نقلا عن العدد اليومى ...
-جولة فى 12 مستشفى ووحدة صحية تكشف غياب أخصائيى العلاج الطبيعى
- «الصحة» تعترف بعجزها عن توفير كوادر بشرية
- «إسراء» مصابة بشلل دماغى تشنجى وأهلها يبحثون يوميا عن مراكز تأهيل لمساعدتها
- و15 طفلا توفوا لعدم توافر أماكن لتأهيلهم
طفلة صغيرة تُمسك بيد امرأة ثلاثينية، تلقى عليها جسدها النحيل لتعوضها عن إعاقتها الحركية.. هذا هو المشهد المتكرر الذى تعيشه «إسراء»، أحد الأطفال المصابين بالشلل الدماغى فى محافظة الجيزة مع والديها، وتراه صباح كل يوم خلال خروجها معهما للبحث عن مكان لتأهيلها حركيا.
أطفال ذوو احتياجات خاصة أثناء جلسات التأهيل
«إسراء» طفلة لم تتجاوز العاشرة من عمرها، واحدة من حالات الشلل الدماغى الذى أثر على حركة ساقيها، وفقًا لتشخيص الدكتور نبيل عبده، أخصائى العلاج الطبيعى، الذى شدد على حاجتها للتدخل الجراحى لإطالة أوتار الساق، تعقبه جلسات علاج طبيعى تجنبًا لحدوث أى مضاعفات.
«إسراء»، ابنة قرية ناهيا بمحافظة الجيزة، واحدة من بين 1500 طفل معاق حركيًا من إجمالى 3800 طفل مصاب بشلل دماغى فى 18 قرية بالمحافظة نفسها، وفقًا لإحصائية مركز «حلم طفل» المعنىّ بتأهيل الأطفال، حيث لا يوجد إحصاء رسمى من قبل المجلس القومى للإعاقة لتلك القرى، والذى يكتفى بتقرير منظمة الصحة العالمية عن أن نسبة الإعاقة فى مصر لا تتخطى %12 من إجمالى عدد السكان.
هذا التحقيق الاستقصائى الذى استغرق شهرًا ونصف الشهر، واعتمدت فيه الكاتبة على زيارات ميدانية لـ12 مستشفى ووحدة صحية فى القرى الثمانية عشرة بمحافظة الجيزة، بصحبة الطفلة «إسراء»، كشف لنا بشكل واضح نقص الرعاية الطبية تجاه هؤلاء الأطفال، وهذا النقص يشمل غياب أخصائيى العلاج الطبيعى، وقلة عدد أجهزة التأهيل، ما يؤدى إلى تدهور الحالة الصحية للأطفال المعاقين حتى يصل الأمر فى بعض الأحيان إلى الوفاة، كما حدث مع 15 حالة وفقًا لما قاله كامل همام، مدير مركز حلم طفل، معطوفًا على ذلك عجز مراكز التأهيل الخاصة التى تعتبر البديل الوحيد أمام الأهالى هناك عن استيعاب عدد كبير من الأطفال بسبب قلة إمكانياتها، واعترفت إدارة العلاج الطبيعى التابعة لوزارة الصحة بعجزها عن توفير أخصائيى علاج طبيعى فى مثل تلك المناطق النائية.
البحث عن أخصائى علاج طبيعى:
«فى حالة عدم إجراء جلسات العلاج الطبيعى للطفلة إسراء ستحدث مضاعفات تبدأ بتشوهات فى المفاصل، تؤدى إلى قصر فى العضلات والتهاب فيها، وقد تتطور حالتها فيحدث ضعف فى عضلات التنفس والقلب، ومع مرور الوقت من الممكن تعرضها للوفاة».. هذا هو تشخيص حالة «إسراء» والتطور السلبى لحالتها الصحية إذا تأخرت عملية التأهيل، وفقا لما ذكره الدكتور نبيل عبده، الأخصائى الاجتماعى، بعد عرضها عليه.. تم ذلك قبل أن نرافقها فى رحلة البحث عن أخصائى علاج طبيعى، أو مكان لتأهيلها فى القرى محل التحقيق.
يوجد فى تلك القرى 18 وحدة صحية، و5 مستشفيات مركزية من المفترض أن يوجد فيها ما بين 2 إلى 3 أخصائيى علاج طبيعى، وفقًا للهيكل التنظيمى لإدارة العلاج الطبيعى بوزارة الصحة، وباستخدام الكاميرا السرية، وبرفقة الطفلة «إسراء» تجولنا فى 7 وحدات صحية، هى «نكلا، كومبرة، برك الخيام، بنى مجدول، برقاش، منشية رضوان، أبورواش»، و5 مستشفيات مركزية، هى «أوسيم، كفر حكيم، المنصورية، ناهيا، كرداسة» بحثًا عن أخصائيى علاج طبيعى، وطرحنا عليهم جميعًا سؤالًا واحدًا: معنا طفلة تحتاج للتأهيل، هل لديكم أخصائى علاج طبيعى؟
إحدى أطفال ذوى الاحتياجات الخاصة
أسفرت نتيجة التجربة السابقة عن عدم وجود أخصائيين للعلاج الطبيعى فى الوحدات الصحية، ما عدا «نكلا» و«برك الخيام»، وتغيبهم فى مستشفيات «كفر حكيم، والمنصورية، وأوسيم» بحجة انتهاء عملهم، ففى وحدة «كمبرة» على سبيل المثال أجابت الممرضة: «لو كان لدينا أقسام علاج طبيعى ما تركنا الطفلة بدون تأهيل».
وفى وحدة «بنى مجدول» ردد ممرض الإجابة نفسها: «لا توجد أقسام علاج طبيعى فى الوحدات نهائيًا.. الأقسام الوحيدة موجودة فى المستشفيات المركزية فقط»، وهكذا تراوحت الإجابات فى بقية الوحدات الأخرى محل العينة، بينما كان للقائمين على مستشفيى «كرداسة» و«ناهيا» رد آخر عندما طرحنا عليهم السؤال نفسه.
مستشفى كرداسة:
فى الطابق الثانى، وداخل غرفة لا تتجاوز مساحتها بضعة أمتار بمستشفى كرداسة، جلس اثنان من أخصائيى العلاج الطبيعى، تسابق كل منهما للرد فور سماعه السؤال عن إمكانية تأهيل الطفلة «إسراء» فى هذا المكان، وأكدا أن المكان غير مناسب لتأهيل الأطفال، حيث إن الأجهزة الموجودة تستخدم للبالغين فقط، أما الأطفال فهم بحاجة إلى أدوات إسفنجية وهى غير متوفرة. وقال أحدهما: المكان هنا غير مجهز، وللأسف لن تكون هناك أى فائدة تعود على الأطفال، وسنبذل مجهودًا دون أى فائدة، ولن نصل للنتيجة المطلوبة.
مستشفى ناهيا:
«مواعيد العمل هنا من الساعة التاسعة صباحًا حتى الثانية عشرة والنصف ظهرًا.. نعمل بشكل يومى، وأقوم بتوزيع أخصائيى العلاج الطبيعى على عدد الحالات الموجودة، لكن المشكلة أن الأجهزة فى المكان لا يمكنها أن تعمل أكثر من 5 مرات حتى لا تتعطل».. هكذا رد مدير مستشفى ناهيا على سؤالنا المعتاد، مضيفًا: هناك نقص فى الأجهزة، وإذا كانت لكم علاقات جيدة فيمكنكم مساعدتنا بشكل عينى وليس نقديًا، وستحصلون على ورق رسمى من المستشفى بقيمة التبرع، ولكم الثواب، وبهذا الشكل ستساهمون فى تطوير المكان.
منى حافظ
ونتيجة لغياب أخصائيى العلاج الطبيعى فى المستشفيات والوحدات القريبة، يقطع الأهالى مسافات طويلة وهم يتنقلون بأطفالهم بحثًا عن مستشفيات خارج حدود قريتهم يتوفر فيها أخصائيون يجرون لهم الجلسات، فتتضاعف معاناتهم، خاصة مع ظروفهم الاقتصادية الصعبة فيستسلمون سريعًا، ويقررون البقاء فى البيت فتتدهور حالة صغارهم.
طارق فتحى
وسط حالة البحث هذه عن مكان لتأهيل «إسراء» حركيًا، يخشى والدها من تدهور حالتها لتشابه حالة «مريم» تلك الطفلة التى لم تتجاوز الخامسة من عمرها، وتنتظر على قوائم أحد مراكز التأهيل الخاصة.
تقول أمها وهى تحمل طفلتها ككتلة صماء: هى بحاجة للعلاج الطبيعى، والطبيب المعالج لها قال لى أول مرحلة من مراحل علاجها أن يتم تأهيلها حركيًا، وحاليًا «مريم» لا تستطيع أن تجلس أو تمشى أو تتكلم أو حتى تقول «بابا أو ماما» كأى طفلة فى مثل عمرها.
«الصحة» تعترف بعجزها عن توفير أخصائيين
وباعتبارها الجهة المسؤولة، واجهنا وزارة الصحة، ممثلة فى إدارة العلاج الطبيعى، بما وجدناه على أرض الواقع، فأكد مدير إدارة العلاج الطبيعى الدكتور طارق فتحى وجود أخصائيى علاج طبيعى فى المستشفيات العامة والمركزية، وهذا عكس ما وجدناه على أرض الواقع، سواء من حيث تغيبهم، أو اقتصار التأهيل فى تلك المستشفيات على البالغين فقط.
الطفلة إسراء بطلة التحقيق أثناء تشخيصها من قبل أخصائى
وقال الدكتور «فتحى»: «وزارة الصحة ممثلة فى إدارة العلاج الطبيعى، ملزمة بتوفير أخصائيى علاج طبيعى فى المستشفيات العامة والمركزية فقط، وفى حالة توافر القوى البشرية يتم توزيع التكليفات بين الأطباء فى القرى والمناطق الفقيرة، فلا مانع من انتدابهم للخدمة فى الوحدات الصحية، لكن هذا ليس إلزامًا علينا، وذلك وفقًا لقانون التكليف التابع لوزارة الصحة رقم 29 لسنة 1974 والخاص بتوزيع أخصائيى العلاج الطبيعى فى المستشفيات العامة والمركزية والعيادات الخارجية فى المناطق التى تستدعى ذلك». وأضاف: فى حالة تغيبهم يتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، ولا يوجد ما يسمى بأقسام تأهيل للبالغين فقط، فأخصائى العلاج الطبيعى ملزم بإجراء الجلسة، واعترف الدكتور «فتحى» بوجود نقص فى الكوادر البشرية الموجودة حاليًا، ويقدم حلاً لتلك المشكلة من وجهة نظره، مثل الاعتماد على الجمعيات الأهلية للقيام بهذا الدور.
وقال: فى الوقت الحالى هناك ثلاث كليات لتخريج أخصائيى العلاج الطبيعى، اثنتان منها تتبعان جامعات خاصة، وواحدة فقط حكومية، وتم إنشاء كليتين أخريين فى بنى سويف وكفر الشيخ، ومن المنتظر أن يدخل خريجوهما سوق العمل بعد 6 سنوات، هى مدة الدراسة، أى فى 2021، وهذا كله سيساعد على حل المشكلة وتوزيع الأطباء فى الأماكن التى تعانى من نقص حاليًا.
ويضيف: هناك 27 مديرية على مستوى الجمهورية بها 340 مستشفى عامًا ومركزيًا، يخدم فيها 3900 أخصائى علاج طبيعى، بالإضافة إلى المستشفيات التابعة للتأمين الصحى والمؤسسات العلاجية، ويخدم فيها 550 أخصائيًا فقط، ولتقديم خدمة جيدة من المفترض أن يتوافر داخل كل مستشفى ما بين 2 و3 أخصائيين. وأوضح مدير إدارة العلاج الطبيعى أن كل مديرية على مستوى الجمهورية ترسل للإدارة حجم حاجتها لأخصائيى العلاج الطبيعى بشكل دورى، وبناء عليه يتم توفير العدد المطلوب طبقًا لحجم المستشفى وعياداتها الخارجية، مشددًا على قيام الإدارة بتجهيز كل أقسام العلاج الطبيعى ومدها بالأجهزة اللازمة، وهذا أيضًا عكس ما جاء على لسان مدير مستشفى ناهيا.
البحث داخل المراكز الخاصة:
لم يبق أمام عائلة «إسراء» سوى البحث عن مكان لتأهيلها داخل المراكز الخاصة فى تلك القرى محل التحقيق، وذلك خوفًا من تدهور حالتها الصحية.
هناك يوجد فقط 4 مراكز مرخصة من قبل وزارة التضامن الاجتماعى، هى «مركز حلم طفل، الحبيب، الارتقاء، طيور الجنة» فى مناطق «كفر حكيم، أوسيم، برك الخيام»، وهى تقوم بتأهيل 200 طفل، وينتظر على قوائمها 1000 طفل، وتوفى خلال فترة الانتظار 15 طفلًا.
أحد الأطفال المصابين بالشلل الدماغى
ضعف إمكانيات هذه الأماكن، وعجزها عن استقبال عدد أكبر من الأطفال وراء الرقم الكبير على قوائم الانتظار، كما يقول القائمون على هذه المراكز، وبما أن الجلسة الواحدة فى العيادة الخاصة يصل متوسط سعرها إلى 50 جنيهًا قابلة للزيادة، يضطر الأهالى للجوء إلى المستشفيات الحكومية التى يصل فيها سعر الجلسة إلى 5 جنيهات فقط، ونظرًا لأن تلك المستشفيات تواجهها مشكلة زيادة أعداد الأطفال الوافدين إليها يختصرون المدة الزمنية للجلسة من ساعة إلى 10 دقائق، مما يقلل من جودة الخدمة العلاجية لكل جلسة وفقًا لما يذكره الدكتور نبيل عبده، أخصائى العلاج الطبيعى.
1 - «حلم طفل»
يقوم مركز «حلم طفل» الواقع فى قرية «كفر حكيم» الذى يتوسط القرى الثمانى عشرة بتأهيل 120 طفلًا، وينتظر على قائمته 900 طفل، وتوفى خلال فترة الانتظار خمسة عشر طفلًا، وفقًا لما ذكره كامل همام، مدير المركز، الذى يقول: «هناك جرائم تتمثل فى عدم تأهيل هؤلاء الأطفال مبكرًا، ما يؤدى إلى تدهور حالتهم، وبالتالى صعوبة التأهيل فيما بعد أو الوفاة»، وتابع قائلًا: «أتألم عندما يأتى لى ولى أمر ويطلب منى قبول طفله وأرفض بحجة أن العدد فى المركز لا يسمح مقارنة بعدد المشرفين وهم أربعة فقط».
ونتيجة لضعف إمكانيات مركز «حلم طفل» اضطر مديره «همام» لغلق القسم الخاص بالعلاج الطبيعى، واقتصار نشاط المركز على جلسات التخاطب وتنمية المهارات، مما أدى إلى تدهور الحالة الصحية للأطفال. ويضيف «همام»: «من المواقف التى ستظل عالقة فى ذهنى عندما ذهبت لزيارة أم طفل معاق فى عيد الفطر، ووجدتها تخفى طفلها عن بقية الأطفال، وعندما سألتها عن السبب قالت حتى لا يلعبوا به، فهو كالكتلة الصماء، واكتشفت بعد ذلك أنه مصاب بقرحة فراش، والمشهد الثانى عندما قامت أم طفل بوضع السم له فى الطعام من شدة يأسها، وعدم قدرتها على توفير العلاج له لولا تدخل شقيقة زوجها لتوقفها عن هذا الفعل».
2 - «الارتقاء»
يؤهل مركز «الارتقاء» الموجود فى قرية «برك الخيام» 25 طفلًا، وينتظر على قائمته 25 آخرون، لكن وضعه لا يختلف كثيرًا عن المركز السابق أو المراكز التالية.. يقول الدكتور وليد جابر، أحد القائمين على المركز: من أكثر التحديات التى تواجهنا فى عملنا هى الصعوبات المادية التى تحول دون توفير عدد معين من المشرفين، فمع هذا العدد من الأطفال الذين نقوم بتأهيلهم لا يوجد سوى مشرفين فقط، والتحدى الثانى الذى يواجهنا أيضًا هو توعية أولياء الأمور وتثقيفهم بكيفية التعامل مع الطفل المعاق، وأهمية تأهيله والنفع الذى سيعود على طفلهم.
جلسة تنمية المهارات داخل أحد المراكز
ويضيف قائلاً: «من المواقف التى لن أنساها، أم لديها ثلاثة أطفال مصابين بشلل دماغى فى مراحل عمرية مختلفة، كانت تأتى للمركز بطفل وهى لا تملك أجرة المواصلات، والأسبوع الذى يليه تأتى بالطفل الآخر لتكون انتهت من ادخار النقود اللازمة لتنقلها وهكذا، لكننا للأسف لم نتمكن من المواظبة معها لأن إمكانيتنا لا تسمح».
3 - «الحبيب»
«نقدم الخدمة حاليًا لـ15 طفلًا فقط، وبمقدورنا استيعاب عدد أكبر، ولكن لدينا فقط ثلاثة مشرفين، وزيادة عدد الأطفال يتطلب زيادة مماثلة فى المشرفين والرواتب التى تصل إلى 1500 وضعفها لأخصائيى العلاج الطبيعى».. بهذه الكلمات تحدث عبدالعظيم سلام، مدير جمعية «الحبيب» لرعاية ذوى الاحتياجات الخاصة بقرية أوسيم، مشيرًا إلى أن المركز يعانى من ضعف الإمكانيات. وأضاف: نحتاج لدعم شهرى من أى جهة حكومية لنتمكن من رعاية هؤلاء الأطفال، والإمكانيات هنا ضعيفة جدًا، وهناك نقص فى الوسائل التعليمية وبعض الأجهزة الخاصة بالعلاج الطبيعى.
4 - «طيور الجنة»
مركز «طيور الجنة» الواقع بمنطقة «أوسيم» يقدم الخدمة لـ40 طفلًا، وينتظر على قائمته 20 طفلًا، كان وضعه أفضل قليلًا، حيث وصل عدد المشرفين إلى 5 ومساحته كانت أوسع من المراكز الأخرى التى لم تتجاوز مساحتها بضعة أمتار، لكن على الرغم من ذلك فإن القائمين عليه يعجزون عن استقبال عدد أكبر من الأطفال لتأهيلهم.
جلسة تخاطب لأحد الأطفال
فكرة إنشاء المركز جاءت بعد معاناة مالكيه مع طفلتهما المعاقة ابنة الثلاثة عشر عامًا بعدما اكتشفت أمها إعاقتها، وخاضت معها رحلة بحث عن مكان لتأهيلها، وانتهى بها الحال فى العيادات الخاصة خارج حدود قريتها. تقول الأم: «قررت الدخول فى مجال التأهيل والتخصص فيه، وإنشاء هذا المركز بعدما رأيت معاناة ابنتى، فكنت أشعر بالحزن مع بداية كل فصل دراسى عندما أرى الأطفال فرحين بينما ابنتى لا تتحرك»، وأضافت: أنصح كل أم بألا تخجل من إعاقة طفلها، وتتعلم وتدرب نفسها على كيفية التعامل معه.
«التضامن»: مراكز التأهيل لم تطلب المساعدة
وزارة التضامن والشئون الاجتماعية من أكثر الوزارات المختصة بتقديم خدمات للمعاقين منذ عام 1939 حتى اليوم، وتقوم بمساعدة مراكز التأهيل الاجتماعى لتقديم الخدمات للمعاقين، كما تقوم بقيادة قطاع كبير من النشاط الأهلى فى مجال رعاية وتأهيل المعاقين.
وينص القانون رقم 12 لسنة 1996 الخاص بأحكام حماية الطفل على أن «للطفل المعاق الحق فى التمتع برعاية خاصة اجتماعية وصحية ونفسية تنمى اعتماده على نفسه، وتيسر اندماجه ومشاركته فى المجتمع، وللطفل المعاق الحق فى التأهيل، ويقصد بالتأهيل تقديم الخدمات الاجتماعية والنفسية والطبية والتعليمية والمهنية التى يلزم توفيرها للطفل المعاق وأسرته، وتمكينه من التغلب على الآثار الناشئة عن عجزه».
والوزارة معنية بمساعدة مراكز التأهيل فى مثل تلك المناطق لزيادة خدماتها، وتحسين أدائها، ما يجعلها طرفًا آخر لا يمكن استبعاده من دائرة المسؤولية، وأكدت الدكتورة سيدة أبوالسعود، مدير الإدارة العامة للتأهيل الاجتماعى للأشخاص ذوى الإعاقة، دعم الإدارة لمراكز التأهيل التابعة للجمعيات الأهلية ماديًا، نافية تقدم المراكز السابقة بطلب لدعمها.
أخصائى يجرى جلسة تنمية مهارات لأحد الأطفال
وبالإشارة إلى الجمعيات بالمناطق المذكورة، فلم تتقدم أ من هذه الجمعيات لدعمها، فعدد الجمعيات الأهلية العاملة فى رعاية وتأهيل المعاقين يصل إلى 275 جمعية على مستوى الجمهورية، تقوم الوزارة بالتأكد من تقديمها خدمة جيدة من خلال إرسال لجان رقابية من وقت لآخر لتلك الجمعيات.
وإلى أن تتحسن أحوال مراكز التأهيل، ويتم توفير كوادر بشرية تغطى احتياجات هذا العدد من الأطفال المعاقين، يخشى والد إسراء من تدهور حالة صغيرته، حتى لا تتحول مثل أحمد ومحمود هذا التوأم الذى لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره.
توقفت أمهما عن تأهيلهما بسبب تدهور حالتها الصحية فى أثناء بحثها عن مكان لتأهيلهما، واكتفت بتركهما داخل المنزل، يحبان وينظران للوجوه التى تتردد عليهما يوميًا فى محبسهما فى محاولة منهما للتعرف عليهم. وتترقب محاولاتهما الفاشلة فى الوقوف أو الحركة مثل بقية الأطفال فى عمرهما.. وحتى لا يصل حال 1500 طفل إلى هذا الحد حاولنا لفت انتباه المسؤولين والمجتمع المدنى للوضع الذى يعيشه مثل هؤلاء الأطفال الذين لا يقلون شيئًا عن الأسوياء، من حيث حقهم فى الحياة.
الاكتشاف المبكر لإعاقة الأطفال يساهم فى تحسن حالتهم:
وفقًا لتقرير الصندوق الاجتماعى للتنمية لعام 2013، هناك 23 قرية فى محافظة الجيزة تخطت نسبة الفقر فيها %75، كما بلغت نسبة الأمية فى المحافظة نفسها %22 لعام 2012 وفقًا لتقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، ونتيجة لنسبة الفقر والأمية تلك يعجز أولياء الأمور عن اكتشاف إعاقة أطفالهم مبكرًا فتتدهور حالة صغارهم أكثر، ويصعب تأهيلهم فى سن متقدمة، وهذا ما أكده الدكتور أسامة عبدالغنى، أستاذ المخ والأعصاب، مرجعًا سبب إعاقة هؤلاء الأطفال إلى «حدوث أخطاء خلال عملية الولادة، إما لأنها تتم على أيدى غير متخصصين، أو بالطرق البدائية، أو نتيجة حدوث مشاكل بعد الولادة ناتجة عن عدم توافر الحضانات فى مستشفيات تلك القرى الواقعة فى مناطق ريفية نائية لرعاية الطفل فى الساعات الأولى من ولادته».
وحذر د. «عبدالغنى» من خطورة تأخر تأهيل هؤلاء الأطفال قائلاً: «الأطفال المصابون بالشلل الدماغى غالبًا ما تكون لديهم مشاكل فى التغذية نتيجة عدم قدرتهم على مضغ الطعام، والتعامل مع البيئة المحيطة، والتنفس، وهذه أحد أهم أسباب الوفاة، وعلى الحكومة توفير وسائل التشخيص السريع والعلاج لهؤلاء الأطفال فهم ضحايا إهمالنا».
من جانبها ترى الدكتورة منى حافظ، مدير الإدارة العامة لذوى الاحتياجات الخاصة بوزارة الصحة، أن الإرهاق الذى تتعرض له الأمهات وهن يحملن أطفالهن المعاقين، ويتنقلن بين المراكز على مسافات بعيدة غير مجدٍ. وقالت إن توفير أخصائى علاج طبيعى ليس هو المهم، لكن الأهم من وجهة نظرها هو دور الأمهات فى المنزل لرعاية الأطفال.
تقول د. حافظ: أخصائى العلاج الطبيعى ليس هو المعنىّ بحل المشكلة، لأن هذا يرجع إلى دور الأمهات، لأنهن مَن يجلسن فى المنزل برفقة الأطفال طوال الوقت، ويرافقنهم 24 ساعة، سبعة أيام فى الأسبوع، وبالتالى حتى لو أجرينا جلسة أو اثنتين للأطفال أسبوعيًا، فهى المكلفة بإجراء التمارين، وتطبيق هذه الجلسات مع الأطفال فى المنزل.
غرفة انتظار الأمهات بصحبة أطفالهن
وتضيف: واجبنا فى الإدارة هو الحد من نسبة الإعاقة، وهذا يتم من خلال تنظيم ندوات ودورات تثقيفية للأم حول ضرورة متابعتها خلال فترة الحمل، وخطورة عدم إجراء ذلك، وتوعيتها بضرورة أن تلد فى مكان مجهز وليس بالبيت أو عيادة خاصة لأنه من الممكن أن يولد الطفل ويحدث له نقص فى الأكسجين يتسبب فى إعاقته بعد ذلك. ولكن على الرغم من توعية الأم بكل هذا، لا نعرف إن كانت تطبق تلك التعليمات بعد انتهاء الدورات أم لا.
تم إنجاز هذا التحقيق بدعم وإشراف شبكة أريج - إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية
www.arij.net
عدد الردود 0
بواسطة:
د. أحمد عيد
رؤية وحل بسيطة لهذه المشكلة الضخمة