عرفهم الجميع بطبيعتهم المسالمة وأرواحهم الصافية، والابتسامة التى تعلو وجهوهم دائما حتى فى أحلك اللحظات وأصعبها، ولكن سرعان ما تبدلت تلك السمات وجاءت أول واقعة ثأر تشهدها أرض النوبة، وأسفرت عن وقوع عشرات القتلى والمصابين، والأحداث الأخيرة التى بدأت باشتباكات بين أهالى منطقة السيل الريفى "قرية دابود"، والهلايلة.
واستوقف ما حدث، عددا من خبراء علم النفس والاجتماع والنشطاء النوبيين، خاصة أنها المرة الأولى التى يحمل فيها المواطن النوبى السلاح، لذا أرجع الخبراء، نتيجة الواقعة لسنوات الضيق التى عاشها أهالى النوبة، وهم يخوضون صراع العودة إلى أراضيهم ورغبتهم فى العيش عليها بمفردهم بمعزل عن أبناء المحافظات الأخرى أصحاب الثقافات والعادات والتقاليد المختلفة.
وقال الدكتور مصطفى عبد القادر، خبير فى التراث النوبى، إن ما حدث نتيجة طبيعية لخروج النوبيين من أرضهم، ونقلهم لأراض أخرى تختلف عن عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم الأساسية واستبدالها بثقافة أخرى دخيلة، فلم يعرف النوبيون يوما ثقافة السلاح أو تجارة المخدرات والسرقة، ولكن كل هذه الأشياء الحديثة انتقلت إليهم بعدما تركوا مناطقهم الأولى، مضيفا أن العادات تغيرت تماما وهذا من وجهة نظرى أحد الآثار السلبية للتهجير.
وأضاف الأديب حجاج أدول، ممثل النوبيين فى لجنة الخمسين، أنه يجب عدم النظر للموضوع كما لو كان معركة سيمر وقتها، بل بالعكس تماما فما حدث ينذر بما توقعناه من قبل بعد تهجير النوبيين من أرضهم على أربع مراحل، بدأت عام 1902 وانتهت عام 1964، مضيفا أنه سبق أن حذرنا منذ عام 1986 أن هناك مشكلة تتعلق بالنوبيين.
ويتابع "أدول"، منذ أواخر القرن التاسع عشر والنوبيون يعيشون فى عذاب، بدأ من خروجهم من بلادهم وانتهى بتسكينهم وسط مجموعة من المواطنين اعتادوا على حمل السلاح، وألفوا أخذ حقوقهم بأيديهم، وبالتالى جاءت الدولة الآن لتحاسبنا على حمل السلاح والثأر لأنفسنا بعدما واجهنا الطرف الآخر بالعنف، فى الوقت الذى كنا نتحدث فيه بالمنطق والعقل.
ويشير ممثل النوبيين فى لجنة الخمسين، إلى أن ما حدث نتيجة تراكمات كثيرة كانت بمثابة براكين موقوتة، ورفض الشباب النوبى الاستجابة لنصائح كبارهم، ورأوا أن الحل الوحيد للحصول على حقوقهم هو التعامل بنفس الطريقة التى يتم التعامل بها معهم، مضيفا أن الواقعة الأخيرة التى راح ضحيتها ما يقرب من 23 مواطنا، عكست حالة التراخى الأمنى الذى تعانى منه قرى النوبة خاصة، وأن الأحداث اشتعلت نتيجة مقتل أربعة من أهالى النوبة، وانتظروا تدخل قوات الأمن ليتم محاسبة الجناة، ولكن مر 24 ساعة دون تدخل أمنى، وبالتالى فضلوا الثأر لأنفسهم بأيديهم، وكانت النتيجة ما حدث، معربا عن حزنه لما وصل له أهالى النوبة، واتجاههم ومعرفتهم لعادة الثأر التى لم يألفوها من قبل قائلا: حزين لهذا لأن طبعنا تغير إحنا أهل السلام والنيل نكره أن تجبرنا الظروف على حمل السلاح.
وقالت الدكتورة هدى زكريا، أستاذة علم الاجتماع، إن أهالى النوبة كانوا يعيشون فى ظرف وحدث تغير تماما، وطالها ما طال صعيد مصر من إهمال وتقصير الدولة تجاههم، مضيفة أنه لا استبعد إن ما حدث كان بفعل فاعل، وجزء كبير منه يرجع إلى الإحساس النفسى السلبى الذى يشعر الاهالى هناك نتيجة حلم العودة الذى يراودهم، وبالتالى يجب على الدولة أن تسعى جاهدة لاستيعاب أهالى الصعيد، والنوبة تحديدا، خاصة أن هناك تدنيا أخلاقيا وعشوائية فى السلوك، طالت الجميع لأن الثأر لا يولد إلا مزيدا من الدماء.
ومن جانبه، قال الدكتور هاشم بحرى، رئيس قسم الطب النفسى بجامعة الأزهر، طبقا لقناعتى الشخصية فالإنسان النوبى محب للسلام، وينبذ العنف ويجنح إلى الهدوء والسكينة ينبع من ذاته، لأنه فى الأساس متصالح مع نفسه لقربه الشديد من الله، وهو ما يعطيه سلاما داخليا.
وأوضح "بحرى"، أن طيبة المواطن النوبى وحبة للهدوء لا يمكن تفسيرها بالسذاجة أو التعامل معها على أنها "عبط"، يمكن من خلالها الاستيلاء على حقوقه فهو مقاتل شرس فى الدفاع عن أرضه ووطنه وعرضه، ولا يمكن أن يثور النوبى أو يتحول عن طبيعته المسالمة إلا لهذه الأسباب فقط، فهو ليس بمعتد أو مغتصب للحقوق.
ودلل رئيس قسم الطب النفسى بجامعة الأزهر، على رؤيته بقوله عندما تم بناء السد العالى وأغرقت قرى النوبيين، وتم تهجيرهم منها لم يثورا فى وجه الدولة، بل فضلوا المصلحة العامة الوطنية على مصلحتهم الخاصة، وهو ما يجب على الدولة أن تأخذة بعين الاعتبار وتحقق لهم حلم العودة.
تواصل ردود الفعل على اشتباكات أهالى أسوان.. حجاج أدول: حزين لأن أهل السلام عرفوا طريقهم للسلاح.. وخبير نفسى: النوبى مقاتل شرس فى الدفاع عن أرضه.. وأستاذ اجتماع: النوبة والصعيد يعانون من إهمال الدولة
الأحد، 06 أبريل 2014 12:40 ص
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أبناء العمومة
النوبة السلام
فعلاً ( إتق شر الحليم إذا غضب )