يقول الكاتب السعودى سالم اليامى فى روايته "حكومة بنت إكحيلان"، إن الحكم الذى يقوم على الظلم لا يكتفى بالإساءة إلى من يظلمهم من المواطنين، بل إن ظلمه يرتد على أهل النظام أنفسهم، إذ يودى ببعضهم مرض جسدى، وبعضهم الآخر يذهب فريسة لداء نفسى وللانتحار.
ويبدو كأن الكاتب يقول، إن هذين الداءين يقضيان على أهل النظام وصولاً إلى الحاكم نفسه فتنهار الدولة كلها، لكن الأمل يستمر فى صورة الأجيال الجديدة المثقفة التى تدرس خارج البلاد لتعود إليها خالية من الآفات الاجتماعية والنفسية "الوطنية" ولتقوم بعملية الإنقاذ، فكأن فى الأمر عملية بدء من جديد.
يكتب سالم اليامى بطريقة تجمع بين الرمزى وما هو مألوف فى المثل الخرافى وبين الأسطورى وأساليب الكتابات الشعبية، فضلاً عن بعض التأثر بالنصوص الدينية وبشكل خاص قصة قابيل وهابيل.
جاءت الرواية فى 86 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن دار بيسان للنشر والتوزيع والإعلام.
قصة مولد الحكم الذى نحن بصدده يبدأها الكاتب كما يلى: "ولدت "حكومة" ذات صيف ساخن، كان أبوها "إكحيلان" وقت ولادتها موظفا يعتز بوظيفته الحكومية فلم يجد اسما يسمى به مولوده غير اسم "حكومة".
"اقترنت حكومة بزوجها الأول عن قناعة وحب وتطلقت قبل أن تضع مولودها منه وعندما أنجبت ذلك المولود سمته "ضايع"، ثم تزوجت زوجاً آخر لم تكن تحبه ولا هو يحبها وأنجبت منه مولوداً سمته "جايع"، تطلقت من زوجيها اللذين أصبح لكل من ابنيهما ضايع وجايع سلالات وعوائل وقبائل تحت مسميات "آل ضايع" و"آل جايع".
عزلت "حكومة" نفسها فى قصرها فى أحد أحياء القرية، وجاء ضايع ليرى أمه فوجدها غارقة فى التأمل وسط قصرها الذى يطل من جهات مختلفة على القرية التى أصبحت ممزقة ومنقسمة بفعل الصراع بين قبائل آل ضايع وآل جايع.
أضاف أن ضايع "قبّل جبهة أمه ومسح دمعة سقطت من عينيها حين رأته يزورها متخفيا وخائفا وسط عتمة ليل.. وكلاهما.. من وقت إلى آخر يرمقان القرية بنظرات حزينة وكأنها لم تعد قرية "حكومة" التى شعر الناس فيها فى مراحل جميلة من حياتهم بأنها للجميع حين كانوا يتبادلون المحبة والود والوفاء والثقة ويتعايشون بسلام قبل أن يشذ جايع وقبيلته ويجعل من أخيه ضايع وقبيلته أعداء يجب محاربتهم والاستعانة بكل غريب عليهم.
"لمحت حكومة فى عينى ضايع شيئا خطيرا يقول لها إن لم تتخذى قرارك الآن يا حكومة لتوقفى العبث الذى يغرسه جايع وقبيلته فى جسد القرية.. فلن تبقى القرية لأهلها ولن تبقى حكومة سيدة القصر."
أضاف يقول لها إنها كانت على مر السنين "أمنا الحنون يضمنا حضنك بكل دفء. نتخاصم وتكونين بيننا الحكم العادل ونتقاسم لقمة العيش التى تطبخها يداك الكريمتان." ووصفها بأنها الآن صارت سبب معاناته.
ووسط هذا الانقسام والحقد فان "حالم" وهو ابن ضايع و"مايا" بنت جايع هما "حالتا استثناء فى القرية... هما ابنا الأخوين المتصارعين، خرجا من عباءة الجياع والضائعين وذهبا للدراسة فى أمريكا من وسط مجتمع القرية قبل أن يغرق ذلك المجتمع القروى فى مشكلاته وصراعاته... كلاهما حالم ومايا قادمان من واقع القرية الذى يسلبهما حرية الاختيار فيجعلهما يفقدان القدرة على الإبداع، وهما يعيشان فى مجتمع يمنحهما حرية الاختيار والقدرة على أن يبدعا".
يقول حالم عن المجتمع الأمريكى "المجتمع المدني.. مجتمع مؤسسات ولكل مؤسسة مدنية: دستور وفكر ورؤية وهدف لخدمة إنسان ووطن وليس من اجل مصلحة عصبة أو عصابة... الفكر المؤسساتى ديمقراطى عقلانى عادل والفكر العصبوى استبدادى غوغائى ظالم".
كانت حكومة تعد بالإصلاح وتخلف الوعد، وإذا اتخذت خطوة ضد الفساد فإنها تبتعد عن الرؤوس الكبيرة وتجعل من بعض صغار الموظفين ضحايا وكبوش محرقة، مرة قالت لضايع إنها "ستعين" برلمانا فقال لها إن التعيين لا ينفع.
قال لها "اذهبى إلى الشوارع لتشاهدى العبث بعينيك فى ظل غياب البيئة التحتية فى القرية، الشوارع مملؤة بالحفريات وتنعدم شبكات المياه والصرف الصحى والروائح النتنة تنتشر فى الأحياء بسبب سوء النظافة وتكدس الزبالات فى كل الزوايا.. فى الوقت الذى يعالج وزير صحتك فى ألمانيا وأمريكا، أبناء القرية لا يجدون المشافى التى تعالج حالاتهم الصعبة، أما المدارس والجامعات فلا تنتمى إلى العصر الذى نعيشه".
والفساد يعم الجميع حتى القضاة الذين يفترض فيهم العدل، وإذا جرى استقدام خبراء من الخارج فلن يستقدم سوى المرتشين الفاسدين.
أحب حالم الفتاة الأمريكية سارة وأحبته. سألته أن كان قد أحب قبلا وخفق قلبه فقال لها انه لم يفعل فاستغربت فأجابها "فى قريتنا لا مكان للخفق.. الصراع وحده يستولى على قلوب الناس وعقولهم." تسأله لم لا يحق لمايا أن تحب كما يفعل هو فيرد وسط استنكارها بأنها أن فعلت ذلك فسوف يجرى قتلها.
تعد حكومة بإجراء إصلاحات وينتظر الناس ذلك ليكتشفوا أنها فى سنها المتقدمة واقعة فى غرام شخص أجنبى، أصبحت تعيش فى حالة انفصال عن اهل القرية شأن الصورة التقليدية للحاكم الدكتاتور، وتأتى الأخبار بأن جايع أصيب بمرض فيروسى خطير وأن ضايع أصيب بمرض انفصام الشخصية.
"وكلما استبد المرض بجايع شعر آل جايع أنه مرض معد ينتشر كالوباء فى جسد القرية، وكلما ازداد انفصام ضايع اتساعا كلما شعر آل ضايع أنهم منفصمون مثله حتى أصبح الناس فى القرية منقسمين إلى فريقين مريضين"، ومات جايع بسبب دائه وفقد ضايع عقله.
بعد زواج حكومة بالأجنبى لورانس أنجبا ابنة سمياها "مصيبة"، وفى ذروة الهرج والمرج والنقاش "وصلت أخبار مصائب القرية إلى حكومة.. فحدثت المصيبة الكبرى بانتحار حكومة بنت إكحيلان وهرب لورانس عائدا إلى بلاده تاركا خلفه ابنته مصيبة تواجه مصيرها المأساوى".
مايا حصلت على شهادتها كطبيبة متخصصة فى مكافحة أمراض الفيروسات وحالم تخصص دكتورا فى علم النفس، وترك الاثنان أمريكا عائدين إلى القرية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة