تختلف الديمقراطية من حاكم لآخر ومن نظام لنظام، وما يراه حاكم ما مباح اليوم وحق مشروع لشعبة ليس بالضرورة أن يراه بنفس المشروعية فى اليوم التالى.. هكذا تعلمنا السياسة، أما الديمقراطية على طريقة رئيس الوزراء التركى رجب أردوغان فقد تعددت أشكالها واختلف المحللون فى تفسيرها، فبالأمس القريب وتحديدا بعد ثورات الربيع العربى كان يرى أردوغان أن تظاهر الشعوب واحتجاجاتهم للتخلص من أنظمة حكم عاتية قبعت على صدورهم لعقود حق مشروع ويؤيده، أما الآن وبعد صعود التيار الإسلامى للحكم فيرى أردوغان أن الاحتجاجات ضد هذه الأنظمة غير مقبول.
الجميع يعلم أن ما حدث فى مصر من تغيرات سياسية مفاجئة أربك حسابات النظام التركى الذى حاول أن يظهر للغرب على أنه زعيم الخلافة الإسلامية التركية فى منطقة الشرق الأوسط، هذا الارتباك دفع أردوغان إلى اتخاذ إجراءات أعادت للأذهان شكل الدولة البوليسية من جديد، فقام الرجل بتعديل صياغة المادة الخاصة بالقوات المسلحة فى الدستور التركى خوفا من الانقلابات العسكرية، كما أمر بأن تحل الشرطة محل شركات الأمن الخاصة فى الجامعات كنوع من إرهاب الطلبة اللذين ينظمون مظاهرات ضده، ولمن خانته الذاكرة يمكن التذكير بأن أردوغان فرض سابقا قيودا تعسفية على الصحف والإعلام والحريات بصفة عامة للحد من انتقاده أو مهاجمته.
فى هذا الشأن، يرى الدكتور محمد مجاهد الزيات، مدير المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط، أن أردوغان يعيش الآن فى مأساة كبيرة بعد تغير الخريطة السياسية فى مصر، لأنه كان يعتقد أن تركيا تتزعم النظام الإسلامى فى مصر، تونس، ليبيا، والجزائر، مشيرا إلى أن ما حدث فى مصر بمثابة انهيار لرؤى أردوغان فى المنطقة ومن الممكن أيضا أن تطرح صيغة جديدة لأحزاب المعارضة التركية وارتفاع سقف المطالب، موضحا أن أردوغان يعانى من قلق شديد من انقلاب الشارع التركى عليه، لذلك سارع بتعديل صياغة المادة الخاصة بالقوات المسلحة فى الدستور التركى بعد موافقة البرلمان التركى وتصويت الأغلبية التابعة لحزبه وذلك ليحد من دورة فى الحياة السياسية ومنع الانقلابات العسكرية فى حال اتخذ النظام موقف سياسى معين ولم يتجاوب معه الشعب.
ويشير الزيات إلى أن رئيس الوزراء التركى اتبع نوعا من سياسة استبداد الأغلبية خاصة بعد أن حقق قدرا كبيرا من الإنجازات الاقتصادية، ولكن سقوط النظام الإخوانى فى مصر يرى فيه أردوغان سقوطا للخلافة التركية فى المنطقة، وهذا ما دفعه للتقارب من إيران بشكل لم يسبق من قبل لإعادة النظام المعزول فى مصر، ومن ثم يستطيع استكمال مشروعة الإسلامى فى المنطقة.
ويلفت د.الزيات إلى أن أردوغان يحاول دائما تقديم نفسه للاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة على أنه وجه الإسلام المعتدل فى الشرق الأوسط، ولكن عندما يرى أردوغان أن النظام الإسلامى ينهار بهذا الشكل يفقد جزء كبير من دعاوى تركيا بأنها حائط الصد تجاه الإسلام المتطرف تجاه أوروبا.
وعلى الرغم من وجود توترات داخلية فى تركيا إلا أن أردوغان مازال يقحم نفسه داخل الشأن المصرى ويطالب بعودة مرسى، ومن ثم يوضح الدكتور سعيد اللاوندى - خبير العلاقات السياسية الدولية- أن موقف الدول تأتى من منطلق مصالحها وهذا ينطبق على تركيا، فأردوغان يخشى حدوث نفس السيناريو المصرى من مظاهرات فى تركيا ويعزل كما عزل المصريين مرسى. وبالتالى قام بعدد من التعديلات فى تركيا ومنها تعديل المادة 35 من قانون الخدمة الداخلية للقوات المسلحة والاستعانة بالشرطة داخل الجامعات بدلا من شركات الأمن الخاصة فهو يخشى من تدخل الجيش ويخشى العزلة وبالتالى حاول تقييد الجيش حتى لا يتدخل كما حدث فى مصر.
وبسؤاله: هل يمكن استنتاج عودة تركيا إلى الحكم الاستبدادى بدلا من الديمقراطية؟ قال لاوندى أن لا أحد ممكن أن يشكك فى نواياه إنه رجل وطنى ومتأثر بأتاتورك ويتبع التيار السلمى، ومع ذلك يسير فى اتجاه العلمانية فهو لا يريد أن تصبح تركيا دولة ديكتاتورية لأن تركيا أولى الدول الديمقراطية وهو يفخر بالنظام الديمقراطى من عهد أتاتورك لكن مع تلك التعديلات الدستورية من المؤكد يعنى عودة النظام الاستبدادى والذى من شأنه يؤثر على رغبته للانضمام للاتحاد الأوروبى وأن يتعامل بقسوة مع المتظاهرين حتى أن هناك تصريحات من الشأن الأوروبى بتخفيف الضغط على الشعب الأوروبى.
وأضاف لاوندى "بالطبع أردوغان يخشى الانهيار فهو رجل سياسى محترف لا يرغب أن يعود للنظام الاستبدادى ونظام السلاطين القديم، ولا أن تعود إلى نظام نتخلف وهذا لا تريده تركيا ولا أوربا أو حتى العالم من حوله، فتركى ترى نفسها الدولة الديمقراطية الأم فى المنطقة ".
من جهة أخرى، يرجع د.عصام عبد الشافى، أستاذ العلوم السياسية جامعة الإسكندرية، سبب التعديلات الدستورية داخل تركيا إلى الصراع الطويل بين الجيش والسلطة السياسية فى تركيا، حيث ظل الجيش لعدة عقود يسيطر على السلطة السياسية وقام بالعديد من الانقلابات العسكرية على حساب التجارب الديمقراطية التى مرت بها تركيا ومع استقرار الأوضاع لحزب العدالة والتنمية منذ 2002، وحتى الآن والنجاحات الكبيرة التى حققها سياسا واقتصاديا كان من الطبيعى التفكير فى وضع الضوابط الدستورية التى تحول دون ممارسة الجيش لعمل سياسى قادم فى النظام السياسى، لذلك يرفض د.عصام الربط بين ما يحدث من تعديلات فى تركيا بما يحدث فى مصر من انهيار النظام، لأنه مرتبط بتاريخ النظام السياسى التركى وما تشهده تركيا جرت فى الشهر الماضى من مظاهرات بميدان تقسيم وحديث البعض عن تورط عدد من القياديات العسكرية فى مثل هذه المظاهرات.
وحول أن كانت تلك التعديلات تؤثر على انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى يعتقد عبد الشافى إنه بالأساس هناك رفض من الاتحاد الأوروبى لانضمام تركيا على خلفيات أساسها دينى وثقافى وتاريخى لأنه لو كانت هناك رغبة جادة فى انضمامها كان تم ضمها منذ بداية تأسيس الإتحاد وخاصة إنها عضو مؤسس فى حلف الناتو الذى يمثل الذراع العسكرى لتركيا.
وأرجع عبد الشافى سبب تدخل تركيا فى الشأن المصرى إلى وجود روابط فكرية و مرجعية سياسية بين مصر وتركيا، كما أن تركيا شهدت قفازات فى علاقتها بمصر خلال فترة الرئيس مرسى لدرجة أن الكثيرين توقعوا بناء تحالف إستراتيجى بين الدولتين وهو ما يمكن أن يتهدد الآن فبعد عزل مرسى برز التوجه نحو دول الخليج وهو ما يمكن أن ينال من الدور الإقليمى التركى.
سقوط مرسى أربك حسابات أردوغان.. رئيس وزراء تركيا يلجأ لأساليب بوليسية لقمع مظاهرات الطلبة وتحييد الجيش.. والزيات يؤكد: يعيش مأساة كبيرة بعد تغير الخريطة السياسية فى مصر
الأحد، 14 يوليو 2013 01:55 م
رجب طيب أردوغان
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد المصرى
اردوغان يبدا من حيث انتهى الرئيس المتنحى محمد حسنى والرئيس المعزول مرسى