خلدوا أسماءهم فى التاريخ.. احفروا صورهم فى أذهان أطفالكم.. هذا حقهم وحق التاريخ عليكم.. فلن يصبح للتاريخ قيمة إن اكتفيتم بحشو صفحاته بأبطالكم الذين صنعتموهم فى الورق.
سيزداد كتاب تاريخنا وقارا واحتراما، حينما تمتلأ صفحاته بصور الأبطال فى سيناء، جنودا كانوا أو مواطنين مدنيين، فما يتساقط من عرق جسدهم، هو أقيم بكثير من الأبطال الوهميين الذين تصنعهم فتاوى القاعد للمجاهد، وكلمات من يده فى الماء المثلج لا النار، وتنظيرات من يأكل الزبادى، لا من يمتلئ صدره بنار ودخان المعارك.
حسنًا، يقول سكان مواقع التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام إنهم الأكثر قدرة على الفهم، والتحليل، فى وقت المباريات، كل فرد فيهم هو مدير فنى أفضل من مانويل جوزيه فى عز مجده، وفى وقت المعارك العسكرية كل منهم خبير عسكرى وجنرال أفضل من نابليون فى أعلى مناطق جبروته، وأقوى من الإسكندر فى أقوى أوقات نفوذه، ظهر ذلك جليا فى الساعات الأولى من اليوم الصعب الذى شهد هجوما إرهابيا منظما على كمائن ومنشآت الجيش فى الشيخ زويد، وتجرأ القاعد على الفتوى للمجاهد، حتى اكتشفنا جميعا أن القاعد لم يكن سوى أداة تحركها داعش لخدمة حربها النفسية، واكتشف القاعد فى وسيلة إعلام أو على فيس بوك أنه لم يكن سوى ساذج ابتلع الطعم وروج بكل ثقة بيانات من يصفهم بالإرهابيين الخونة والكذبة، بينما أعطى لنفسه حقا غير مستند لدليل بالتشكيك فى بيانات الدولة الرسمية.
هزم أهل الفيسبوك وتويتر وبعض وسائل الإعلام ممن ظنوا أنهم خبراء ومحللون عسكريون، ومر يوم الأربعاء الصعب وداعش تزين رؤوسهم بطراطير على سبيل المكافأة نظيرا لحسن ترويجهم لأكاذيب الإرهاب، والتأثير على الروح المعنوية أحد أهم أسلحة الشعوب وقت الحروب.
تكلموا عن الهزيمة، روجوا لشائعات العدو، شككوا فى قدرات الجنود، قاموا بتخوين الأهالى، شتموا القيادات، سخروا من الأهالى، نشروا الرعب، استدعوا ما فى جوفهم من مخزون دموع التماسيح، تحدثوا عن الدماء، تكلموا عن أعداد ضخمة من الشهداء، تفننوا فى البحث عن المصائب فى مواقع مجهولة ومن مصادر هم يعلمون جيدا أنها تكره هذا الوطن، ثم خاب سعيهم فى آخر النهار وأطلت النتائج تخبرنا أن الرجال فى سيناء دحروا الإرهاب وأحالوا الأرض التى أرادها الإرهابيون تحت السيطرة إلى نار تأكل أجساد 100 منهم وتلقى الرعب فى قلوب المجرمين. لم يفكر واحد من أهل «الفذلكة» فى قلوب العائلات الدامية وهو ينشر أخباره وشائعاته المسمومة التى يعلم هو قبل غيره أنها لا تستند إلى مصدر واحد يمكن الوثوق فيه، ولم يفكر واحد من هؤلاء الذين انتحلوا وظيفة الجنرال العسكرى الخبير فى أن يبذل بعضا من جهده فى البحث عن خبر كارثى لصالح الإتيان للناس بقصة بطولة من داخل أرض المعركة.. هم فقط يحبون التخريب، تخريب نفسية المصريين وتدميرها، أما القصص التى تلد فخرا وفرحة فهم لا يحبون نشرها.. ولكننا نحب. هنا قصتان عن المعنى الخالص للبطولة، قصتان من ضمن قصص كثيرة لرجال اختاروا أن يعيشوا يوما واحدا كالأسود بدلا من العيش 100 سنة كالجبناء، فى الأولى معنى يمكن للأدباء أن يعيدوا معه صياغة تعريف مفهوم التضحية، وفى الثانية جوهر لمعنى القيادة والشجاعة. القصة الأولى لمواطن مصرى مدنى، اختار ألا يفعل مثل هؤلاء الذين تركوا المعركة دائرة فى شوارع الشيخ زويد وجلسوا فى غرفهم ينشرون شائعاتهم على مواقع التواصل الاجتماعى، والقصة الثانية لضابط جيش اختار ألا ينجو بنفسه حتى يحفظ أرواح آخرين.
فى القصة الأولى البطل اسمه محمد عبادة قويدر، احفظه وردده واجعل منه أيقونة لأبنائك، اجعل منه قدوة لأبناء وطن ضلوا طريقهم فى البحث عن القدوة بين حطام الدراما ومواقع التواصل الاجتماعى والجدران الهشة لأهل السياسة.
قويدر لم يكن واحدا من أبناء القبائل الشهيرة، ليس مسلحا ولا خبيرا فى فنون القتال، هو فقط يملك مزرعة زيتون، تناول سحوره واصطحب ابنه الطفل ذا الستة عشرة عاما وانطلقا معا لصلاة الفجر، فى قلبه فرحة بولده الوحيد، السند والضهر الذى لا يملك سواه بعد أخته البنت، والذى يأنس بصحبته فى شهر كريم بعد أن انتهى من امتحاناته فى الثانوية العامة.
أنهى قويدر صلاته، ووصل مع ابنه إلى مزرعته، يبحث عن خيرها، ويحول جزءا من رمل سيناء إلى جنة، وما بين زهر شجر الزيتون وجمال طلته فى بداية الصباح، وبين روائح هواء الفجر الجميل، وأشعة شمس الشروق جاء الهاتف يخبر قويدر: الحق بسرعة فيه مسلحين فوق سطح بيتك وعاملين كمين بيصطادوا منه رجال الجيش والشرطة والناس العادية. لم يهرب قويدر، ولم يبحث عن أقرب سيارة للخروج من الشيخ زويد ولم يتحصن بمزرعته، انطلق مسرعا نحو المنزل، استقبله الجيران بنصائح من نوعية: اهدى يامحمد ياعبادة، فوق بيتك اتنين مسلحين ومعاهم قنابل، امشى من هنا دلوقتى أو ادخل بيت أى حد عشان لو حصل اشتباك معاهم.
عبادة قويدر لا يملك سلاحا، ومعه ابنه الوحيد، والخيار المتاح الآن الهرب والاختفاء، ولكن أهل الشجاعة لا يعرفون ذلك، وعبادة قويدر نفسه بعد دقائق صرخ فى وجه الجيران: يعنى نسيبهم كده يضربوا العساكر والناس والله لأطلعهم؟
اشتد الضرب وشعر عبادة قويدر، أن منزله أصبح فخا لاصطياد جنود الجيش، فقرر أن يصعد للمواجهة، الرجل الأعزل لم يجد فى منزله سوى سيف، فقرر أن يذيل عنه تراب الأيام ويصعد ليواجه به اثنين من المسلحين بأحدث أنواع السلاح، ولأن ابن الشجاع شجاع بالفطرة لم يتركه ابنه وحمل فى يده قطعة خشبية وقرر أن يرافق والده فى تلك المهمة الانتحارية.
أصبح المشهد كالتالى، اثنان من المجرمين المدربين، المؤهلين على الذبح والقتل والغدر والمسلحين بالقنابل والآلى، فى مواجهة أب يحمل سيفا وابنه الطفل يحمل قطعة خشبية، وبين المجرمين والشجعان إرادة إنقاذ وطن وشهامة إنقاذ جنود من فخ غادر نصب لهم تحت مظلة تحويل منازل المدنيين إلى دروع بشرية. عبادة قويدر، كما وصفه الجيران، قوى البنيان، أهداه الله وافرا من الصحة اشتبك لفظيا مع المجرمين، طالبهم بالنزول من فوق سطح المنزل وسمع الجيران تراشقهم اللفظى، ثم حانت لحظة الاشتباك، أراد أحد المجرمين إذلاله ولكن الذل كان من نصيبه، طرحه عبادة أرضا بقوته وجرحه بسيفه، ولكن الغدر كان هنالك على الطرف الآخر، حينما ألقى المجرم الثانى على عبادة وابنه قنبلة يدوية، انفجرت، ولما تلاشى دخانها فى الهواء تجلت الصورة للجيران، صورة تزينها أشلاء الشهيد محمد عبادة قويدر، وجسد الطفل مذعورا خائفا، حمله الأهالى إلى المستشفى يجلس بها الآن يعانى صراعا مع ذكريات فقدان أبيه ومع مستقبله الذى سيمضى إليه مبتور القدم.
فهل سمع أحدكم صرخته، هل سمع أهل وزارة التضامن وجع عبادة على ابنه؟ هل يعرف إبراهيم محلب أن بطلا من المواطنين فعل ما لم يقدر عليه أحد؟ آن الأوان أن يعلموا وآن الأوان أن تجعل من نشر قصة عبادة واجبا شرعيا حتى يحصل على حقه من التكريم ويحصل ولده على حقه من العلاج والرعاية.
ومن محمد عبادة قويدر الشجاع المدنى، إلى النقيب البطل المجهول، الشجاع العسكرى، الذى سطر قصة تكفى لأن تجعلك عزيزى القاعد للتنظير أمام مواقع التواصل الاجتماع ووسائل الإعلام خجلا إن أصابك القلق على الوضع فى سيناء.
على بعد 3700 متر من الشيخ زويد، يوجد كمين صغير اسمه «السدرة»، يبعد عن كمين الرفاعى الذى دمره الإرهابيون وقتلوا من فيه بسيارة مفخخة صباح يوم الأربعاء الماضى، 700 متر، من الرفاعى وبنشوة الانتصار تحركت سيارات دفع رباعى تحمل مدافع وأسلحة وعددا من الإرهابيين تتقدمهم سيارة مفخخة نحو كمين «السدرة»، انفجرت سيارة الغدر المفخخة، وأحدثت موجتها الانفجارية خسائر مادية وبشرية غير قليلة بالكمين.
ومن بين الدماء والصخب والغبار خرج الضابط المسؤول عن الكمين مصابا بعدة شظايا فى قدميه، بالإضافة إلى خلع فى كتفه، كانت حالته الصحية صعبة، الموقف كله صعب، حاول عدد من العساكر حمل الضابط ووضعه فى المدرعة للانسحاب وطلبا للعلاج، ولكنهم لم يسمعوا منه سوى صرخة واحدة: «اثبتوا أنتم رجالة ولا إيه؟ مش هننسحب ونبقى حريم، ياندفنهم هنا يانندفن إحنا هنا».
استخدم أحد الجنود مابين يديه من ملابس لربط ذراع النقيب وتضميد جرح قدمه وبدأوا فى معركة اشتبكوا خلالها اشتباكا عنيفا، وهم الأقل عددا مع الإرهابيين، استمر الاشتباك لمدة 30 دقيقة، قتلوا وأسقطوا وأصابوا، دمروا عددا من الإرهابيين وسيارتهم حتى جاءهم المدد جوا ودمرت الطائرة الإرهابيين وسيارتهم، ليتجلى أمامك الآن قول الإمام على بن أبى طالب حينما سألوه: كيف تصرع الأبطال وكيف تغلبهم؟ ما تنزل فى معركة إلا وقتلتَ من أمامك. فرد عليهم قائلا: «إذا لقيتهُ كنتُ أُقدّر أنى أقتله، ويُقدّر هو أنى قاتله، فأجتمعُ أنا ونفسُه عليهِ فنهزمه».
محمد الدسوقى رشدى يكتب: متى تقولون لأبطال سيناء شكرا ؟.. كتب التاريخ ستزداد وقارا حين نضع بطولات الجيش وشجاعة "قويدر" فى مواجهة الإرهاب.. عبادة وابنه حاربا إرهابيين بسيف وقطعة خشب.. وتحول الأب لأشلاء
السبت، 04 يوليو 2015 12:31 م
الجيش المصرى - أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو يوسف
رجال مصر لا يخافون على مر التاريخ
عدد الردود 0
بواسطة:
صيدلي مصري
أبطال مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
صيدلي مصري
أبطال مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
المصريه
ابطالالوطن
عدد الردود 0
بواسطة:
Dr.Salem
شكرا
عدد الردود 0
بواسطة:
ahmed
مقالك رائع -برافو
التعليق بالعنوان
عدد الردود 0
بواسطة:
ماهر العوامى
صدقت يارسول اللة
عدد الردود 0
بواسطة:
حسن المصرى
الله اكبر وتحيا مصر
الله اكبر وتحيا مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
MOHAMED MARZOE
الجيش المصرى مش عاوز شكر
عدد الردود 0
بواسطة:
Mona adm
تحيا مصر بشعبها الأصيل