كرمت جائزة اليونسكو- الشارقة للثقافة العربية خلال احتفال أقيم مساء أمس الأول فى مقر المنظمة الدولية فى العاصمة الفرنسية باريس، الفائزين بجوائز نسختها الثانية عشرة، وهما الكاتب والناشر القدير فاروق مردم بيك من فرنسا، والمؤسسة العربية للصورة من لبنان.
وتم تسليم الجوائز للفائزين بحضور الشيخة بدور بنت سلطان القاسمى، رئيسة اللجنة المنظمة لمشروع ثقافة بلا حدود، وإرينا بوكوفا، المديرة العامة لـ"اليونسكو"، ومحمد مير عبد الله الرئيسى، سفير دولة الإمارات لدى فرنسا، وعبد الله على مصبح النعيمى، المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى "اليونسكو"، وعبد الله محمد العويس، رئيس دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، وفرانسيسكو بندارين، مساعد رئيس منظمة اليونسكو القطاع الثقافة، وعدد من الشخصيات الرسمية.
وأكدت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمى، فى الكلمة الافتتاحية التى ألقتها خلال الحفل بأن اللغة من أهم أدوات توصيل الثقافة والحضارة للآخرين، ولذلك لا بد أن نهتم بها وبتعلمها والحفاظ عليها، وأنه لا يجب أن نحكم على الآخرين وثقافتهم بمعايير الخطأ والصواب، لأنه لا يوجد هناك الخطأ أو الصواب فى ثقافة شعبٍ ما.
ودعت إلى عدم إطلاق أحكام مسبقة على ثقافات وحضارات أخرى فقط لأننا نشعر بأنها لا تمثلنا أو لا تَشبهنا، وأن لا ننظر إلى الآخرين من زاوية "نحن فى مواجهة الآخر" انطلاقاً من مبدأ أن ثقافتنا وحضارتنا ولغتنا هى الأصح.
وقالت الشيخة بدور القاسمى: "أعتقد أن كل الثقافات تمثل الجوهر الحقيقى لمجموعة مُعينة من الناس، وكل ثقافة تنبع من روح وقلب هذه المجموعة وجغرافيتها وتاريخها. ويجب علينا كبشر أن نوسع آفاقنا ونحترم الثقافات الأخرى ونتبادل المعرفة فى ما بيننا".
وأضافت بدور: "نحن اليوم أكثر تقارباً من أى وقت مضى بفضل وسائل التواصل الاجتماعى، لكننا أكثر انقساماً على المستوى الثقافى، حيث نتعرض كل لحظة لِكَمٍّ هائل من المعلومات حول ثقافات بعضنا البعض ولكنها خارج السياق فى معظم الأحيان، مما يساهم فى وجود مفاهيم نمطية غير صحيحة عن بعضنا البعض، وإن ما نشهده اليوم مقلق ويدعونا إلى اليقظة والتنبه، إذا كنا فعلاً حريصين على ثقافتنا وأصالتنا فنحن مدعوون اليوم إلى الاستمرار فى مساعدة بعضنا البعض وتحقيق التقارب والتفاهم الفعلى بيننا وبين العالم من خلال فعاليات مماثلة تحثنا على احترام وتقدير الآخر".
وتحدثت بدور القاسمى عن الاستثمار السياسى للثقافة مؤكدة أن السياسة تُفرِّق والثقافة تَجمع، وأننا إذا نظرنا للأخر من منظورٍ سياسى فقط، فإننا سنراه أبيض أو أسود، أما إذا نظرنا إلى العالم من منظور ثقافى، فإننا نحتفل ونفرح باختلافاتنا، ونجتمع فى إنسانيتنا.
ولفتت إلى أن جائزة اليونيسكو والشارقة للثقافة العربية تمثل مرآة حقيقية لجهود إمارة الشارقة بتشجيع وقيادة ودعم من الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة فى نشر العلوم والمعارف والفنون التى تزخر بها حضارتنا العربية فى كل بقاع العالم، مؤكدة أن هدف الشارقة هو تكريس مفهوم الاحترام والتفاهم بين الثقافات ومشاركة العالم منابع الثقافة العربية.
من جهتها أشادت إرينا بوكوفا، المديرة العامة لـ"اليونسكو" فى الكلمة التى ألقتها بجهود الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، فى تعزيز السلام العالمى والتفاهم المتبادل بين الشعوب من خلال رؤية سموه الثقافية التى تعمل على ترسيخ قيم الاحترام المتبادل والثقة والحرية فى العالم المعاصر.
وأكدت أن هذه الرؤية تتجلّى بوضوح أكبر اليوم، بسبب زيادة التفاعل بين الناس والثقافات فى ظل هويات متعددة الرؤى والاهتمامات. وقالت بوكوفا إن جائزة الشارقة للثقافة العربية – اليونسكو أسهمت فى دعم المبادرات التى ترسى لمزيد من الحوار بين الثقافات، وتضمن التنوع الثقافى من خلال تكريمها للمؤسسات والشخصيات التى أثرت الثقافة العربية بأعمالها المتنوعة.
وتناول عبد الله على مصبح النعيمى فى كلمته دور الجائزة فى إثراء التعدد والتنوع الحضارى، وقال: "تتزامن الدورة الثانية عشرة لجائزة اليونسكو- الشارقة للثقافة العربية مع اختيار إمارة الشارقة عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2014، وهى بذلك تعطى الحدثين ما يستحقانه من ألق احتفالى وبصمة شمولية، تماشياً مع إحدى القناعات العميقة للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى، وهى أن الثقافة ثلاثة أفعال فى فعل واحد: التفكير، والتنوير، والتغيير نحو الأسمى والأنبل والأكثر تأثيراً إنسانياً".
وأكد أن دولة الإمارات العربية المتحدة صاحبة ريادة فى العديد من مجالات الإبداع بتوجيه مباشر من رئيسها، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وإخوانه الشيوخ أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، وخاصة فى مجال إقامة جسر ثقافى بين العرب والعالم، وإثراء التنوع والتعدد الحضارى، ونشر روح التسامح والقبول بالآخر.
من جانبه، قال عبد الله العويس: "تكتسب جائزة الشارقة للثقافة العربية أهمية استثنائية وتتطلب جهداً خاصاً فى إثراء الحوار بين الثقافات والحضارات، وصولاً إلى المشترك الأعلى بين البشرية السويَّة المنبثقة من المعانى النبيلة للحضارات الإنسانية، والشاهد على ذلك أن الجائزة تضع بعين الاعتبار الانتشار للثقافة الإنسانية، لكى تمنح المفكرين والأدباء والكتاب مكانتهم اللائقة، باعتبارهم تلك العقول الناظرة لمعنى التعايش والتسامح والتكامل".
وشكر العويس العاملين فى أمانة الجائزة، والمُحكِّمين الحريصين على حسن الاختيار، وكل من ساهم بالآراء والمشورة على درب تطوير الجائزة، كما هنأ الفائزين فى هذه الدورة على جهودهم فى دعم الثقافة العربية.
ويتم اختيار الفائزين من قبل المدير العام لليونسكو بناءً على اقتراحات لجنة تحكيم تضم خبراء دوليين فى مجال الثقافة العربية، مشهود لهم بالكفاءة والتميز والإنجازات البارزة عبر السنين. وتم منح جائزة العام الحالى للمؤسسة العربية للصورة من لبنان، وللكاتب والناشر القدير فاروق مردم بيك من فرنسا.
ويعود تأسيس جائزة اليونسكو- الشارقة للثقافة العربية إلى العام 1998 بتوجيهات من الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى، وتُمنح الجائزة لاثنين من المرشحين، من الأفراد والجماعات أو المؤسسات، تكريماً لمساهمتهم فى نشر وتعزيز المعرفة بالفن والثقافة العربية من خلال عملهم وإنجازاتهم المتميزة.
ومُنحت جائزة اليونسكو- الشارقة للثقافة العربية لـ24 فائزاً حتى الآن، حصلوا على جائزة نقدية قدرها 60 ألف دولار أمريكى يتم تقسيمها مناصفة بين الفائزين فى كل نسخة تقديراً لمساهمتهم، كل فى مجاله، فى دفع مسيرة الفن والثقافة العربية، أو لمشاركتهم فى نشر الثقافة العربية خارج حدود العالم العربى. وشكل الفائزون بالجائزة جيلاً جديداً من الباحثين، والفنانين، والمفكرين، والمؤلفين، والمترجمين، الذين تجمعهم الرغبة العميقة فى تحقيق الحوار الحقيقى بين الثقافة العربية وباقى ثقافات العالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة