كانت الديمقراطيات الوليدة فى دول ما يسمى بـ«الربيع العربى» مجرد إرهاصات للديمقراطية الحقيقية، والتى من الممكن تحقيقها بعد زمن طويل، إلا أن الأحزاب التى وصلت إلى السلطة ليست مهيأة لممارسة ديمقراطية حقيقية، إما لنقص الخبرة السياسية، أو لرفض القوى المعارضة فى هذه البلاد تلك الأحزاب وسعيها لإفشالها والقفز على السلطة، فأصبح من الصعب الآن التكهن فى أى اتجاه تسير تلك البلدان، فالأوضاع الآن غير مطَمئنة، من خلال عدم الاستقرار الذى تعيشه، فى ظل انتشار المجموعات المسلحة فى بعض الدول، حيث ما زالت الحكومات غير قادرة على السيطرة على تلك الجماعات.
ولكن بعد مرور قرابة الثلاثة الأعوام على اندلاع تلك الثورات نجد أنها لم تحقق ما كانت تحلم به هذه الشعوب من إسقاط تلك الديكتاتوريات المتجذرة وإرساء مبادئ الديمقراطية، هذا بالتأكيد ما أدركته إسرائيل بكل دقة، وانتظرته بفارغ الصبر، محاولة استغلال مصطلح «الربيع العربى»، وتحقيق أكبر استفادة مما يحدث بالشرق الأوسط، فى ظل الغياب العربى، وانشغال تلك الدول بقضاياها الداخلية، وطموحات حكامها الجدد وتطلعات شعوبها، فى بناء مستوطناتها كيفما شاءت، فرأينا تجرؤها الذى زاد فى اقتحام المسجد الأقصى ومنع المصلين من دخوله، وتكثّفها الملحوظ من عمليات البناء التهويدى وطمس المعالم الإسلامية العريقة فى محيط المسجد الأقصى، لتحقيق أطماعهم فى السيطرة على الحرم القدسى الشريف، وتنفيذ مخططات الاستيلاء على هذا المكان المقدس، فحاولوا تكريس ما يشبه الاقتحام والتدنيس شبه اليومى للمسجد الأقصى، وزيادة الأعداد وتنويع الوسائل فى محاولة لفرض أمر واقع.
فإذا نظرنا إلى مآلات الربيع العربى، فنبدأ بالأوضاع فى تونس، باعتبارها الدولة التى انطلقت منها شرارة الربيع العربى، فنجدها لا تزال تفتقر إلى الاستقرار المؤسسى، بسبب عدم التوصل إلى اتفاق على الدستور، بعد حوالى ثلاث سنوات على سقوط نظام زين العابدين.
أما الثورة المصرية، وهى قلب الوطن العربى واللاعب الرئيسى فى الشرق الأوسط، فنجدها بعد تنحى مبارك فى الحادى عشر من فبراير 2011، وما تبعها من مرحلة انتقالية حكمها المجلس العسكرى، حتى جاءت انتخابات 2012 برئيس ينتمى لفصيل إسلامى، ما لبث أن قضى قرابة العام حتى قام الشعب بثورة مطالباً بسقوطه وجماعته، بعدها تم عزله وملاحقة أعضاء تنظيمه، وما تلا ذلك من فض اعتصامى رابعة والنهضة، وما تبعهما من أحداث، فوجدنا العنف والعنف المضاد من كلا الطرفين وقد انتقل مؤخراً إلى الجامعات المصرية، وتحول الشارع إلى ساحة حرب يدفع ثمنها المواطن البسيط الذى زادت أعباؤه بعد غلاء الأسعار ووعود حكومات متعاقبة بتطبيق حد أدنى للأجور يحقق مستوى معيشة أفضل له، ولكنها أحلام حكومات، ما تلبث أن تفيق منها بمجرد تغيير هذا الوزير أو ذاك، فكلما تغيرت تلك الحكومات جاءت أخرى بأحلام ووعود جديدة، حتى وصلنا إلى دائرة مفرغة والأوضاع تزداد سوءاً.
أما عن الثورة السورية فنجد أنه منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية السلمية فى مواجهة القمع الشديد الذى مارسه نظام الرئيس بشار الأسد لتتحول إلى نزاع دامٍ أوقع أكثر من 126 ألف قتيل بحسب إحصائية المرصد السورى لحقوق الإنسان، وتسبب ذلك فى تهجير ونزوح الملايين، بعد هجوم قوات الأسد بالأسلحة الكيميائية وتسبب فى سقوط مئات من القتلى والجرحى، غير هؤلاء اللاجئين المشردين فى دول الجوار.
بينما ليبيا، فتجد السلطات الانتقالية الليبية، منذ سقوط نظام معمر القذافى فى أكتوبر 2011، صعوبة فى بناء جيش وشرطة محترفين، يسمحان لها بإرساء حكمها وحفظ النظام فى هذا البلد الذى تسوده الفوضى، وهى تلجأ إلى الثوار السابقين الذين شكلوا ميليشيات مسلحة لا تتردد فى تحدى الدولة حين تكون مصالحها مهددة.
كل تلك المقدمات ظهرت نتائجها فيما نشره الموساد الإسرائيلى فى تقريره السنوى، منذ أيام، مستعرضاً قوة جيش بلاده، مدعياً انشغال جيوش المنطقة بثورات بلادها وانخراطهم فى الأوضاع الداخلية منذ عامين، وأثبت ذلك التقرير تلك المعطيات التى طرحناها فى السابق، عندما أكد أن إسرائيل هى أكبر مستفيد من الأوضاع المتوترة بالمنطقة.
فإذا خلصنا إلى نتيجة وجدناها كلها تصب فى صالح تلك الدولة العبرية التى تسعى دوماً إلى تحقيق مطامعها وتطلعاتها الاستعمارية فى الوطن العربى، فرأينا اقتحامها لباحات المسجد الأقصى بالجنود مئات المرات، فى ظل التراجع الملحوظ للريادة المصرية فى المنطقة، وما كانت تمثله من رادع للانتهاكات الإسرائيلية المتكررة، وكذلك غياب الدور العربى أيضاً، فكان انشغال النظام المصرى بمشاكله الداخلية، أكبر العوامل التى ساعدت إسرائيل على تحقيق طموحاتها الاستعمارية وانتهاكاتها للمسجد الأقصى.
وفى الوقت الذى يعانى فيه اقتصاد تلك الدول تراجعاً ملحوظاً، فكان تراجع السياحة نتيجة طبيعية للاضطرابات الأمنية، وكذلك بعض الإضرابات العمالية والاحتجاجات الفئوية، كل تلك الأسباب أدت لتراجع الاقتصاد تراجعاً ملحوظاً، استغلت إسرائيل ذلك وبدأت تخطو خطوات ملحوظة نحو مصاف الدول المتقدمة، وظهر ذلك جلياً بمواصلة تدعيم تعاونها مع الدول العظمى، ومنها الصين، فى جميع المجالات.
ما أريد قوله، إننا فى الوقت الذى ننشغل نحن بثوراتنا ومشاكلنا الداخلية، التى تحتاج لسنوات ربما تطول لحلها، نجد إسرائيل تستغل هذا الانشغال لتحقيق طموحاتها فى الشرق الأوسط، وليس سياسياً بحسب بل اقتصادياً أيضاً.
إسرائيل و«الربيع العربى».. بعد مرور قرابة الثلاثة الأعوام على اندلاع تلك الثورات نجد أنها لم تحقق ما كانت تحلم به هذه الشعوب من إسقاط تلك الديكتاتوريات المتجذرة
الإثنين، 23 ديسمبر 2013 06:33 ص
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
dodo
المؤامرة العربى
عدد الردود 0
بواسطة:
حسن ربيع
لا فيه مطلب واحد تحقق فى مصر