بعد الضجة الكبيرة التى أثارها هجوم قيادات حزب «الديمقراطيين القومى» اليمينى على الإسلام فى السويد عبر تصريحات نائب رئيس الحزب فى مدينة كارلسكرونا مايكل هيس، وعدد آخر من السياسيين بالحزب على صفحاتهم بموقع «فيسبوك» الاجتماعى والصحف السويدية وقولهم إن الاغتصاب «متأصّل بعمق» فى الثقافة الإسلامية، أجرت «اليوم السابع» حوارا مع «جان هيجاربى»، أول باحث حاصل على درجة «بروفيسور» فى الدراسات الإسلامية فى السويد، وأحد أهم الأساتذة فى جامعة «لاند» السويدية، لاستطلاع رأيه بشأن موجة التشدد الجديدة ضد الدين الإسلامى فى السويد وأوربا، ووضع المسلمين فى الدول الغربية ونظرته للأوضاع الحالية فى مصر بعد سقوط نظام «الإخوان».. وإلى نص الحوار..
صدرت تصريحات متشددة ضد الإسلام فى بلادكم، ما أبرز أسبابها وتداعياتها؟
- صدرت بالفعل تصريحات مثيرة للجدل عن «مايكل هيس»، ممثل ما يسمى بحزب «الديمقراطيين السويديين»، فأكد أن الاغتصاب منصوص عليه فى القرآن كنوع من أنواع العقاب، غير أنه تراجع عنها سريعا وتظاهر بأن كلامه حرف، وقال بدلا عن ذلك إن «الاغتصاب متأصل فى الثقافة الإسلامية»، وهذا الحزب كثيرا ما يستغل «الإسلاموفوبيا» أو الأفكار المعادية للإسلام كجزء من الدعاية التى يقوم بها للترويج لنفسه جنبا إلى جنب مع الصور النمطية المعتادة المنتشرة عالميا على الانترنت، وحزب «الديمقراطيين السويديين» يستخدم هذه الأفكار لاستغلال تعصب وأحكام الأشخاص البسيطة المسبقة ومعرفتهم المعيبة ومخاوفهم حتى يحصل على المزيد من الأصوات فى الانتخابات، ويمكن القول إنهم نجحوا بشكل ما فى تحقيق ذلك.
كيف ترى ما حدث فى مصر منذ ثورة 25 يناير، وما تلاه من صعود للإسلام السياسى وهبوطه؟
- تابعنا ما حدث فى مصر، منذ الثورة من خلال وسائل الإعلام وزيارة عدد من الأساتذة والطلاب الجامعيين إلى مصر، أما التطورات التى تلتها فاعتمدنا على التقارير الإعلامية، وشعرنا بالقلق والانزعاج بسبب الأحداث التى وقعت فى 2013 وحتى الآن، لكننى لست متفاجئا، وأكثر ما يثير الانزعاج هو الافتقار التام والواضح للثقة بين الفصائل المختلفة للشعب المصرى، التى لها آراء وآمال مختلفة، لا بد من الصبر لأنه أحد أهم شروط الديمقراطية الفعالة، بالإضافة إلى القدرة على الانتظار للانتخابات المقبلة والإيمان بأن «الآخرين» سيلعبون وفقا للقواعد المتفق عليها، وهذا معناه أيضا التفاوض مع الأحزاب الأخرى والأجزاء الأخرى من المجتمع وإبداء احترام معقول للاهتمامات والتفضيلات لكل منهم، مع الأخذ فى الاعتبار أن الأدوار تتغير مع كل جولة جديدة من الانتخابات، وأعتقد أن تونس أكثر نجاحا من هذا المنظور.
هل تعتقد أن نفوذ تيار الإسلام السياسى خفت فى الشرق الأوسط بعد ما حدث فى مصر؟
- بطريقة أو بأخرى نعم، فكما نرى الآن، الدين ليس قوة توحيد وإنما تقسيم، وعنصر انقسام وأعتقد بصورة شخصية أن دولة علمانية، لديها احترام عميق للدين كإيمان شخصى وعنصر مجتمعى، تكون أفضل، بل إن هناك حرية دينية أكبر وتقوى فى الدولة العلمانية. والدولة فى حد ذاتها «إكراه»، لذا لا يمكن اعتبارها «دينية»، وصحة دين الفرد تعتمد على إرادته الحرة.
هل يمكن تفعيل الشريعة الإسلامية عبر دور واضح لها فى آلية الحكم؟
- جميع السلطات فى الدولة ينبغى أن تكون تفويضا من الشعب، وهذا يعنى أن البرلمان الذى يتم اختياره فى انتخابات حرة ونزيهة، والحكومة والوزراء الذين يتم قبولهم يكونون مسؤولين أمام البرلمان.. لا شىء يمنع أعضاء البرلمان أن يروجوا لـ«مبادئ الشريعة الإسلامية»، ولكن أصواتهم هى التى تشكل كلا من شرعية التشريع وتفويض الحكومة.. والمحكمة الدستورية وظيفتها التحكم فى أن يحترم التشريع حقوق الإنسان، وحقوق الأقليات الأساسية، وأن تتبع القوانين التى تنظم العملية الديمقراطية، ومن هذا المنطلق يمكننا الاستشهاد بالمقولة اللاتينية «صوت الشعب هو صوت الله».. وهذا على سبيل المثال عكس النظام فى إيران، حيث يوجد الـ12 فقيها أو «الأوصياء»، الذين يعتبرون «صوت الله».
دافع البروفيسور الهولندى «مورتيس برخر» عن تطبيق الشريعة الإسلامية فى الغرب فهل يمكن تطبيق الشريعة فى أوروبا؟
- هذا يعتمد على أى مجال سيتم تطبيقها فيه، أما عن تطبيق قواعد الطقوس الدينية «العبادات»، فلا مشكلة فيه، فجميع الطرق التى يؤدى بها الأفراد والمجتمعات الدينية لعباداتهم لا يوجد بها مشكلة، طالما أنها وفقا لأطر حرية الدين، وحرية العبادة التى يعرفها إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أما فيما يتعلق بالمعاملات، فمثل هذه القوانين يمكن تطبيقها ضمن أطر قوانين العقود، الأمر مشابه لعمليات التحكيم إذا ما وافق الأطراف على ذلك. أما قوانين الحدود والقصاص، فلا يمكن تطبيقها، والمبدأ العام هو حرية الفرد فيما يتعلق بالأمور الدينية والتى يمكن تلخيصها فى «لا إكراه فى الدين».
هل تتعرض للانتقاد بسبب أفكارك ووجهات نظرك عن الإسلام؟
- نعم، فخلال عملى كباحث فى الدراسات الإسلامية طيلة نصف قرن، تعرضت للكثير من الانتقاد وأحيانا كانت انتقادات لاذعة، وقد كان يساء تفسير ما أقول وأتعرض للتشهير.. ولكن من ناحية أخرى، يلقى عملى تقديرا كبيرا خاصة بين الطلاب والباحثين فى هذا المجال الأكاديمى.
ما أكثر ما يثير دهشتك فى الإسلام؟
- حقيقة الأمر فإننى كمؤرخ أديان منذ أكثر من 50 عاما، رأيت الكثير من الاختلافات والتغييرات فى عالم الأديان والتاريخ، لذا لا شىء يثير دهشتى.
كيف يمكنك تقييم وضع المسلمين فى السويد وأوروبا بوجه عام؟
- أنا أؤمن أن الوضع يمكن أن يتحسن تباعا فى الوقت الذى تولد فيه وتنضج الأجيال الجديدة، ومعظم المسلمين فى أوروبا مندمجون بشكل جيد، ويؤدون وظائفهم فى مختلف طبقات المجتمع، سواء فى الحياة الثقافية أو الصناعية أو التجارية أو الجامعات أو حتى وسائل الإعلام.
كيف تساهم الدراسات الإسلامية من وجهة نظركم فى دمج المسلمين فى أوروبا؟
- الوضع كما آراه هو أن وجهات النظر التى تفرضها الدراسات التى توضح كيفية عمل التقاليد الدينية تساعد كلا من الفرد والمجتمع على التحليل والتوصل إلى حلول للمشكلات فى عملية الاندماج مما يساعد على نزع فتيل التعصب.
لماذا اخترت هذا المجال، وما هى التحديات التى تواجهها باعتبارك أول «بروفيسور» للدراسات الإسلامية فى السويد؟
- باعتبارى طالبا متخصصا فى تاريخ الأديان، كان على أن أختار تخصصا بعينه، والسبب لاختيارى الدراسات الإسلامية كان اهتمامى عندما كنت طفلا بقراءة ألف ليلة وليلة بالترجمة السويدية، وعندما كنت مراهقا قرأت وأعجبت بروائع المستشرق السويدى تور أندريه أستاذ العلوم الدينية فى جامعة ستوكهولم، «النصرانية: الدين الكامل؟»، «أنا أؤمن بالله»، «محمد حياته وعقيدته» و«فى حديقة ميرتل»، وهى عبارة عن أطروحات تتعلق بالصوفية المبكرة. وكانت دراستى فى الجامعة فى مجال «الثيولوجى» وتاريخ الأديان مقترنة بدراسة اللغات السامية، وأنا الآن بروفيسور متقاعد عمرى 71 عاما، واثنان من طلاب الدكتوراه اللذين أشرفت على رسالتهما حصلا على درجة «بروفيسور» فى الدراسات الإسلامية، وأعتقد أن التحدى الأكبر كان خلق بيئة بحثية علمية متعلقة بهذا المجال لإظهار الأهمية السياسية والاجتماعية لهذه الدراسات للرأى العام.
من هى الشخصية الإسلامية المفضلة لديك؟
- الباحث العظيم أبوالريحان البيرونى.
أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة «لاند» السويدية: الدولة العلمانية أفضل لأنها تحمى الحريات..جان هيجاربى: تصريحات قيادات حزب «الديمقراطيين القومى» بأن الاغتصاب متأصل فى الإسلام «دعاية انتخابية
الخميس، 13 فبراير 2014 05:29 م
هيجاربى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة