نظم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، أول أمس الجمعة، بالتعاون مع الشبكة الاورمتوسطية لحقوق الإنسان والمنظمة الدولية لمناهضة التعذيب والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، لقاءً خاصا حول الحق فى التجمع السلمى فى المنطقة الاورمتوسطية، تحت عنوان "حرية التظاهر بالمنطقة الارومتوسطية: انتكاسة خطيرة"، وذلك على هامش فعاليات الدورة السادسة والعشرين لدورات مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، المنعقدة حالياً فى جنيف، والمقرر أن تمتد حتى 27 من الشهر الجارى.
واستضاف اللقاء كلا من عثمان إدجى عضو جمعية حقوق الإنسان فى تركيا وعضو اللجنة التنفيذية للشبكة الاورمتوسطية لحقوق الإنسان، وياسين زايد، النقابى وعضو الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، وباسم زكريا، الباحث ببرنامج مصر بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان. وأدار النقاش جيرالد ستابروك الأمين العام للمنظمة الدولية لمناهضة التعذيب.
كما شهد اللقاء استعراضاً لأهم ما خلصت إليه الدراسة الإقليمية التى أعدتها الشبكة الاورمتوسطية لحقوق الإنسان حول الإطار القانونى المنظم للحق فى التجمع السلمى وحرية التنظيم فى 13 دولة بالمنطقة الأورمتوسطية، ومدى اتساق تلك القوانين مع المعايير الدولية، كما سلط اللقاء الضوء على أمثلة حية للقصور على مستويى التشريع والتطبيق فى هذا الصدد فى كل من مصر والجزائر و تركيا، واقتراح توصيات محددة من منظور المجتمع المدنى للانخراط فى الإصلاحات وتعزيز وحماية حقوق الإنسان فى سياق الاحتجاجات السلمية.
بدأ اللقاء باستعراض أهم مكونات الدراسة الميدانية للشبكة الاورمتوسطية والذى قدمه عثمان إدجى، مشيرا إلى أن ثمة أشكال جديدة للتجمع السلمى قد أفرزتها الانتفاضات الأخيرة فى المنطقة، انطلقت من ميدان التحرير فى القاهرة إلى ساحة تقسيم فى اسطنبول، الأمر الذى اعتبرته الدراسة انعكاساً واضحا لإرادة المواطنين فى توسيع حدود المواطنة، والمشاركة الفعالة فى الشأن السياسى العام.
وعلى صعيد العقوبات أشارت الدراسة إلى أن العديد من البلدان فى جميع أنحاء المنطقة، تتبع عقوبات قضائية شديدة القسوة بحق المتظاهرين، ناهيك عن الغرامات الثقيلة أو السجن (الأمثلة الأكثر خطورة هى مصر وفلسطين وتركيا وسوريا) خاصة فى ظل اتباع العديد من الدول تشريعات استثنائية (مثل قانون مكافحة الإرهاب) لمعاقبة المتظاهرين بقسوة أكبر (مصر، الأردن، لبنان، المغرب، سوريا، تركيا، وفى بعض الحالات فى أوروبا) ناهيك عن تقديم بعض الدول المدنيين لمحاكم عسكرية أو محاكم استثنائية بعيدة الاختصاص لا تتمسك بمبادئ المحاكمة العادلة (مصر وإسرائيل والأردن وتركيا).
فعلى سبيل المثال وفى تركيا- حسب عثمان إدجى- تتعامل السلطات مع الاحتجاجات على اعتبارها تهديدا مستمرا للنظام، فمن جهة لابد من إبلاغ السلطات قبل 3 أيام من خروج الاحتجاج ومن ثم فلا وجود لأية احتجاجات عفوية، ناهيك عن صدور أحكام قاسية على المتظاهرين بتهمة الإرهاب لمجرد مشاركتهم فى احتجاج سلمى.
ويضيف عثمان: "كما أن انتماء المتظاهرين يحدد رد فعل الشرطة التركية مع المظاهرة، فمثلا المنتمين للأقليات يتعرضون لقدر أكبر من الانتهاك. ويضيف عثمان أن غالبا ما يتعرض النشطاء لمضايقات قضائية واتهامات بأنهم أعضاء فى جماعات غير شرعية وأحيانا جماعات إرهابية وهى التهم الأكثر شيوعا ضد النشطاء فى تركيا، موضحا تجربته الشخصية فى هذا الصدد.. حيث قضى عاماً فى السجون التركية بسبب اتهامات مشابهة.
وفى سياق متصل، ركز ياسين زيد، نقابى وعضو الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان على الوضع فى الجزائر، مشيرا إلى أن "الجزائر دائما هو أول من يصدق ويوقع على المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، ولكن عندما يتعلق الأمر بالتنفيذ، فإنه لا يولى اهتماما، فهو فقط حريص على صورته أمام المجتمع الدولى، كما يحرص على قدم المساواة على منع النشطاء من الحديث عن الانتهاكات التى تحدث- على حد قول زايد.
وأضاف "زايد" على الرغم من التعديل الواضح للإطار القانونى فى عام 2011، إلا أن ثمة احتفاظ بالأحكام القانونية المتعسفة والممارسات الإدارية التعسفية فيما يتعلق بممارسة الحق فى التظاهر، هذا بالإضافة إلى القيود الشديدة على وسائل الإعلام التى تغطى الاحتجاجات والعنف من قبل الشرطة فى سياق التجمعات السلمية، وتوظيف إعلام الدولة للتشهير بالمدافعين عن حقوق الإنسان ونعت النشطاء بالخونة والعملاء وأصحاب الانحيازات لصالح جهات أجنبية ضد الدولة.
هذا بالإضافة إلى الممارسات القمعية لرجال الشرطة فى سياق الاحتجاجات بدءا من الحظر التعسفى، مرورا بالاعتقالات الوقائية وعمليات الفض والتشتيت للتجمعات السلمية، وصولا للاستخدام المفرط للقوة والملاحقات القضائية للمتظاهرين والنشطاء وإستراتيجيات الترهيب والانتقام ضد أولئك الذين يمارسون حقهم فى التجمع السلمى.
من جانبه ركز باسم زكريا على الوضع فى مصر، معتبرا أن "ما حدث فى يناير 2011 كان ببساطة أن الناس قد استردت ملكيتها للفضاء العام، بعدما ظل مُحتكرا من قبل الحكومة لعشرات السنوات. وبالتالى فإن الحكومات المتعاقبة التى تولت السلطة بعد سقوط مبارك- والتى لم تكن سوى إعادة إنتاج لنظام مبارك مع بعض التغييرات الشكلية- أدركت أن عليها الفوز فى معركة استعادة الفضاء العام واحتكاره، ومن هذا المنطلق بدأت عملية تجريم الاحتجاج والتعامل مع المواطنين باعتبارهم مجرمين محتملين وبالتالى التعامل مع الحقوق والحريات على أنها جرائم محتملة.
وفى نهاية اللقاء قدم المشاركون عدداً من التوصيات العامة التى تنطبق على معظم البلدان فى المنطقة، من بينها ضرورة التأكيد على حق جميع الأفراد دون تمييز فى ممارسة حقه فى التجمع السلمى، ورفع أية قيود قانونية على تنظيم الاحتجاجات والرسائل والشعارات المستخدمة فيها، وأهمها تفعيل نظام الإخطار وليس التصريح لتنظيم الاحتجاجات، ووضع أساس قانونى واضح للقيود المفروضة على تلك التظاهرات بما يتناسب مع المعايير الدولية ويتسق مع سمات المجتمع الديمقراطى، ويضمن آليات فعالة وسريعة للطعن على هذه القيود.
كما أوصى المشاركون بتعزيز مبدأ الضرورة فى التعامل مع الاحتجاجات السلمية والتدرج والتناسب فى استخدام القوة، وحظر استخدام الأسلحة النارية أو المميتة فى التعامل مع التظاهرات السلمية، وضمان إجراء تحقيقات فورية ومستقلة ونزيهة فى حال تقديم شكاوى من الاستخدام المفرط للقوة ووقوع انتهاكات لحقوق الإنسان فى سياق الاحتجاجات، وإنشاء آليات للتحقيق مستقلة ومتخصصة.
وأوصى اللقاء بضرورة أن ينحصر دور الشرطة فى التظاهرات وتنظيمها وأن يتم التعامل مع المخالفات الفردية التى قد تقع من المشاركين فى التظاهرات على حدة، دون أن تُستخدم كذريعة لمصادرة الحق فى التظاهر بالكلية. وكذا الامتناع عن تطبيق أحكام تشريعية استثنائية (مثل قوانين مكافحة الإرهاب) على المحتجين للحد من حقهم فى حرية التعبير، أو إحالتهم لمحاكم خاصة أو فرض عقوبات قاسية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة