فالبلد الذى لا ينعم باستقرار اقتصادى وأمنى وغياب الرؤية فى البيئة التشريعية التى تتحكم فى الاستثمار بها، دائما ما يهرب منه المستثمرون.. قوانين اقتصادية عدة أعلنت عنها الحكومات الاقتصادية السابقة فى مصر مثل الاستثمار والثروة المعدنية والعمل والصناعة الموحد وغيرها من القوانين، لكن لم تظهر للنور بعد، ما أدى إلى إهدار استثمارات بمليارات الدولارات على خزينة الدولة، فى وقت نحتاج فيه أن تتحرك الحكومة الحالية بسرعة الضوء حتى نستطيع أن نصل للدول التى سبقتنا واستطاعت أن تهيأ مناخا ملائما للمستثمرين.
أسباب تأخر صدور اللوائح
ماذا لو انتهت اللوائح التنفيذية للقوانين الحاكمة للاستثمار فى مصر؟ سؤال نطرحه ونبحث عن إجباته من تجارب الدول التى سابقتنا وخرجت من أزمتها الاقتصادية مثل ماليزيا وسنغافورا والبرازيل وغيرها من دول الاقتصاديات الناشئة.
فإذا نظرنا إلى سنغافورة سنجد أنها كانت واحدة من أفقر البلدان فى آسيا خلال الستينيات من القرن الماضى، لكن منذ ذلك الحين حولت نفسها إلى واحدة من أكثر الاقتصادات تقدماً بثالث أعلى مستوى لنصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى فى العالم بعد قطر ولوكسمبورج، فهى عندما تشرع قانونا لابد أن يرافقه اللائحة التنفيذية له، وبالتلى يبدأ العمل به بسرعة وتظهر نتائجه بسرعة، وهذا حال معظم الدول التى حققت نهضة.
ومرت سنغافورة عبر مراحل عديدة فى هذا المسار المذهل من التنمية، حيث بدأت بالتصنيع
الخفيف ثم انتقلت إلى صناعات أكثر تطوراً قبل التحول إلى مركز إقليمى للتجارة والخدمات المالية، وتتمثل أحدث مرحلة فى مسار تنمية هذا البلد فى إنشاء اقتصاد قائم على المعرفة، وهذا التحول الهائل تم عبر مراحل مختلفة، عن طريق إعداد قوانين استثمار واضحة المعالم وجاذبة للمستثمرين، فمن المعروف أن الاقتصاد ينمو إما بسبب الزيادة فى المدخلات (العمالة، أو رأس المال، أو الموارد الطبيعية) أو عندما تصبح تلك المدخلات أكثر إنتاجية.
نمو سنغافورة
وفى حالة سنغافورة، فإن معظم النمو الأولى جاء من الزيادة السريعة فى العمالة ورأس المال، لكن فى الآونة الأخيرة، أتى معظم النمو فى سنغافورة من زيادة إنتاجية المدخلات، حيث أصبح الاقتصاد قائماً على المعرفة بشكل أكبر وفقا لتقرير صندوق النقد الدولى.
وفى ماليزيا استطاع مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق، إحداث طفرة اقتصادية ونهضة حقيقية، جاءت وسط ظروف ماليزية أصعب من الظروف التى تمر بها مصر الآن، من الممكن أن تكون طريقة جديدة لعبور مصر من مرحتلها الاقتصادية الصعبة، لما تمثله من نموذج حى للنهضة، ومن العوامل الأساسية التى أدت إلى نهضتها، وكذلك القضاء على البطالة والتوجه نحو التصنيع، بالإضافة إلى تخصيص الأراضى الزراعية للعاطلين لاستيعاب العمالة المتكدسة وهو ما ساعد فى تحقيق دخل عن طريقها.
واعتمدت ماليزيا على حل آخر للنمو اقتصاديا من خلال اختيار صناعة، فوقع الاختيار على تصنيع "الشرائح الإلكترونية" لما تتميز به من استخدام الأيدى عاملة كبيرة، وعلى هذا الأساس تم إعطاء إعفاءات كاملة من الضرائب لهذه الصناعات، التى عمل بها الآلاف، وتم اكتساب المهارات من خلال تلك الصناعات كالمايكرو إلكترونيك أو المايكروتشيبس، بالاضافة إلى تقديم إعفاءات ضريبية تصل حتى عشر سنوات، وتم تزويد المناطق المختلفة بالبنية التحتية، والسماح بالاقتراض للمستثمرين الأجانب من البنوك المحلية، ما أدى إلى ارتفاع متوسط دخل الفرد فى المجتمع الماليزى من 350 دولارا سنويا فى بداية النهضة، إلى أن ارتفع لـ3000 دولار سنويا خلال الوقت الحالى.
أهمية تطبيق التجربة الماليزية
والعامل الرئيسى فى نجاح التجربة الماليزية هو الاهتمام بجودة التعليم، فعقب انتهاء الاحتلال كان بها جامعة واحدة فى السابق، لكنها أصرت على إيفاد بعثات للتعلم فى الخارج، إلى أن تخطى عدد الجماعات الخاصة والحكومية عشرات الجامعات.
ومن هنا نوجه الحكومة المصرية بضرورة العمل على تهيئة المناخ الملائم للاستثمار عن طريق إصدار قوانين الاستثمار والعمل وغيرها من القوانين والتسويق لها بشكل جيد وتقديم حوافز لجذب المستثمرين العرب والأجانب لضخ استثمارات لزيادة الإنتاج، ومن ثم زيادة الصادرات، الأمر الذى سيؤدى إدخال عملة صعبة إلى خزينة الدولة وارتفاع احتياطى النقد الأجنبى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة