تعكف المستشرقة الروسية د. فاليريا كيربتشنكو على ترجمة كتاب أحمد فارس الشدياق "الساق على الساق فيما هو الفارياق" وذلك بعد أن نقلت إلى الروسية عددا مهما من المؤلفات المصرية.
تعد فاليريا كيربتشنكو أكبر مستشرقة روسية فى الأدب المصرى فقد كانت رسالتها التى حصلت بها على الدكتوراه عن "أدب يوسف إدريس"، وترجمت العديد من الروايات المصرية إلى الروسية، منها " أولاد حارتنا" و"المرايا" لنجيب محفوظ، كما صدرت لها دراسة مطولة عن روايات محفوظ التى أعقبت الثلاثية وهى "اللص والكلاب" و"السمان والخريف" و"الطريق" و"الشحاذ" و"ثرثرة فوق النيل" و"ميرامار". كما ترجمت "الحب فى المنفى" لبهاء طاهر وأعمالا أخرى لأدباء مصريين.
ومؤخرا قامت كيربتشنكو بترجمة كتاب رفاعة الطهطاوى الشهير "تخليص الإبريز فى تلخيص باريز" الصادر عام 1834، وقالت فى مقدمتها للكتاب إنه كان "الخطوة المصرية الأولى لانفتاح مصر على أوروبا"، وعاشت د. فاليريا عدة سنوات فى القاهرة زمن جمال عبد الناصر، وساعدتها تلك السنوات على إتقان اللغة العربية وفهم الثقافة المصرية الشعبية والمكتوبة، وبمناسبة مرور مائة عام وعام على مولد أديبنا الكبير نجيب محفوظ كان لـ"اليوم السابع" هذا الحوار مع المستشرقة الكبيرة.
هل التقيت بنجيب محفوظ شخصيا؟ وإذا كان فما هى انطباعاتك عنه؟ وهل لديك صورة شخصية مع نجيب محفوظ؟
التقيت بنجيب محفوظ ثلاث مرات، المرة الأولى كانت فى بداية السبعينيات فى جريدة الأهرام، حيث كان يعمل بعد بلوغه سن المعاش، كنت حينذاك أعتزم ترجمة روايته "أولاد حارتنا" وأردت أن أستوثق منه قبل الترجمة إن كنت قد فهمت مغزى الرواية بشكل صحيح أم لا. وتأكدت من إجابات نجيب محفوظ على أسئلتى أن فهمى للرواية كان صحيحا، أذكر أن نجيب محفوظ كان ودودا ولطيفا خلال لقائنا لكن حجرته كانت مزدحمة بالضيوف فلم يتسنى لنا أن نتحدث طويلا، ثم التقيت بالكاتب الكبير مرة ثانية صباح اليوم التالى على الاحتفال الرسمى فى قصر القبة بمناسبة حصوله على جائزة نوبل. حينذاك اصطحبنى جمال الغيطانى إلى مقهى "على بابا" بميدان التحرير، حيث كان نجيب محفوظ يقضى عادة ساعات الصباح فى قراءة الصحف ومقابلة الأصدقاء. قمت بتهنئة الكاتب العزيز بالجائزة وأهديته هدية صغيرة للذكرى عبارة عن سيماور روسى لصنع الشاى، ثم تحدثنا قليلا عن أحواله ومشاريعه الأدبية وانصرفت بعدها تاركة إياه لمريديه ومعارفه، المرة الثالثة كانت فى نهاية التسعينيات، حين قام المستشرق الأمريكى د. روجر آلين بدعوتى إلى عوامة على النيل كان نجيب محفوظ يستقبل فيها أصدقاءه المقربين. للأسف كان سمع نجيب محفوظ حينذاك قد بدأ يضعف وبالقرب منه كان يجلس أحد المعارف ليكرر عليه بصوت أعلى ما نقوله أو نستفسر عنه. وبالرغم من مرض محفوظ وسنه المتقدمة إلا أنه ترك لدى انطباعا بأنه شغوف بالحديث ولقاء الأصدقاء. ذلك كان نمط حياته الذى حافظ عليه حتى النهاية. فى حينه تأسفت جدا لأنه لم يكن معى كاميرا خاصة بى لألتقط صورة مع ذلك الكاتب والإنسان العظيم.
كيف تقيمين عالم نجيب محفوظ الروائى؟
أعتقد أن العالم الروائى لنجيب محفوظ يجعلنا نضعه باطمئنان كامل فى مصاف كبار كتاب الرواية الواقعية الأوربية الكلاسيكية نهاية القرن 19 ومطلع القرن العشرين، بهذه المناسبة قال محفوظ أكثر من مرة، إن كاتبه المفضل هو ليو تولستوى، لكنه إلى جوار تولستوى كان مطلعا بالطبع على أعمال توماس مان الألمانى، وجولز ورثى البريطانى، سورسى، ورومان بولان وغيرهم بما فى ذلك مارسيل بروست. واستطاع محفوظ أن يؤسس لشكل رواية الأجيال بملحمة مصرية قومية تجسدت فى الثلاثية. هذا بالطبع إلى جانب رواياته الأخرى العظيمة.
هل هناك ترجمات لأعمال محفوظ بالروسية؟ وهل حظيت رواياته باهتمام المثقفين الروس؟
نعم لقد تمت ترجمة العديد من أعمال نجيب محفوظ إلى الروسية. ترجمت له ما لا يقل عن عشر روايات وعشرات القصص القصيرة. وتمت إعادة طبع بعض تلك الأعمال أكثر من مرة بعدد ضخم من النسخ. وطبعت بعض أعماله مرتين وثلاث مرات وأكثر. هذا يعنى أن رواياته وجدت وتجد صدى لدى القارئ الروسى وأنه يجد فى طلبها والاهتمام بها، ويعود ذلك من دون شك إلى أن إبداع نجيب محفوظ ينتسب إلى الأدب الحقيقى الكبير، ومثل ذلك الأدب يواصل حياته فى المستقبل، بالنسبة لى أنا شخصيا قمت بترجمة روايته "أولاد حارتنا"، ثم روايته "المرايا" بالاشتراك مع زميل آخر، وكتبت دراسة مطولة عن رواياته الست التى أعقبت الثلاثية.
ما هى آخر الأعمال التى تترجمينها الآن؟
حاليا أعكف على ترجمة ذخائر الأدب العربى فى القرن 19 من عصر النهضة. ترجمت بالفعل كتاب "تخليص الإبريز" لرفاعة الطهطاوى وصدر باللغة الروسية العام الماضى، وترجمت قبل ذلك بعام "حديث عيسى بن هشام" لمحمد المويلحى وحاليا أقوم بترجمة الكتاب الشهير "الساق على الساق فيما هو الفارياق" لصاحبه أحمد فارس الشدياق. لم أكن أتوقع حقا أن الكتاب سيكون ممتعا ومشوقا إلى هذه الدرجة، لعل السبب فى ذلك أن رواد التنوير الأوائل كانوا يجسدون كل ثراء تقاليد العصور الوسطى، وكل عناصر التجديد فى ذلك العصر فى التحامها بالثقافة الأوروبية، وقد خلق كل ذلك سبيكة لغوية وثقافية متعددة الألوان لا تتكرر.
يعرفك المثقفون المصريون جيدا فى مصر.. هل ستزورين مصر قريبا؟
أتمنى ذلك إذا سمحت لى ظروفى الصحية، فقد تجاوزت الثمانين من العمر. لكن القاهرة تظل بالنسبة لى المدينة التى عشت فيها أجمل سنوات عمرى، وأكون سعيدة دوما عندما يخطر لى أننى قد أعود إلى هناك إذا سمحت الظروف بذلك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة