وبيّنت الدراسة التى أطلقتها غرفة دبى كاملةً على هامش استعداداتها لتنظيم المنتدى العالمى الأفريقى للأعمال، الذى سينطلق الثلاثاء (17 نوفمبر) فى فندق اتلانتس دبى، أن الصكوك تشكل أداةً جاذبة لتمويل مشاريع البنية التحتية الإفريقية، حيث تواجه القارة السمراء عجزاً فى ميزانيات الحكومات لتمويل مشاريع البنية التحتية نتيجة عوامل عدّة أبرزها انخفاض أسعار السلع.
وأظهرت الدراسة أن الصكوك استخدمت فى خمس دول إفريقية لجمع التمويل، إلا أن الطريق ما زال طويلاً فى مجال إصدار الصكوك بسبب وجود تحديات تقنية وقانونية، مبينةً وجود معرفة محدودة بأدوات التمويل الإسلامى بين المستخدمين وصنّاع السياسة فى القارة الإفريقية، ما يفتح المجال أمام تطوير التعاون فى هذا المجال بين دبى وأسواق القارة السمراء.
21 دولة أفريقية تعتمد التمويل الإسلامى
وأشارت الدراسة التى ركّزت على أسواق جنوب وشرق وغرب القارة الإفريقية، إلى أن التمويل الإسلامى منتشر فى 21 دولة إفريقية، ويتنوع تواجده بين أنظمة قائمة مثل السودان، وأسواق ناشئة وجديدة مثل اوغندا. كما تحدثت عن أنّ جنوب إفريقيا خطت خطوات رائدة فى هذا المجال منذ العام 2011، بالإضافة إلى نيجيريا والسنغال وكينيا، فيما لا تزال اسواق دول مثل إثيوبيا وأوغندا وزامبيا وموزمبيق فى مرحلة الاستكشاف لقطاع التمويل الإسلامى.
وكشفت الدراسة أن الاقتصاد الإسلامى لا يعتمد على الكثافة السكانية الإفريقية المسلمة، حيث أن حكومات الدول غير المسلمة بدأت بتحديد القدرات الاقتصادية فى قطاعات الحلال والصكوك، وهناك توجه لتبنى الممارسات الاقتصادية الإسلامية فى عدد من القطاعات.
وبيّنت الدراسة ضعف انتشار التمويل الإسلامى والخدمات المصرفية الإسلامية وأدواتها فى غرب إفريقيا، مثل غانا وساحل العاج، فى حين أن النيجر التى يشكل المسلمون 94% من سكانها، تشكل الحسابات المصرفية الإسلامية 3% فقط من إجمالى أصولها، وكذلك الأمر فى مالى التى يتخطى عدد سكانها من المسلمين 90%.
وقال حمد بو عميم، مدير عام غرفة تجارة وصناعة دبى، إنّ القارة الإفريقية والاقتصاد الإسلامى هما ركيزتان فى استراتيجية الغرفة للمرحلة المقبلة، وأنّ دبى باتت بالفعل عاصمة عالمية للاقتصاد الإسلامى وبوابة استراتيجية للاستثمارات من وإلى إفريقيا.
وأضاف: "توفير المعلومات لم يعد عائقاً امام التوسع فى الأسواق الإفريقية. ونحن حريصون فى غرفة دبى على أن نكون فى صدارة المستفيدين من الفرص التى تتيحها القارة السمراء، وذلك انسجاماً مع جهود إمارة دبى لتعزيز مكانتها كوجهة عالمية للأعمال."
وختم بو عميم بقوله: "إفريقيا هى وجهة الاستثمارات المستقبلية، وقطاعات الاقتصاد الإسلامى فى القارّة لا تزال فى طور النمو، وبالتالى فإنّ الشركات الإماراتية مدعوّة لأن تصنع مستقبلها وتضع بصمتها على هذه الأسواق لتكون لها الريّادة والتميّز فى هذا المجال. وغرفة دبى سوف تواصل العمل على تعزيز تنافسية أعضائها فى الأسواق النامية والقطاعات الواعدة، وهنا تكمن أهمّية هذه الدراسة، حيث أنّها تسهم فى تحقيق هذه الأهداف عبر التعريف بفرص محدّدة فى قطاعات الاقتصاد الإسلامى وفى أسواق تستهدفها الغرفة فى القارّة السمراء."
ومن بين قطاعات الاقتصاد الإسلامى المختلفة، حدّدت الدراسة التمويل الإسلامى والأغذية الحلال والسفر الحلال كمجالات لم تستغل بالقدر الكافى فى أفريقيا، رغم توافر فرص كبيرة فى هذه المجالات للمستثمرين الإماراتيين الراغبين فى التوسع فى القارة السمراء.
ونوّهت الدراسة بتنامى الطلب على منتجات التمويل الإسلامى فى كل من كينيا وأثيوبيا وجنوب إفريقيا، مع هيمنة واضحة للصيرفة الإسلامية والصكوك على قطاع التمويل الإسلامى ووجود آفاق واسعة فى قطاعات إدارة الأصول والتكافل.
98 مليار دولار لتمويل البنية التحتية
وجاء فى الدراسة أنّ القارة الإفريقية تحتاج حالياً إلى حوالى 98 مليار دولار سنوياً لتمويل احتياجاتها من البنية التحتية، وقد لعبت الصكوك دوراً ملحوظاً فى تضييق فجوة التمويل للبنية التحتية فى إفريقيا، ما أتاح لها توسيع انتشارها فى دول عدّة.
هذا وتناولت الدراسة جنوب أفريقيا التى يبلغ تعداد المسلمين فيها 1.3 مليون نسمة، وهم يساهمون بأكثر من 10% من إجمالى الناتج المحلى الإجمالى، بينما تشير بعض التقديرات إلى أنّ ما بين 10 و15% من هؤلاء فقط يستخدمون التمويل الإسلامى.
تجدر الإشارة إلى أنّ جنوب أفريقيا أتاحت فى سبتمبر من العام 2014 إمكانية تقديم قروض متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وذلك فى خطوة كانت الأولى من نوعها فى القارة الإفريقية. وقد باتت جنوب أفريقيا بذلك ثالث دولة غير إسلامية، بعد هونغ كونغ والمملكة المتحدة، توفّر هذه القروض.
وقد ذكرت الدراسة أنّ مبيعات الصكوك وصلت إلى 500 مليون دولار بترتيب مشترك بين بنك باريبا وبيت التمويل الكويتى وبنك ستاندرد فى جنوب إفريقيا، وبلغت قيمة التغطية أربعة أضعاف حيث أتى المستثمرون من دول الخليج ليستحوذوا على حصة تجاوزت نصف عدد المشتركين.
وتعتبر هذه السندات التى يستحق سدادها فى يونيو 2020، جزءً من الأهداف الوطنية لوزارة المالية الجنوب أفريقية فى تنويع مصادر التمويل والمستثمرين، علماً أنّ الوزارة تعمل أيضاً على إصدار أول صكوك بعملة الرند المحلية من أجل تنويع التمويل وتوسيع التمويل الإسلامى إلى مجالات أبعد من القطاع المصرفى.
من جهة أخرى، تعمل زامبيا على تهيئة الأرضية الملائمة للمصارف الإسلامية إلى جانب البنوك التقليدية، خصوصاً مع إمكانية استخدام أدوات التمويل الإسلامية فى تمويل البنية التحتية ومشاريع الزراعة والصناعة، ما أوجب خلق أرضية تشريعية تتلائم مع الاحتياجات المصرفية الإسلامية للدولة.
البنك الإسلامى للتنمية يموّل 22 مشروعاً بقيمة 160 مليون دولار
أمّا موزمبيق، العضو الوحيد فى البنك الإسلامى للتنمية فى جنوب القارة السمراء، فقد حصلت منه على 300 مليون دولار للاستثمار، وذلك منذ انضمامها إليه فى العام 1995. ويجرى حالياً تمويل وتنفيذ 22 مشروعاً من البنك الإسلامى للتنمية بقيمة إجمالية تزيد عن 160 مليون دولار.
ورغم أنّ المسلمين يشكّلون 33% من إجمالى عدد السكان فى كينيا، أى نحو 14.5 مليون نسمة، يستحوذ التمويل الإسلامى على حصّة نسبتها 2% فقط من السوق بسبب عدم توفر كفاءات بشرية مؤهلة ومنتجات تمويلية إسلامية كافية.
وفى إطار خطتها الأساسية لرأس المال، اعتمدت كينيا على رؤية راسخة لتطوير أسواق رأس المال الإسلامية وأبرمت اتفاقاً مع الحكومة القطرية لبناء القدرات وتطوير الإطار القانونى والتنظيمى للسماح بإصدار الصكوك وإدارة الأصول الإسلامية وغيرها من المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. وقد حصل بنك دبى الإسلامى مؤخراً على موافقة مبدئية من الجهات التنظيمية فى كينيا لإنشاء فرع له هناك، ومن المتوقع افتتاحه نهاية هذا العام.
حكومة اوغندا من جهتها وافقت فى شهر يونيو على تعديلات مشروع قانون المؤسسات المالية، لتمهد بذلك الطريق امام المصارف الاسلامية والتمويل الاسلامى. ولكونها تحظى بعضوية البنك الاسلامى للتنمية، تستقطب أوغندا اهتمام المؤسسات المالية الاجنبية والمحلية لتقديم خدمات متوافقة مع احكام الشريعة. وقد تقدّمت المؤسسة الاسلامية لتنمية القطاع الخاص، الذراع التمويلى للقطاع الخاص التابع للبنك الاسلامى للتنمية، بطلب لانشاء مصرف اسلامى فى كمبالا.
أمّا فى أثيوبيا، فما زال التمويل الإسلامى فى طور النمو رغم أن ثلث السكان من المسلمين، وذلك بسبب الحاجة إلى بيئة تشريعية تحفز المنتجات المصرفية الإسلامية، فى حين يعتبر سوق التكافل فى السودان السوق الأهم فى إفريقيا، وهو ثالث أكبر سوق عالمياً بعد دول الخليج وماليزيا.
من جانب آخر، أشارت الدراسة إلى أنّ دول جنوب الصحراء الكبرى أنفقت على المنتجات الحلال نحو 114 مليار دولار فى العام 2013، وفق بيانات تومسون رويترز، حيث أسهم النمو الاقتصادى القوى للقارّة الإفريقية مدفوعاً بارتفاع الدخل الفردى، فى ارتفاع الطلب على مختلف المنتجات الحلال، ما عزز نسب الاستهلاك وخلق فرصاً تجارية عالمية لهذه المنتجات. وفيما تركّز الطلب على اللحوم بشكل أساسى، شهدت السنوات القليلة الماضية توجهاً كذلك نحو الشركات الحلال والوجبات الجاهزة والمعلبة والمجلدة والأطعمة سريعة التحضير.
وقد حلّت جنوب أفريقيا بين أكبر خمس دول منتجة للمنتجات الحلال عالمياً، وذلك رغم قلّة عدد السكان المسلمين فيها نسبياً. ويعزى ذلك إلى موقعها وسهولة وصولها إلى أسواق الدول الأخرى فى القارّة ووجود برنامج متقدّم للحصول على شهادة المنتج الحلال، حيث يحمل ما نسبته 60% من منتجات تجار التجزئة شهادة "حلال"، بقيمة تصل إلى 71.7 مليون دولار وفقاً لهيئة تنمية التجارة الخارجية الماليزية. وتأمل جنوب إفريقيا فى زيادة قيمة صادرات الحلال لتصل إلى 31 مليار دولار فى العام 2020، وتعزيز مكانتها كبوابة عبور الى سوق التغذية والمشروبات الحلال فى القارة السمراء.
إمكانات واعدة لقطاع السياحة الحلال
هذا وأشارت الدراسة إلى أنّ السياحة الحلال قطاع واعد أيضاً، لكنّ لا يزال فى مراحله الأولية. فإذا تمّ تسويقه بشكل جيّد، يمكن للسفر الحلال فى القارّة أن ينافس وجهات أكثر قوّة وعراقة. وتقود هذا التوجه كل من تنزانيا وزنجبار وجنوب إفريقيا.
وخلصت الدراسة إلى أنّ إنفاق المسلمين فى العالم على السفر من المتوقّه له أن يصل إلى 238 مليار دولار بحلول العام 2019، فى حين أنّ حصّة إفريقيا حالياً من سوق السفر الحلال متدنية ولا تتخطى 5% من إجمالى السوق العالمى، حسب بيانات "دينار ستاندرد"، بينما تبلغ حصة القارة الأوروبية 51%، ما يفتح المجال أمام فرص للنمو والتطور بالنسبة للقارة الإفريقية فى هذا المجال.
وتركّزت توصيات الدراسة على ضرورة تطوير آلية ومعايير للخدمات الإسلامية تغطى جميع الجهات والهيئات المالية وفق المعايير المعتمدة عالمياً، إضافة إلى أهمّية تأسيس علاقات مع مؤسسات ومراكز تمويل إسلامية فى ماليزيا ودبى ولندن وإنشاء مجلس رقابة مستقل للإشراف على تطبيق المعايير الإسلامية المتوافقة مع الشريعة، وأخيراً تعزيز التعاون مع مموّلين لمنتجات التمويل الإسلامى مثل الصندوق العربى للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة