دعا أحمد المسلمانى المستشار الإعلامى لرئيس الجمهورية، إلى إطلاق "الموجة الثالثة" من صعود السينما المصرية.. حيث كانت "الموجة الأولى" فى أعقاب ثورة 1919، وكانت "الموجة الثانية" فى أعقاب ثورة 1952.. وقد حان الوقت لإطلاق "الموجة الثالثة" عقب ثورتى يناير ويونيو، لتكون السينما المصرية جزءاً من المنافسة الإقليمية والعالمية.
وأضاف المسلمانى: لقد عانت بلادنا من "السينما الزرقاء" التى تدور معظم صورها وتتعاقب مشاهدها وسط الأدخنة الزرقاء والعقول الضائعة.
واستطرد المسلمانى: إن من يطالع تاريخ إسرائيل، يجد أن تأسيس السينما كان عام 1948، وأن قانون تشجيع السينما أقرّه الكنيست عام 1954.. وعلى الرغم من أن السينما الإسرائيلية مغمورة ولا يسمع بها أحد، إلا أن سياق التأسيس والتشجيع يؤكد إدراك الدور الخطير الذى يمكن أن تقوم به السينما فى أى مشروع استعمارى، فضلاً عن أى مشروع سياسى.
جاء ذلك فى مقال كتبه المسلمانى لوكالة أنباء الشرق الأوسط تحت عنوان "موليوود.. السينما والقوة الناعمة فى مصر".. وفيما يلى نص المقال:
كنتُ فى نيويورك للقاء الدكتور "أحمد زويل" فى خريف عام 2005.. حكى لى الصديق وليد الزمر – الذى كان يعمل بدأب فى مكتبنا التجارى بالولايات المتحدة- عن دعوة تلقاها لحضور فيلم سينمائى.. وقال لى: إنها دعوة مدهشة.. ذلك أن صُنّاع الفيلم موجودون فى العرض، وسيتم توزيع استمارات على جميع المدعوين لإبداء رأيهم فى الفيلم. ولو توقف الأمر عند هذا الحد لكان طبيعياً، لكن غير الطبيعى هو أنه سيتم تعديل الفيلم بناء على هذه الآراء!.
فقد قرر منتجو العرض ألا يطرحوه للجمهور قبل استطلاع رأى عدد من المشاهدين المتنوعين فى الثقافة والذوق والاهتمام، وسوف يقومون بإضافة بعض المشاهد أو حذفها، وكذلك تعديل القصة والسيناريو إذا ما رأى المدعوون ذلك.. وعلى هذا سنذهب ونملأ الاستمارة بعد المشاهدة.. وسيجتمع فريق العمل برئاسة المخرج، لتحليل استمارات الرأى.. وتعديل الفيلم!.
كان ذلك مدهشاً بالنسبة لى.. أدركتُ إلى أين يمكن أن تقود المنافسة، وأن يذهب الصراع على شباك التذاكر. وقد كان إنتاج السينما الأمريكية فى ذلك العام أكثر من (700) فيلم، وإنتاج السينما الهندية أكثر من (1000) فيلم.. وكان عدد التذاكر المباعة للأفلام الأمريكية أكثر من (2) مليار تذكرة، وعددها للأفلام الهندية أكثر من (3) مليار تذكرة!.
أشعر اليوم – مثلما يشعر كثيرون غيرى – بالأسف الشديد لما وصلت إليه صناعة السينما فى بلادنا.. التى أوشكت أن تخرج من سياق القوة الناعمة فى مصر.
لقد شهدتْ بلادنا عروض السينما فى القرن التاسع عشر.. فقبل مائة وعشرون عاماً كانت الإسكندرية تشهد أول عرض سينمائى بعد أسبوع من عرضه فى باريس، وقبل سنوات من معرفة شعوب العالم بإطلالة الفن السابع.. لكن دور العرض فى الإسكندرية والقاهرة وبورسعيد التى امتلأت بالحضور فى القرن التاسع عشر، تعانى الفراغ والركود فى القرن الحادى والعشرين.. يمضى العالم كله إلى الأمام.. فقط وحدنا القادرون على إبهار أنفسنا بالحركة المنتظمة.. إلى الخلف!.
لقد جاءت صناعة السينما فى الهند بعد صناعة السينما فى مصر.. ولكنها أصبحت بالغة التأثير فى كل مكان.. وأصبحت الطبيعة الهندية والموسيقى الهندية وثقافات بومباى وكلكتا ونيودلهى معروفة فى جميع أنحاء العالم. ومؤخراً دخلت السينما الهندية إلى مجال الخيال العلمى بفيلم كبير تكلّف (27) مليون دولار.
عانت السينما الهندية مشكلات وتحديات.. ولكنها تغلبت وصمدت.. يقول باحثو السينما إن طغيان العائلية ونفوذ أقارب المنتجين وفرض أنفسهم كممثلين من بين المشكلات التى واجهتها.. يضاف إلى ذلك امتناع البنوك لفترة طويلة عن تمويل الإنتاج السينمائى ودخول عصابات الجريمة فى إنتاج العديد من الأفلام.. ومعضلة القرصنة التى ساهمت فى تراجع الأرباح بشكل حاد.. حيث تزيد الخسائر من القرصنة على المائة مليون دولار سنوياً. إن ذلك كله لم يدفع السينما الهندية إلى إغلاق أبوابها أو إظلام شاشاتها.
ثمّة نموذج آخر مثير للاهتمام والتأمل.. وهو السينما النيجيرية التى أصبحت أكبر صناعة سينما فى القارة الإفريقية، واحتلت المركز الثالث فى العالم من حيث الإيرادات.. والمركز الثانى فى العالم من حيث عدد الأفلام، متفوقةً على السينما الأمريكية، وتاليةً للسينما الهندية.
وفى تركيا وبالتوازى مع القوة الهائلة لإنتاج الدراما.. تُوالِى السينما التركية صعودها عبر أكثر من (2000) شاشة عرض وحجم صناعة يصل إلى مليار دولار، وإيرادات تقارب ربع المليار دولار سنوياً.
وقد استفادت السينما التركية من ماضيها القوى حين كانت خامس أكبر منتج سينمائى فى العالم فى أوائل السبعينيات ومن حاضِرها القوى المتمثل فى ظهور جيل جديد من الدارسين فى أقسام السينما، والذى بات يسيطر على جانب كبير من الصناعة.
ولا تزال السينما الإيرانية تواصل انتصاراتها فى مهرجانات العالم.. ففى عام 2006 شاركت إيران بـ(6) أفلام فى مهرجان برلين السينمائى. وفيما بعد تم ترشيح فيلميْن إيرانييْن لجائزة الأوسكار.. وفى عام 2012 فاز الفيلم الإيرانى "انفصال" بجائزة الأوسكار، لأفضل فيلم بلغة أجنبية.. وهو الفيلم الذى قاربت إيراداته فى الولايات المتحدة الأمريكية الثلاثة ملايين دولار.
ولقد كانت مفاجأة سارّة للجمهور العربى ترشيح الفيلم السعودى "وجده" للمخرجة السعودية "هيفاء المنصور"، للمنافسة فى جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبى.
إن السينما الجانب الأكثر سطوعاً من القوة الناعمة للولايات المتحدة الأمريكية وغيرها فى عالم اليوم.. وهى تستطيع الهدم والبناء بمثل ما تستطيع الجيوش وأجهزة المخابرات تماماً.. وبنفس القدر وبذات القدرة.
ومن يطالع تاريخ إسرائيل يجد أن تأسيس السينما الإسرائيلية كان عام 1948.. وأن قانون تشجيع السينما أقرّه الكنيست الإسرائيلى عام 1954. ومن المؤكد أن السينما الإسرائيلية مغمورة ولا يسمع بها أحد.. إلا أن سياق التأسيس والتشجيع يؤكد إدراك الدور الخطير الذى يمكن أن تقوم به السينما فى أى مشروع استعمارى.. فضلاً عن أى مشروع سياسى.
ويقول دارسون إن قوة السينما والدراما التركية قد ساعدت كثيراً على دعم صورة تركيا فى عهد أردوغان.. وأن مدينة اسطانبول أصبحت معروفة لشعوب المنطقة مثلها مثل مدينة نيويورك.
وفى نيجيريا.. استطاعت السينما النيجيرية، أن تساهم فى تحسين الصورة الذهنية لبلادها ودعم النفوذ الثقافى الواسع لنيجيريا فى غرب إفريقيا.
إن مصر قد شهدت صعوداً كبيراً لقوتها الناعمة فى أعقاب ثورة 1919، وأصبحت الفنون والآداب المصرية هى المسيطرة على وسط العالم طيلة النصف الأول من القرن العشرين.
كما أن مصر شهدت صعوداً آخر فى الفنون والآداب، كما شهدت على نحو خاص صعود السينما المصرية فى أعقاب ثورة 23 يوليو 1952.
واليوم وقد شهدت بلادنا ثورتيْن مجيدتيْن: ثورة 25 يناير 2011 وثورة 30 يونيو 2013 لَهِى فى احتياج أكيد إلى "الموجة الثالثة" من صعود السينما المصرية.
وتحتاج هذه "الموجة السينمائية الثورية الثالثة" إلى أن تكون جزءاً من المنافسة الإقليمية والعالمية.. ولم يعد مقبولاً ذلك الوجود الخجول للسينما المصرية فى العالم.. يحتاج الأمر إلى أناس ذوى همة وإرادة.. وذوى بصر وبصيرة.. ليضعوا "خريطة طريق" لعودة السينما المصرية.. ثم انطلاقها.
لقد عانت بلادنا وتألّم شعبنا من "سينما البلطجة" و"سينما البَلَهْ".. من تلك "السينما الزرقاء" التى تدور معظم صورها وتتعاقب مشاهدها وسط الأدخنة الزرقاء والعقول الضائعة!.
إن السينما أخطر من أن تُترك للسينمائيين وحدهم.. ويجب أن يكون المفكرون ومخططوا السياسات ورجال الدولة حاضرون فى رسم الخريطة العامة لصناعة السينما من منظور الاقتصاد، وصناعة العقل من منظور السياسة.
ولقد سبَق أن دعوتُ فى أواخر التسعينيات عبر دوريّة "النداء الجديد" إلى تغيير اسم "مدينة الإنتاج الإعلامى"، وهو اسم بيروقراطى ركيك خالى من الروح إلى اسم "موليوود".. وكان تقديرى أن الشكل طريق إلى الجوهر.. وأن العنوان يضع مسار المتْن.. وأن اختيار اسم "موليوود" يضع الهدف بوضوح.. "هوليوود" فى الولايات المتحدة، و"بوليوود" فى الهند، و"نوليوود" فى نيجيريا، و"موليوود" فى مصر. ولقد عدتُ فى مقال لى فى أبريل 2010 وكتبت غير متفائل مقالاً بعنوان "خريف موليوود".
إن ربيع السياسة فى مصر.. يجب أن يشهد "ربيع موليوود".. لا خريفها. وإذا كانت بلادنا تواجه تحديّات إقليمية ودولية خطيرة.. فإن القوة الصلبة وحدها لا تكفى.. لا ينبغى أن نترك أفكارنا وأحلامنا ولا أن نترك أبناءَنا وأحفادَنا لأولئك الذين جاءوا من قبل بقوة "البارود" أو جاءوا من بعد بقوة "هوليوود".. يجب أن نطلق القوة الناعمة لبلادنا وأن نكون طرفاً فاعلاً فى الصراع على العقول.
أحمد المسلمانى يكتب: موليوود.. السينما والقوة الناعمة فى مصر.. حان الوقت لإطلاق "الموجة الثالثة" لثورتى يناير ويونيو لتكون السينما المصرية جزءاً من المنافسة الإقليمية والعالمية
السبت، 01 فبراير 2014 10:38 ص
أحمد المسلمانى
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمس العسيرات / طارد الهكسوس
أستاذ أحمد
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد صبرى
كلام جميل لكن
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد جمعه اسوان
شركة عملاقة للانتاج الفنى(30 يونيو للابداع)
عدد الردود 0
بواسطة:
مايسه
السينما المصريه والسينما الهنديه