أكرم القصاص - علا الشافعي

«الملايين الحرام» فى مراكز الدروس الخصوصية.. تقارير حكومية: 70 مليار جنيه إجمالى إنفاق الأسر المصرية على التعليم سنوياً.. «الإجازة دون مرتب».. وسيلة المدرسين لتجنب عقوبات قوانين منع الدروس

السبت، 27 سبتمبر 2014 02:59 م
«الملايين الحرام» فى مراكز الدروس الخصوصية.. تقارير حكومية: 70 مليار جنيه إجمالى إنفاق الأسر المصرية على التعليم سنوياً.. «الإجازة دون مرتب».. وسيلة المدرسين لتجنب عقوبات قوانين منع الدروس صورة أرشيفية
تحقيق - أحمد جمال الدين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلا من العدد اليومى..

بعد يوم شاق يعود عامل الطلاء البسيط إلى منزله ليجد ابنه الأوسط يطلب ألف جنيه مبدئيًا للحجز فى «مركز...» لدروس التقوية بمنطقة شبرا التابع لإحدى الجمعيات التى توصف بأنها خيرية.

الأب المجهد «مهدود الحيل» الذى يدوخ يوميًا «السبع دوخات» منذ شروق الشمس حتى غروبها، يرد: «حاضر إن شاء الله عن قريب».. ويغيب فى صمت عميق، لا يريد أن ينقل مخاوفه إلى فلذة كبده، الذى يطلب طلبًا منطقيًا بعدما أصبحت المدرسة لا تعلم شيئًا.

ليس ذاك العامل البسيط حالة فردية، فمع ارتفاع معدلات البطالة، وسعى الشباب للبحث عن «شغلانة ياكلوا منها عيش»، انتشرت المراكز التى تدعى توفير دورات تأهيلية لسوق العمل، فى مجالات كاللغات والكمبيوتر والإدارة، وما إلى ذلك من مهارات مطلوبة، وتعمل هذه المراكز بمقتضى قرار وزارى ينص على أنه «يجوز الترخيص بإنشاء مراكز خاصة للتدريب والتعليم تهدف لتقديم خدمات تدريبية وتعليمية فى مجالات اللغات والكمبيوتر والسياحة والفنادق والتطوير والتفصيل وإصلاح الراديو والتليفزيون والتبريد وإدارة الأعمال والسكرتارية، وأى أنشطة أخرى تعليمية، توافق عليها وزارة التربية والتعليم».

لكن، ولأسباب ما، تحولت هذه المراكز من التدريب إلى الدروس الخصوصية للطلبة، واتبعت وسائل ملتوية للترويج عن نشاطاتها غير القانونية، منها توزيع أوراق مطبوعة على المارة، فى الأحياء التى تقع بها، وكذلك باستخدام الشبكة العنكبوتية، عبر طرح صفحات على مواقع التواصل، وذلك فى غياب رقابة التربية.

التقارير الحكومية ترصد مدى المعاناة التى تعيشها الأسر المصرية فى العام الدراسى، حيث كشفت تقارير صادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء والغرف التجارية ارتفاع فاتورة أسعار الدروس الخصوصية ومصروفات المدارس الخاصة والكتب الخارجية والأدوات والمستلزمات المدرسية فى الموسم الجديد لتصل إلى ما بين 10 و%20 من دخل الأسر بما يقدر بنحو ما بين 60 و70 مليار جنيه.

إذن الدروس الخصوصية تجارة رابحة، ففى محافظتى القاهرة والجيزة، تنتشر المراكز ومنها مراكز تابعة لجمعيات خيرية، مثل «مول الراعى، وأيضا الخشاب» بمنطقة شبرا، ومنها مراكز يمتلكها مدرسون مثل «سنتر البدارى».

ويعتبر «سنتر الخشاب» من أشهر المراكز، ويضم نحو 24 قاعة والطاقة الاستيعابية للقاعة الكبرى 100 طالب، فيما تستوعب القاعة الصغرى 50 طالبًا، ويسجل الطالب فى المركز بسحب ملف بأسماء المدرسين فى كل المواد للمفاضلة بينهم، على طريقة انتقاء البضاعة، أو «المنيو» بالمطاعم.

وهناك مدرسون يعتبرون «نجومًا» للدروس الخصوصية، وتتراوح أسعارهم بين 170 و240 جنيهًا، إلى جانب أسعار الملازم التى تبدأ من 40 جنيها.. الأمر الذى يكشف عن حجم الأرباح الشهرية التى تحققها تلك المراكز التى يدرس بها المئات إن لم يكن الآلاف، وهناك أيضا رسم دخول بقيمة 5 جنيهات للمحاضرة الواحدة، كما لو كانت ضريبة مبيعات أو خدمة سياحية. ويبلغ متوسط ما يتكبده أولياء الأمور شهريا للطالب الواحد نحو 1400 جنيه، ما يطرح أسئلة حول جدوى الإبقاء على وصف «خيرية» خلف اسم تلك المراكز، التى تحقق أرباحًا شهرية ببضعة ملايين.

يقول حسن إسماعيل، وكيل مديرية التضامن بمحافظة القاهرة، إن وزارة التضامن ليست مسؤولة عن متابعة عمل هذه الفصول، حيث إن الترخيص يصدر فقط للجمعيات وفصول التقوية تدخل من ضمن أنشطتها، موضحًا أن الأنشطة التعليمية للجمعيات تتبع وزارة التربية وهى التى تمنح التراخيص وبوسعها حسب القانون أن ترفض الترخيص وتفتش على المركز بعد ترخيصه. ولجأت المراكز إلى استخراج تراخيص تحت لافتة أنها خيرية، للالتفاف خلف قرار وزير التعليم الأسبق، الدكتور أحمد زكى بدر بوقف منح التراخيص لإنشاء وتشغيل مراكز تعليمية خاصة وتصل مدة الوقف إلى عامين، وهى المهلة التى انتهت فى إبريل 2012، كما يتيح اللجوء إلى الترخيص تحت لافتة الجمعيات الخيرية إمكانية التهرب من الضرائب. ورغم أن القرارات الوزارية تلزم مديريات التعليم بمراجعة موقف المراكز ووقف مزاولتها الأنشطة غير المذكورة بتراخيصها، فإن عددًا من مديرى المديريات بالقاهرة نفى علمه بالقرار.. مما يكشف عن تضارب واضح فى الاختصاصات. ويقول الدكتور محمد سلامة، مدير مديرية التعليم بالقاهرة: ما أعرفه أن هذه المراكز تابعة للأحياء، موضحا أن الوزارة لا تملك حق التفتيش، فالأحياء تتمتع بالضبطية القضائية غير المتاحة لمفتشى الوزارة.

ويتهرب المدرسون من القوانين التى تمنع عملهم بالدروس الخصوصية عبر الحصول على إجازة دون مرتب، حسبما يؤكد سلامة قائلا: «هناك العديد من الجهات التى يمكن محاسبة المدرس أمامها ومنها الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة والضرائب». وينتقد سلامة ضعف القانون فى مواجهة الدروس الخصوصية فالعقوبات تنحصر فى الخصم من المرتب أو الحرمان من العلاوة والترقيات.

ويقع مركز «رويال نت» فى ميدان الخلفاوى وله لافتة تتصدر أحد العقارات الرئيسية بالميدان، تشير إلى أن نشاطه ينحصر فى «دورات الكمبيوتر وكتابة الرسائل العلمية وخدمات رجال الأعمال»، دون الإشارة من قريب أو من بعيد إلى النشاط الحقيقى للمركز.

وبرغم لافتة المركز العريضة فإنها لا تتضمن الإشارة إلى وجود أى نوع من الترخيص سواء بتبعيتها لجمعيات أو الحصول على ترخيص من وزارة التربية والتعليم.

ويستعين المركز بـ«بودى جاردات»، لمنع الاحتكاك بين الطلاب ومنع انتظارهم أمام بوابة العقار، وكذا منع موظفى الأحياء من الاقتراب، وهى الوظيفة الأهم، حسبما يؤكد أحدهم رفض بالطبع ذكر اسمه، مما يطرح تساؤلا عما إذا كانت تلك المراكز أعلنت قانون البلطجة وشرعية «النبوت» لمن يقترب من أسوارها، فلا أحد يستطيع وقف نشاطها، أو تحصيل ضرائبها، أو حتى التفتيش عليها.

ويقع مركز البندارى المملوك لأحد مدرسى اللغة العربية بدوره فى شقة من أربع غرف وصالة، ويلجأ للدعاية عن أنشطته عبر توزيع الأوراق على المصلين، وأمام المتاجر الكبرى والكنائس بشبرا، وتضم الغرفة الواحدة 100 طالب بحد أقصى، الأمر الذى يثير الريبة فى خدمات المركز الذى يتكدس الطلاب فيه كما لو كانوا فى علبة سردين.

وفى منطقة الدقى التابعة للجيزة كان من الصعب تجاهل مركز «السرساوى» الذى يعتبر الأشهر، نظرًا لنشاط صفحته على موقع «فيس بوك» كما يستخدم المركز بعضا من الطلاب للدعاية له، ويبدو أنه يخصص لهم «عمولة».

وتستخدم المراكز عبارات غير منطقية، منها: المدرس الأفضل، و«صاروخ اللغة الإنجليزية»، و«خوارزمى الرياضيات»، وما إلى ذلك من عبارات فيها صيغ مبالغة وتضليل، ورغم شهرة المركز ووقوعه فى منطقة تصنف بأنها من المناطق الراقية فإن الأسعار كانت تماثل المراكز فى منطقة شبرا وإن كانت أقل نسبيا حيث يمكن بمبلغ 1000 جنيه فقط التسجيل فى كل المواد وهو ما يعنى تحقيق المركز دخلا يقترب من 350 ألف جنيه شهريا.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد شكرى

اصحوا

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة