نذره والده وكان جزارا لتلقى التعليم الدينى فى الأزهر الشريف، حتى يصبح عالمًا أزهريًا، فتلقى تعليمه فى "كتاب القرية" قبل بلوغه سن التاسعة، وبعدها أرسله إلى القاهرة لنيل الشهادة الأهلية من الأزهر، لكن حياة العاصمة خطفته إلى طريق البؤس والتشرد، ليكتسب لقب "شاعر البؤس".
ولد عبد الحميد الديب فى يوليو 1898، ورحل فى مثل هذا اليوم 30 إبريل 1943، ومن الميلاد إلى الموت عاش حياة درامية، وكتب شعرا جميلا، واقترب من قامات كبيرة كانوا شهودا على حياته، ومن أبرزهم، عبد الرحمن الخميسى، كامل الشناوى، محمود السعدنى، الفنان سيد درويش، طاهر أبو فاشا، وعبد الحميد قطامش، محمد عودة، وآخرين، ، وفى كتابه "صعاليك الزمن الجميل" الصادر عن "دار الشروق"، يكتب الكاتب الراحل يوسف الشريف فصلا طويلا وشاملا بعنوان "عبد الحميد الديب شاعر تعقبه النحس"، يعتمد على شهادات من عرفوا هذا الرجل، الذى لم يذكره رثاء فى الصحف، باستثناء ما ذكره الشاعر كامل الشناوى: "اليوم مات شاعر تعرى، واكتست الأضرحة، جاع وشبعت الكلاب".
يحكى "أبو فاشا" أن "الديب" انكب على تراث العرب الشعرى قديمه وحديثه حتى حفظ معظمه، وعندما حاول أن يقرض الشعر لأول مرة، انساب كالشلال على شفتيه سريعا وتلقائيا من وحى اللحظة، فكان الشعر لعبته وملهاته، يهفو إليه كلما استبد به الهم والشقاء، أو تطلع إلى الحب والطعام واستفزه أحد بكلمة نابية.
يقول "الشريف"، أن حال الديب خلال فترة الدراسة والتكوين والأمل المنشود، تلتها فترة من الانحراف عن الخط المستقيم، الذى قدره لنفسه كشاعر واعد، حفلت بالمواجهات الصعبة، فبينما كان ينتظر أن يهبط عليه المال والمكانة، كان حظه السيئ أن هبط عليه الفقر والضياع.
عاش "الديب" ليله ونهاره يبحث عن لقمة العيش وأى مأوى يوفر له ساعات نومه، وحسب قول كامل الشناوى لـ"يوسف الشريف"، كان إذا عثر على عمل فى مصنع أو وظيفة فى الحكومة أو صحيفة، لم يكن ذلك تكريما لشعره، ولا إعجابا بموهبته، ولكن لمجرد الشفقة على ما يعانيه من محنة الفقر والجوع والضياع، ويعبر عن ذلك فى إحدى قصائده: "يا أمة جهلتنى وهى عالمة.. أن الكواكب من نورى وإشراقى .. أعيش فيكم بلا أهل ولا سكن.. كعيش منتجع المعروف أفاق.. وليس لى من حبيب فى دياركمو .. إلا الحبيبين أقلامى وأوراقى.. لم أدر ماذا طعمتم فى موائدكم.. لحم الذبيحة أم لحمى وأخلاقى.. بين النجوم رجال قد رفعتهم.. إلى السماء فسدوا باب أرزاقى".
فى شعره الهجائى تجده لاذعا بما فيه الكفاية، وعلى سبيل المثال ألقى قصيدة فى اجتماع حاشد لـ"حزب الوفد"، وصفقوا له طويلا، لكن لم يجد أحد منه يعزمه على الطعام، فغير رأيه فى النحاس قائلا: "راجع زمانك أيها الكأس.. فاليوم لا نحس ولا نحاس.. لم يبق من مجد الزعامة كله.. إلا قميص أزرق ولباس".
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم "30 إبريل1943".. رحيل عبد الحميد الديب، شاعر البؤس، الذى قال عنه كامل الشناوى: جاع شاعر وشبعت الكلاب.
الأربعاء، 30 أبريل 2014 08:56 ص
سعيد الشحات
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة