لم تكن مقابلة رئيس حزب العمال المعارض، والناطق الرسمى للجبهة الشعبية التونسية حمة الهمامى مهمة سهلة، فالرجل الذى عرف بنضاله ضد نظام بن على، وعمل على تسخير كل قدرات وكوادر الحزب طوال فترة الثورة الأولى لمواجهة القمع والظلم حتى إسقاط النظام، واستمراره فى رفع شعار «الثورة مستمرة»، يتعرض اليوم لعدد من التهديدات بالتصفية الجسدية كغيره من الكوادر المعارضة اليسارية الأمر الذى جعل من مقابلته أمرا صعبا، لذا اضطررنا رغم وجودنا فى تونس إلى إرسال أسئلة الحوار على البريد الإلكترونى لشريف خرايفى، المسؤول الإعلامى بحزب العمال، والذى كان يلعب دور الوسيط طول الوقت وإلى نص الحوار.
هل تعرضت لتهديدات بالاغتيال مؤخرا؟
- نعم.. أعلمتنى السلطات الأمنية بوجود تهديدات جديدة تستهدفنى أنا وزوجتى، وتبعا لذلك تم تعزيز الحراسة حول مقر سكننا وحول مقر الجبهة الشعبية، وفى كل الحالات فإن هذه التهديدات لا تخيفنا، نحن سنتحمل مسؤوليتنا فى الدفاع عن مصالح الشعب حتى النهاية.
كيف تصف الوضع السياسى والاقتصادى والاجتماعى فى تونس بعد عامين من الحكم تقريبا؟
- تونس تعيش أزمة شاملة بعد أن كان شعبها الثائر يحلم بحياة جديدة، والسبب الائتلاف الحاكم بقيادة «حركة النهضة»، «الإخوان المسلمين»، هذا الائتلاف الفاشل ليست له رؤية ولا برنامج ولا الكفاءة لقيادة تونس وتحقيق آمال شعبها، فالأمن متوتر بسبب تنامى ظاهرة العنف والإرهاب، والحريات، خاصة منها حرية التعبير والإعلام، مهددة، وصياغة الدستور الجديد معطلة لأن «النهضة» تريد دستورا لها وليس دستورا لتونس، وإصلاح القضاء والإدارة والمنظومة الأمنية لم ينجز، لأن «الإخوان» لا هم لهم سوى وضع يدهم على مفاصل الدولة لتوظيفها لتثبيت حكمهم الدكتاتورى الجديد، والاقتصاد منهار، بل إن البلاد، حسب العديد من الاختصاصيين، مهدد فى المستقبل القريب بالإفلاس، والفساد تفاقم فى كل المستويات، أما المشاكل الاجتماعية، من بطالة وتهميش وفقر وتدهور للمقدرة الشرائية وفوارق طبقية وجهوية، فقد تفاقمت مقارنة بما كانت عليه قبل الثورة، فحركة النهضة الحاكمة حافظت على نفس السياسة الاقتصادية السابقة التى ثار عليها الشعب.
اليوم عاد شعار ارحل للشارع التونسى وارتفع سقف المطالب من تغيير حكومة ووقف البرلمان وإعادة الانتخابات إلى إسقاط النظام.. هل تتوقع إسقاط النظام؟
- إن الشعب التونسى ثار من أجل تغيير أوضاعه المادية والمعنوية وتحسينها، فإذا به يجد نفسه مهددا باستبداد جديد، قد يكون أكثر تخلفا من الاستبداد السابق، وهذا ما جعله ينهض من جديد فى وجه حكم «الإخوان» ويعمل على إعادة ثورته إلى مسارها الصحيح حتى يحقق أهدافه فى الحرية والعدالة الاجتماعية، وأنا واثق بأن الشعب التونسى سيسقط
حكم «الإخوان»، فنحن نعيش بوادر ثورة جديدة سيكون لها، بكل، طابع اجتماعى.
لماذا فشل الحوار مع المعارضة؟
- «حركة النهضة» هى التى أفشلت، بشهادة المنظمات الاجتماعية والحقوقية الرئيسية، الحوار الوطنى حول الأزمة التى تعيشها بلادنا منذ مدة.. إن «الإخوان» لا يريدون أن يتحملوا مسؤولية هذه الأزمة، ومن ثمة فهم لا يريدون مغادرة كرسى الحكم، ولكنهم سيجبرون على ذلك، فالشعب الذى يدمره غلاء المعيشة والبطالة والفقر وسوء الخدمات الاجتماعية، غاضب عليهم ويطالب برحيلهم لأنهم اليوم العقبة الرئيسية أمام تحقيق حلمه.
ما هو رأيك بشأن التقارير الذى صدرت بشأن علم وزارة الداخلية التونسية مسبقا باغتيال محمد البراهمى؟
- التقارير التى سربت فى الأيام الأخيرة، تفيد بأن المصالح الأمنية كانت على علم مسبق باغتيال الشهيد محمد البراهمى تقارير صحيحة، بل إن وزارة الداخلية ذاتها اعترفت بصدقيتها أى بوصول إشعار فى الأسبوع الثانى من شهر يوليو من مكتب المخابرات المركزية الأمريكية بتونس حول إمكانية اغتيال «عناصر سلفية متشددة» لزعيم التيار الشعبى الناصرى والقيادى بالجبهة الشعبية والنائب بالمجلس التأسيسى، ولكن السلطات لم تتخذ أى إجراء لحمايته.
كيف تقرأ موقف على العريض الذى أصدر قانون تجريم كل الحركات الاحتجاجية بسبب تعطيله الأمن العام، فى الوقت الذى كانت تسير فيه المباحثات بين المعارضة والنظام؟
- رئيس الحكومة يريد تجريم الاحتجاجات الاجتماعية، وهذه النزعة القمعية الفاشستية موجودة لدى العديد من زعامات حركة النهضة، فقد اعتبر أحد هؤلاء، وهو نائب بالمجلس الوطنى التأسيسى، ويدعى الصادق شورو، المحتج على أوضاعه الاجتماعية السيئة وعلى حركة النهضة، بمثابة «من يحارب الله ورسوله»، وطالب بقطع أطرافه خلافا، وبالطبع فإن الهدف من تجريم النضال الاجتماعى هو فرض حكم «الإخوان» بالعنف وخلق المناخ الملائم لإخضاع جماهير الشعب المفقر والمنهوب للاستغلال والنهب لفائدة الأقلية الحاكمة ومريديها، ولكن هذا المشروع الرجعى الاستبدادى لن يمر، لأن الشعب التونسى يقظ.
البعض يتساءل لماذا قام رئيس الجمهورية المرزوقى بتغييرات فى الجيش بالسير على خطوات تركيا لضمان ولاء الجيش وعدم الاتجاه للسيناريو المصرى؟
- التغييرات أثارت عديدا من الأسئلة، سواء من ناحية التوقيت أو من ناحية الأسلوب، فقد جاءت فى ظل أزمة سياسية وأمنية خانقة، كان من بين أسبابها التعيينات العشوائية، كما أنها لم تراع التراتيب المعمول بها عادة فى المؤسسة العسكرية، وقد تعرض رئيس الدولة لعديد الانتقادات بسبب هذه التعيينات التى أثارت الاستياء حتى فى صفوف الجيش.
بماذا تفسر محاولة المرزوقى إلقاء المسؤولية على الغنوشى ومطالبته بتقديم استقالته وعدم تجديد فترة انتخابية جديدة؟
- الأرجح أن ما جاء على لسان رئيس حركة النهضة هو من باب المناورة، فنحن لا نعتقد أنه مستعد الآن للتخلى عن حليفه، رئيس الدولة المؤقت، رغم ما يحدثه له ولرفاقه من إحراج أحيانا، ولكن مسألة تغيير الرئيس مطروحة خارج الائتلاف الحاكم، فالحركة الديمقراطية تطالب بإلغاء منظومة 23 أكتوبر 2011 التى فقدت كل شرعية قانونية وشعبية.
هل بدأ الصراع بين السلفيين وجماعة الإخوان فى تونس.. بعد رفض النظام انعقاد مؤتمر أنصار الشريعة؟
- حركة النهضة لها روابط بالسلفية، بل فيها جناح سلفى معروف، وقد تكون اعتقدت أنه بإمكانها توظيف السلفية فى صراعها مع خصومها، لكنها نسيت أن هذه الأخيرة لها أهدافها الخاصة وحتى ارتباطاتها الخارجية «الحركة الوهابية» وبالتالى فهى تعمل لحسابها الخاص أيضا، وقد استغلت صعود حركة النهضة للسلطة لتطوير نشاطها ولإدخال السلاح للبلاد والإعداد لاغتيالات، بل ربما لحرب أهلية، ونحن لا نعتقد أن النهضة أو على الأقل بعض الأطراف منها لم تكن على علم بمشاريع السلفية، والشواهد على ذلك كثيرة ومعروفة، ولكن الانكشاف المبكر لبعض مخططات السلفيين وتورطهم فى بعض الأحداث، مثل الهجوم على السفارة الأمريكية ثم فى اغتيال الشهيدين «شكرى بلعيد ومحمد البراهمى»، وفى تصفية عدد من الجنود وأعوان الأمن بجبل الشعانبى «الوسط الغربى لتونس، على الحدود الجزائرية»، فرض على حكومة النهضة، بضغط داخلى، حتى من المؤسستين العسكرية والأمنية، وخارجى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، المواجهة مع السلفية، ولكن ذلك لا يعنى أن هذه المواجهة مقبولة من كل قيادات النهضة التى يوجد فى صفوفها من يعبر عن تضامنه مع السلفيين، ويرفض مثلا تصنيف تنظيمهم، «أنصار الشريعة»، تنظيما إرهابيا.. إلخ، وبعبارة أخرى لا يمكن اعتبار أن القطيعة حصلت وانتهت بين حركة النهضة والسلفيين، فالعودة إلى بعضهما البعض واردة والحديث عن «جبهة إسلامية»، تضمهما وتضم حزب التحرير ما يزال جاريا.
رئيس حزب العمال التونسى المعارض لـ«اليوم السابع» ..الائتلاف الحاكم فاشل والتهديدات لا تخيفنا وحركة النهضة الحاكمة حافظت على نفس السياسة الاقتصادية السابقة التى ثار عليها الشعب
الإثنين، 30 سبتمبر 2013 03:40 م
الهمامى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة