تتواصل الاشتباكات فى المدينة اللبنانية طرابلس لليوم الرابع على التوالى، بين منطقتى جبل محسن (ذات الأغلببة العلوية)، وباب التبانة (ذات الأغلبية السنية) على خلفية الأزمة السورية. وبلغت حصيلة القتلى والجرحى نتيجة الاشتباكات منذ السبت الماضى، 11 قتيلا، وإصابة 112 جريحًا.
وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أن الرصاص الطائش المتبادل بين أهالى المنطقتين، وصل إلى مناطق بعيدة عن أماكن الاشتباكات فى حين كانت وحدات الجيش اللبنانى ترد على مصادر النيران وسط مخاوف من انفلات الوضع فى طرابلس بشكل يصعب التحكم به، لاسيما بعد البيانات والبيانات المضادة بين من أطلقوا على أنفسهم تسمية «أولياء الدم» فى كل من جبل محسن وباب التبانة المتنازعتين، الأمر الذى دفع إلى عقد لقاء عقد بين رئيس البرلمان نبيه برى ورئيس الحكومة السابق، رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة فى محاولة لتهدئة الأوضاع.
وطبقًا للتقارير الواردة من لبنان. فقد تبنت مجموعة "أولياء الدم" فى باب التبانة إطلاق النار على أشخاص من جبل محسن، الخميس الماضى، على خلفية تفجير مسجدين بالمدينة فى أغسطس الماضى، معلنة استمرارها فى استهداف أهالى جبل محسن إلى حين تسليم زعيم الطائفة العلوية على عيد وابنه رفعت، فيما أصدرت "اللجنة الموحدة لقادة المحاور فى جبل محسن» بيانًا، أمس، أعلنت فيه «عدم السماح بعد اليوم لأى اعتداء على أى مواطن فى جبل محسن ولا على أى منشأة أو مؤسسة يملكها ابن جبل محسن".
وهددت اللجنة أن الرد سيكون فى كل لبنان معلنة فرض الحصار الكامل على مدينة طرابلس منذ أمس، الاثنين، حتى تسليم كل من حرض وهدر دم أبناء جبل محسن، للقضاء وبملاحقة أى طرابلسى يخرج من المدينة.
ووصف وزير الداخلية فى حكومة تصريف الأعمال مروان شربل، فى حديثه لـ«الشرق الأوسط»، جولة الاشتباكات الثامنة عشرة فى طرابلس، بـ«التحدى الأكبر وليس الأخطر» بالنسبة إلى الجيش والقوى الأمنية والسياسيين على حد سواء، على اعتبار أن فريقى القتال يرفضان التراجع ومصران على الاستمرار فى المواجهات.
وأكد شربل، أن الحسم فى عاصمة الشمال يتطلب حسمًا فى مواقف الأطراف السياسية والوزراء والنواب المحسوبين على فريقى 8 و14 (آذار). وأضاف: «على الجميع تحمل مسئولياتهم والإعلان بشكل واضح وصريح عن رفع الغطاء السياسى على المقاتلين، ومنح الجيش الصلاحية الكاملة للضرب بيد من حديد».
وطالب شربل القوى السياسية بالاجتماع وتوحيد قرارها فى هذا الإطار، كى تتمكن القوى الأمنية بالقيام بواجباتها كما يجب.
من جهته، توجه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتى فى بيان له، إلى أهالى طرابلس، وأعلن عن قرار اتخذ أول من أمس خلال الاجتماع الموسع الذى عقد فى طرابلس، وحضره سياسيو المدينة ورؤساء القوى الأمنية، بعد التشاور مع الرئيس اللبنانى ميشال سليمان، بوضع كل القوى الأمنية تحت إمرة قيادة الجيش لتقوم باتخاذ كل الإجراءات المناسبة والحاسمة لضبط الأمن، مشيرًا إلى أنه على يقين بأن الجيش سيقوم بالمهمات الملقاة على عاتقه وسينفذ المذكرات القضائية بمجملها.
كذلك، رأى رئيس كتلة المستقبل، رئيس الحكومة السابق، فؤاد السنيورة أن هناك حاجة لاتخاذ قرارات حازمة فى طرابلس حتى لو اقتضى الأمر تغيير رؤساء الأجهزة الأمنية والعسكرية فى المدينة، من أجل أن يسود شعور بأن هناك أمرًا جديدًا سيجرى تطبيقه.
تاريخ الصراع جبل محسن وباب التبانة
فى 12 مايو 2012 وقعت اشتباكات مسلحة بين الجيش اللبنانى ومتظاهرين ينتمون إلى التيار الإسلامى المؤيد للثورة فى سوريا، عندما حاولوا الاقتراب من مقر تابع للحزب السورى القومى الاجتماعى، وهو حزب لبنانى يناصر النظام السورى. وكان مسرح الأحداث فى منطقتى جبل محسن ذات الأغلبية العلوية وباب التبانة السنية بمدينة طرابلس كبرى مدن الشمال اللبنانى.
ونصب العشرات الإسلاميين خيامًا عند المدخل الجنوبى للمدينة، وحملوا رايات سوداء عليها عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، إضافة إلى علم الاستقلال السورى، الذى يرفعه معارضو النظام السورى.
ولم تكن هذه الأحداث هى الأولى من نوعها فى طرابلس، فقد باتت المدينة معقلا لمعارضى نظام حزب البعث الحاكم فى سوريا والمناوئين لحزب الله اللبنانى، منذ انسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005.
وقد ظلت أطراف هذه المدينة التى تعانى من الفقر وإهمال الدولة تشهد اشتباكات عنيفة ومتكررة بين مسلحين من الطائفة السنية التى تقطن فى باب التبانة، وعلويين يسكنون حى جبل محسن.
ولقد ظلت الخصومة بين هاتين الطائفتين قائمة منذ الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، وكانت المواجهات بينهما تندلع لأسباب تتعلق بالانتماءات الطائفية حينًا، وبمعارضة أو تأييد الحكومة السورية التى يقودها العلويون.
وفى التاريخ الحديث عانت الطائفة العلوية فى الشام من اضطهاد الإمبراطورية العثمانية السنية لهم، لكنهم نالوا حظًا من السلطة والنفوذ عندما جندت سلطات الاحتلال الفرنسى علويين فى صفوف الجيش، الذى تشكل إبان الانتداب الفرنسى على سوريا.
وعاش عشرات الآلاف من العلويين فى ضاحية جبل محسن بطرابلس والقرى المجاورة لبلدة عكار فى شمال لبنان، وتربطهم علاقات قوية مع علويى سوريا، الذين تنتمى إليهم عائلة الأسد الحاكمة.
أما بداية الاشتباكات بين العلويين والسنة فى ضاحيتى جبل محسن وباب التبانة بطرابلس إبان الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) بسبب خلافات طائفية وسياسية.
فقد تحالف وقتها الحزب العربى الديمقراطى المحسوب على الطائفة العلوية مع سوريا، وانخرط إلى جانب الجيش السورى فى قتاله ضد حركة التوحيد الإسلامى السنية التى كانت تتمركز فى باب التبانة.
وكان التمازج بين الطائفتين الجارتين هو السمة السائدة قبل اندلاع الحرب.
وفى أغسطس، نشبت معارك عنيفة بين حركة التوحيد المدعومة من لجنة المساجد واللجنة الإسلامية من جهة، والحزب العربى الديمقراطى من جهة أخرى.
وتعزز موقف الحركة عندما أحكمت السيطرة على منطقة الميناء يوم 22 أغسطس من العام نفسه، بعد قتال شرس فى شوارع طرابلس سقط خلاله أكثر من أربعمائة قتيل.
واستمر قتال الشوارع حتى 18 سبتمبر قبل أن تضع اتفاقية سلام بوساطة سوريا حدا له.
وبحلول عام 1985 سيطرت على طرابلس حركة التوحيد، فيما انكفأ الحزب العربى الديمقراطى فى منطقة جبل محسن.
ثم أخذت الأمور منحى آخر بعد إقدام السوريين على اعتقال قائد حركة التوحيد العسكرى سمير حسن فى طرابلس فى 18 ديسمبر 1986.
ورد رجال القائد العسكرى بقتل 15 جنديًا سوريًا عند إحدى نقاط التفتيش، فجلب ذلك عليهم غضب السوريين فأنزلوا عقابهم بحركة التوحيد حتى تمكنوا من إلحاق هزيمة ماحقة بها بعد أن قضوا على العديد من مقاتليها، وأسروا البعض، وتفرق الآخرون أيدى سبأ.
إبان النزاع اللبنانى فى 2008 اشتبكت الطائفة السنية المؤيدة للحكومة مع العلويين المناهضين لها. وأعاد الحزب العربى الديمقراطى تسليح نفسه خلال تلك الفترة بعد أن نما إلى علمه أن جماعة إسلامية، تطلق على نفسها فتح الإسلام تنوى مهاجمة العلويين فى طرابلس.
وفى ليلتى 10 و11 مايو اندلع قتال بين أتباع حزب الله ومناصرين للحكومة من الطائفة السنية فى طرابلس، وهو القتال الذى أودى بحياة امرأة واحدة.
وفى 11 مايو اشتبك الموالون للحكومة والمعارضين لها من الطائفة العلوية فى منطقة جبل محسن، واستُخدمت فى القتال البنادق الرشاشة والقذائف الصاروخية.
وفى 22 و23 يونيو من العام نفسه لقى تسعة أشخاص على الأقل مصرعهم وجُرح 55 آخرون فى طرابلس فى اشتباكات بين سنة باب التبانة وعلويى جبل محسن.
وفى الفترة ما بين 25 يوليو إلى 29 سبتمبر قُتل 23 شخصًا فى اشتباكات مشابهة. وتوصل قادة الطرفين بعد ذلك إلى اتفاق مصالحة وضع حدا للاقتتال بين الطائفتين وللتوتر الذى خيم على مدينة طرابلس منذ الحرب الأهلية. غير أن منطقة جبل محسن تعرضت فى أكتوبر لهجوم بالقذائف من عناصر لم تُعرف هويتها.
وقُتل سبعة أشخاص وجُرح 59 آخرون فى طرابلس فى 17 يونيو 2011، بعد اشتباكات مسلحة نشبت عقب تظاهرة حاشدة فى باب التبانة دعمًا للثورة الشعبية فى سوريا.
وفى 10 و11 فبراير2012، راح شخصان أو ثلاثة ضحايا قتال بين ضاحيتى جبل محسن وباب التبانة. وتدخل الجيش اللبنانى الذى سقط منه ستة جنود جرحى، فانتاب الناس الخوف من احتمال أن يمتد الصراع الدائر فى سوريا إلى لبنان.
واندلع قتال آخر بين الطرفين يومى 12-13 مايو 2012 فى طرابلس، استخدمت فيه القذائف الصاروخية والبنادق الآلية.
وقبلها بساعات تبادل الجيش اللبنانى إطلاق النار فى وقت متأخر من فى 12 مايو مع مجموعة من الإسلاميين الشبان فى طرابلس تطالب بالإفراج عن زميل لهم متهم بالإرهاب. وأسفر القتال عن مقتل ثلاثة من المدنيين السنة وضابط بالجيش.
وفى يوم 17 من الشهر ذاته قُتل شخص واحد على الأقل، وبحلول يوم 18 مايو كان إجمالى عدد القتلى فى الاشتباكات 12 شخصًا وما يزيد على مائة جريح.
وفى 21 من الشهر ذاته تبادل طرفا الصراع فى الضاحيتين القصف بقذائف آر بى جى الصاروخية، دون ورود تقارير بسقوط جرحى.
"باب التبانة وجبل محسن" تاريخ من الاشتباكات المسلحة تعود للحرب الأهلية اللبنانية.. سوريا وحزب الله وقود الصراعات.. والجيش اللبنانى يرد على مصادر النيران وسط مخاوف من انفلات الوضع فى طرابلس
الثلاثاء، 03 ديسمبر 2013 10:00 م
الجيش اللبنانى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة