أكرم القصاص - علا الشافعي

الحلقة الثالثة..

رفعت الجمال: كنت مقتنعاً وأنا فى إسرائيل بأننى أعمل الصواب من أجل مصر وشعبها..الهجان: ظهرت فى دور صغير بأحد أفلام «بشارة واكيم» ثم بفيلمين آخرين عامى 1945 و 1946

الأربعاء، 01 أكتوبر 2014 10:26 ص
رفعت الجمال: كنت مقتنعاً وأنا فى إسرائيل بأننى أعمل الصواب من أجل مصر وشعبها..الهجان: ظهرت فى دور صغير بأحد أفلام «بشارة واكيم» ثم بفيلمين آخرين عامى 1945 و 1946 رفعت الجمال
تحقيق يكتبه: سعيد الشحات " نقلاً عن العدد اليومى"

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
- الهجان: ظهرت فى دور صغير بأحد أفلام «بشارة واكيم» ثم بفيلمين آخرين عامى 1945 و 1946.. ومن خلال السينما اتسعت مداركى ومعارفى عن التاريخ والآداب

- كان أبى تاجر فحم بالجملة وشخصية محترمة وأحببت أختى نزيهة.. وأمى رتيبة انتقلت إلى «دكرنس» للعيش مع خالى بعد زواج أخى سامى من ابنة نقيب المحامين

- الضابط حسن حسنى قدم نفسه بوصفه من البوليس السياسى واستطاع إيقاعى فى المصيدة وسألنى: كيف جعلت اليهود يقبلونك كيهودى وأنت فى حجز الإسكندرية؟


- «كنت إنسانًا عاش شخصيتين فى آن واحد.. ولست آسفًا على شىء.. وإذا تطلعت إلى الفترة التى عشتها فى إسرائيل أستطيع أن أقول إننى قدمت أروع أداء
- كنت مقتنعاً بأتنى أعمل الصواب من أجل مصر وشعبها
- هكذا يخاطب «جاك بيتون»، أو «رأفت الهجان»- كلا الاسمين لشخص واحد اسمه الحقيقى «رفعت الجمال»- زوجته الألمانية «فالترا ود بيتون»، فى رسالته التى كتبها إليها حين علم بمرض السرطان فى أكتوبر 1981، وتأكد أنه لن يبقى على قيد الحياة أكثر من ثلاثة أو أربعة أشهر.



كتب الرسالة وسلمها إلى محاميه، وأوصى ألا تفتح إلا بعد ثلاث سنوات، ونقرأ فيها قصة عشق لمصر.
يتحدث عن مولده فى الأول من شهر يوليو عام 1927 فى مدينة دمياط، يكشف كل شىء عن حياته، هو فيها يجلس على كرسى الاعتراف، يتحدث عن حقيقته، وفيها المعلوم لأسرته والمجهول الذى لا يعرفه إلا هو، وجهاز المخابرات المصرية.

فى الرسالة المكونة من 70 صفحة باللغة الإنجليزية، سنجد ردودًا مفحمة ضد كل من يتحدث عنه بوصفه عميلًا مزدوجًا لمصر وإسرائيل، سنجد فيها ردودًا واضحة وقاطعة على قول الفريق «رفعت جبريل»: «أؤكد أن العميل لا يستمر أكثر من أربع سنوات وبعدها يصبح عميلًا مزدوجًا للطرفين أو يتم استبداله»، سنجد ردودًا قاطعة على قول الفريق جبريل: «ساعده الإسرائيليون كثيرًا، وكانت له استثمارات عديدة فى أوروبا فيما بعد»، سنجد قدرة مدهشة من جهاز المخابرات فى تجنيده وزرعه بعد تدريبه بحرفية عالية، مع العلم أن فكرة زرعه جاءت فى توقيت مبكر ومع بدايات نشأة الجهاز، ولو أعدنا قراءة القصة مع مقارنتها مع قصة الجاسوس «إيلى كوهين» الذى زرعه جهاز الموساد فى سوريا عام 1962 باسم «كامل أمين ثابت»، فى تجربة مشابهة لتجربة «رفعت الجمال» لوجدنا فرقًا كبيرًا ونجاحًا عظيمًا لمخابراتنا، فـ«كوهين» تم كشفه بواسطة المخابرات المصرية، وأبلغت سوريا به بعد أن أوصلته صادقته بالرئيس السورى أمين الحافظ إلى فتح أى أبواب مغلقة فى سوريا.



فى الحديث عن طفولته وأشقائه يقول: «كان أبى تاجر فحم بالجملة وشخصية محترمة، لها مكانتها، ويحمل لقب أفندى، واسم العائلة «الجمال»، وهو اسم المؤسس لها، والذى استقر فى دمياط منذ أجيال مضت، وتهيأت له فيها حياة ميسورة بفضل تجارة الجمال، ومن هنا جاء اسم العائلة»، يضيف: «أمى رتيبة تنحدر من أسرة راقية، كانت امرأة عصرية تتحدث الإنجليزية والفرنسية اللتين تعلمتهما فى إحدى المدارس الخاصة».

يتحدث عن مدرسته فى دمياط: «كنت شيطانًا صغيرًا، لم تواجهنى مشاكل تذكر فى المدرسة التى التحقت بها، وكانت مدرسة خاصة مجاورة لمسجد عبدالغنى المقابل لقسم أول شرطة، كنت كسولًا إلى حد ما».

يتحدث عن أشقائه «سامى» و«لبيب» و«نزيهة» التى أحبها كثيرًا، وزواجها من الملازم أول «أحمد شفيق»: «أختى نزيهة امرأة ذات قلب طيب وحنون، التحقت بمدرسة البنات الوحيدة فى المدينة وهى مدرسة خاصة، إننى أحبها كثيرًا جدًا، إذ كانت دائمًا طيبة جدًا معى، حتى عندما تحتدم المنازعات بينى وبين سامى ولبيب»، ويذكر أن أمه انتقلت إلى «دكرنس» حيث يعيش أخوها، وذلك بعد أن قرر «سامى» الزواج من ابنة «محرم فيهم»، رئيس نقابة المحامين.

يتحدث عن هوايته للسينما وقتئذ: «من خلال السينما اتسعت مداركى ومعارفى عن التاريخ، مثلما عرفت منها الكثير من الأعمال الأدبية والعالمية، وأصبحت السينما مدرستى الثانية».



عشقه للسينما دفعه إلى الذهاب إلى استديوهاتها حتى قادته الصدفة إلى ظهوره مع الممثل اللبنانى «بشارة واكيم» فى دور صغير فى أحد أفلامه، ثم ظهوره فى فيلمين عامى 1945 و1946، ويشرح تنقله من وظيفة إلى أخرى، وسفره من الهند إلى نيويورك وليفربول فى بريطانيا، ومرسيليا وباريس، حتى فقد وثيقة سفره، مما اضطره إلى عمل وثيقة مزورة باسم «شارلز دينوت»، صحفى سويسرى، ثم جواز سفر آخر باسم «دانييل كالدويل»، بريطانى الجنسية، وبواسطته عبر الحدود مع ليبيا وبعد 20 ميلًا التقى بدورية عسكرية بريطانية، فأوقفه ضابطها، وسأله عن جواز سفره فناوله إياه بثقة.
- سأله الضابط: هل أنت دانييل كالدويل؟
أجاب دون اكتراث: «نعم»
- سأله الضابط: هل يمكن أن أراجع الوثائق الأخرى.
ناوله كل الأوراق، ففحصها الضابط ليعيد عليه السؤال.
- هل أنت دانييل كالدويل؟
نعم.
- إذن من أين لك بهذه الشيكات السياحية التى تحمل اسم «رفعت الجمال»، فمن صاحبها؟
أنا.

كان هذا التضارب بين كونه يحمل وثيقة سفر باسم «دانييل كالدويل»، وبين حمله شيكات باسم «رفعت الجمال»، وقوله إنه صاحبها مدعاة لشكوك قوية من الضابط الإنجليزى نحوه، فقال له الضابط:
حيث إنك قادم من الحدود المصرية فسوف اضطر إلى إعادتك إلى السلطات المصرية؟
كان سؤال رفعت الجمال: «وماذا بعد؟»
- رد الضابط: إما أنك رفعت الجمال المصرى، أو دانييل كالدويل البريطانى، أم أن لديك رأيًا آخر، ربما كنت جنديًا فارًا من الجيش، فكثيرون من الجنود البريطانيين يفرون من وحداتهم بالإسكندرية، وواجبى التحرى عنك فى لندن، لكن لدى انطباع بأنك لست بريطانيًا ولا مصريًا، أظن أنك يهودى مصرى، وواحد من الكثيرين اليهود الذين يحاولون شق طريقهم من مصر إلى إسرائيل، إنك مجرد «ديفيد آروتسون» (مؤسس شبكة تجسس يهودية انتشرت فى كل البلاد التابعة للإمبراطورية العثمانية).



هكذا يبدأ «رفعت الجمال» أول خطوة نحو المستقبل، حيث تمت إعادته إلى الإسكندرية لتبدأ رحلة البحث عمن يكون، «رفعت الجمال» أم «دانييل كالدويل»، أم «ديفيد آرتسون»؟
من قسم البوليس بالإسكندرية تبدأ الرحلة، يبقى فى حجزه أيامًا، كان معه فى الحجز أصناف أخرى من البشر المتهمين فى قضايا أخرى، ومن بينهم يهود، ثم يتم ترحيله إلى القاهرة، وفى التحقيق معه يظهر أمامه ضابط من البوليس السياسى اسمه «حسن حسنى» - هكذا يذكر اسمه «رفعت الجمال» فى رسالته إلى زوجته - قال الضابط حسنى: «لا أستطيع أن أخاطبك باسمك لأننى لا أعرف من أنت فيهم».

وبين أخذ ورد ينتهى الأمر بينهما بقول الضابط حسن: «أود أن أغلق قضيتك، فلا يوجد بلاغ عن سرقتك جواز سفر بريطانيًا، ولا أستطيع أن أفسر كيف ظهر فى ملفك أنك يهودى، ثم إن رفعت الجمال لا توجد اتهامات ضده، سأدعك تخرج، ولكن أريد أن أعرف حقيقتك».

على هذا النحو تحدث «رفعت الجمال» عن حقيقته، وبعد أن استمع إليه الضابط «حسنى» باهتمام قال له: «قد تكون إنجليزيًا أو يهوديًا أو مصريًا، غير أن ما أثار اهتمامى كثيرًا بشأنك هو أن أحد رجالنا الذين دسسناهم بينكم فى حجز إسكندرية أفاد بأن جميع النزلاء اليهود الآخرين اعتقدوا عن يقين أنك يهودى».

واصل حسن حسنى: «يجب التزام الحذر، أعداء الثورة يريدون دفع مصر مرة ثانية إلى طريق التبعية للأجانب وكبار الملاك الزراعيين، وهذا موضوع آخر، فأنت إنجليزى لا يعنيك هذا فى كثير أو قليل، وأنا على يقين من أنك لا تضمر الكراهية للشعب المصرى».

نزل هذا الرد على «الجمال» كقطعة من الجمر، كان يقصدها «حسن حسنى»، تصرف معه باحترافية كبيرة حتى يصل معه إلى ما يريده، ويعترف «الجمال» بذلك قائلا: «انفجرت فجأة قائلاً: هذه إهانة، أنا مصرى وحريص كل الحرص على مصر وشعبها».



- يضيف «الجمال»: «ما إن انتهيت من ثورتى الغاضبة حتى أشعل سيجارته، وابتسم ابتسامة المنتصر، وعندئذ عرفت أننى وقعت فى المصيدة التى نصبها لى، عرفت أنه انتصر على، فقد استفزنى إلى أقصى الحدود ليجعلنى أظهر على حقيقتى، واستطاع ببضع كلمات عن أعداء مصر أن يجعلنى أكشف عما أخفيه».

- أخذه الضابط «حسن حسنى» بهدوء، لينقله إلى موجة أخرى، كان يبدو أن «رفعت» يحتاجها، ويبدو أن الضابط يرميها كطعم سنارة يحملها، تطابقت مقاصد الاثنين وإن اختلفت أهداف الاثنين، قال له: «رفعت أنا فخور بك، أنت مصرى أصيل، ولكن أطلب منك أن تخبرنى شيئًا واحد، وبعدها سأعترف لك عن السبب فى وجودك هنا، وأنى مهتم بك أشد الاهتمام، قل لى يا رفعت: كيف جعلت اليهود يقبلونك كيهودى؟.

أجاب الجمال، شرح كل شىء، انصت «حسن حسنى» باهتمام لكل كلمة، فالقصة ستعنى أشياءً كثيرة، وتفاصيلها ستكون أساسًا متينًا لبناء قادم، يقول الجمال فى رسالته لزوجته: «شرعت أحكى كل شىء من البداية، كيف قابلت كثيرًا من اليهود فى استديوهات السينما، وكيف تمثلت سلوكهم وعاداتهم من منطلق الاهتمام بأن أصبح ممثلًا، وحيكت له عن الفترة التى قضيتها فى إنجلترا وفرنسا وأمريكا ثم أخيرًا فى مصر، بسطت له كل شىء فى صدق أمامه، شرحت أننى مجرد مهرج ومشخصاتى عاش فى التظاهر ومثل كل الأدوار التى دفعته إليها الضرورة ليبلغ ما يريده فى حياته».
- كيف كان رد فعل ما ذكره «الجمال» على «حسن حسنى؟»، يجيب «الجمال»: «بعد أن فرغت من كلامى، قال لى أنت إنسان مذهل، لقد اكتسبت فى سنوات قليلة خبرة، أكبر بكثير مما اكتسبه شيوخ على مدى حياتهم، أنت بالضبط الشخص الذى أبحث عنه، يمكن أن نستفيد منك استفادة حقيقية.

سأل «الجمال»: ما الذى تريده منى؟
قال «حسن حسنى» ما يريده، قدم عرضه، أعطى فى هذه اللحظة ملامح نظام سياسى قادم، ومع ملاحظة أن هذا الحوار دار عام 1953 أى بعد ثورة يوليو بنحو عام، سنكتشف أن القصة كانت تمهدا لعمل فريد من نوعه يدخل به جهاز المخابرات المصرى أثناء نشأته إلى هذا العالم بقوة، ومن يعود إلى سيرة مؤسسى هذا الجهاز سيتأكد أن وراء كل واحد منهم تاريخًا وطنيًا رائعًا، تجسد فى أدوار معظمهم فى المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإنجليزى فى منطقة قناة السويس قبل ثورة يوليو وبعدها، حتى جلاء الاحتلال عام 1954، وفى كتاب «حرب التحرير الوطنية» لأحد هؤلاء العظام وهو «كمال الدين رفعت» الكثير من الأمثلة التى كان طابعها سريا، وفيها عملاء وجواسيس، قام بها ببطولة رائعة الكثير ممن أسسوا جهاز المخابرات.

تأسس الجهاز عام 1954 غير أن فتحى الديب يأتى بصورة فى كتابه «عبدالناصر وتحرير المشرق العربى» عرفها بأنها تمثل أول دفعة للمخابرات العامة بعد توزيعهم على وإجباتهم عام 1953، حيث كلف جمال عبدالناصر، زكريا محيى الدين بتأسيس الجهاز، وفى الصورة «فتحى الديب، مصطفى مختار، أحمد كفافى، سعد عفرة، مصطفى المستكاوى، محمد شكرى، سعيد حليم، عبدالقادر حاتم، لطفى واكد، كمال رفعت، فريد طولان، سامى شرف، إبراهيم بغدادى، محمد فايق، محمود عبدالناصر، جمال الشناوى» ولحق بهم «عبدالمحسن فايق» وهو الضابط الذى خطط للعملية وبحث عن الشخص المناسب لها ثم وجده فى «رفعت الجمال» و«محمد نسيم» الضابط الذى سيعيد «الجمال» إلى بريقه بالتدريب، وفى الدفعة التالية، انضم «عبدالعزيز الطودى» و«عبدالعظيم هندى»، و«الطودى» كان اسمه «عزيز الجبالى» فى مسلسل «رأفت الهجان»، وهو الرجل الذى أعاد «الجمال» إلى وظيفته التى ذهب من أجلها إلى إسرائيل، وذلك بعد أن تم إهماله.

يقول الديب عن مرحلة تأسيس الجهاز: «باشرنا العمل كل فى نطاق اختصاصه، معتمدين على أنفسنا لا نجد من يزودنا بخبراته، لا من الألمان، ولا الأمريكيين أو الإنجليز أو الروس، كنا قلة من الضباط وانبرى كل منا يعمل فى قطاعه فى نطاق خطة وضعها لنفسه فى إطار من الهواية المحببة، معتمدين على حس خاص اكتشفه فى أشخاصنا جمال وزكريا».

يضيف «الديب»: اتسمت تجربة جهاز مخابراتنا بالخصوصية المصرية، واتخذ أسلوب عملنا إطارًا جديدًا ظل خافيًا عن أعين الأعداء، الأمر الذى ساعدنا فى تحقيق كثير من الانتصارات بعدما مكننا من التصدى وبكل قوة وحسم لكل محاولات التسلل والرقابة التى حاولوا فرضها علينا للحد من قدرتنا على التحرك».

أعود إلى ما يذكره «الجمال» لزوجته فى رسالته، ويشرح فيها طبيعة العرض الذى قدمه إليه الضابط «حسن حسنى».
وغدًا نستكمل.












مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة