس وفى مقدمتها الاعتدال والتسامح والمحبة والرحمة وبناء الكوادر البشرية والتضحية والإيثار والبعد عن الأنانية والمطامع البشرية، ولذلك وصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم".
ونتطلع لكى تواصل مصر- والدول العربية الشقيقة خاصة الدول الخليجية - اليوم المسيرة المباركة للأمام بمنظور إستراتيجى وفكر مستقبلى يحافظ على تراث مصر الفرعونية والقبطية والإسلامية والعربية ومصر عرابى وسعد زغلول ومصطفى كامل وطلعت حرب بانى اقتصاد مصر وجمال عبد الناصر وأنور السادات مصر ذات الإصالة التى حافظت على الإسلام والعروبة ومزجت الحضارات والثقافات فى بوتقة الاعتدال والتسامح والعقلانية وجاءت اليوم مرحلة بناء مصر لمستقبلها على أساس من التعاون العربى والأفريقى والإسلامى والدولى وهى محاور أساسية لسياسة مصر عبر العصور وما زالت سمة المصريين هى العمل الجاد فى مواجهة التحديات مثل بناء الأهرامات ودحر الهكسوس والمغول والاستعمار الحديث بصوره المتعددة وحرب أكتوبر وغيرها من مراحل فارقة فى التاريخ المصرى . إننا نقول إن مصر استعادت روحها فى البناء والعمل والتعاون الصادق مع مختلف الدول الراغبة فى بناء علاقات على أساس المساواة والمنافع المتبادلة والاحترام لدولة ذات تاريخ عريق تعتز به أيما اعتزاز.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة