وحين نتحدث عن الحياة تستوقفنا أيقونات لأشخاص رُسمت أيامهم رمزًا على جدران الأزمان؛ لتصير دليلًا لكل من يرتاد طريق الحياة مسيرة اليوم عمن عرَف كيف يتسلق قمم الحياة فقال: "إن النجاح فى التسلق إلى قمة جبل ما، يكشف للمرء مزيدًا من القمم فى انتظاره ليتسلقها" إنه رمز الحرية والعمل الذى لا يتوقف أمام قيود أو جبال؛ حتى إن الأمم المتحدة قررت فى عام 2009م تسمية يوم عيد ميلاده الـثامن عشر من يوليو بـ"يوم مانديلا العالميى"؛ ليخصص الناس فيه حول العالم 67 دقيقة لأداء عمل بنّاء لمجتمعهم إنه القائد "نيلسون مانديلا".
وُلد "نيلسون مانديلا" فى مجتمع عنصرى، ولٰكنه لم يستسلم بل قرر مواجهة العنصرية مؤمنًا بأن الأمر يبدو دائمًا مستحيلًا حتى تعمل بكل جِد واستمرارية فتحول المستحيل إلى حقيقة بدأ "مانديلا" بتحصين ذاته بالعلم؛ فدرس القانون وعمِل بالمحاماة؛ فقد كان يؤمن بأن التعليم هو أقوى سلاح يمكن استخدامه لتغيير العالم.
كان أول اهتمامات "مانديلا" هو وطنه، فبعد ممارسته مهنة المحاماة كان يمكنه أن يوقف اهتمامه على سعيه لتحقيق ذاته وأحلامه فى الحياة امتدادًا لانتسابه إلى زعيم إحدى قبائل كيب الشرقية إلا أن حلمه اتسع ليحمل داخله لا بلاده وحدها بل الإنسانية كلها؛ فى جهاد طويل لا يتوقف مدركًا وعورة الطريق؛ معبرًا عن ذٰلك فى كلماته: "ليس هناك درب سهل للحرية، وعلى عديد منا أن يسلكوا وادى ظلال الموت مرارًا وتكرارًا قبل أن نصل إلى القمة التى نبتغيها".
انضم "مانديلا" إلى حملة المؤتمر الأفريقى ضد التمييز العنصرى مؤمنًا بالمساواة بين كل البشر ومع ما تعرض له من اتهامات ومحاكمات بالخيانة حتى إنه قضَّى فى السجن مدة طويلة تخطت ربع القرن من الزمان، إلا أن الحُلم لم يفارق حياته وصار "مانديلا" ملهمًا للعالم بأسره حتى استُخدمت صور وجهه رمزًا للحملة العالمية ضد التمييز العنصرى! ومع التحرر من السجون تبدأ رحلة جديدة فى حياة بطل جنوب أفريقيا؛ للدعوة إلى انتخابات حرة يشارك فيها الجميع؛ ليعلن الشعب بعدها رغبته فى قيادة هٰذا الرجل.
لقد أدرك "نيلسون مانديلا" سر القيادة الناجحة حين قال: "ليس أفضل من أن تكون قائدًا يقف فى الخلف وتضع الآخرين فى المقدّمة؛ وبخاصة عندما تحتفل بانتصار ما وعليك أن تكون بالمقدمة فى أوقات الخطر؛ عندها سيقدّر الناس قيادتك إياهم" وهٰكذا فعل؛ فصار مثلًا وقُدوة لقادة العالم قاد بلاده فى مدة رئاسية امتدت من 1994_ 1999؛ اهتم فيها بتغيير كل أنواع العنصرية فى بلاده، وبمحاربة الفقر والجهل والمرض. وقام القائد بتسليم شعلة الطريق لنائبه من بعده للاستمرار فى الدرب، فالهدف لديه لم يكُن المنصب إنما رسالة يبدأ خُطاها ويسلمها للأجيال من بعده.
لقد عمِل "مانديلا" فى مسيرة عمره وهو يحمِل فى قلبه هدفًا آمن به، وعملًا لم يتوقف طوال حياته، ولن يتوقف مع توقف نبضه؛ لأنه يحيا فى قلوب كل من يملك محبة مثل محبته، وعزيمة كعزيمته فمن قال: "لا أحد يُولد يكره الآخر بسبب لون بشرته أو خلفيته أو دينه.. الناس تتعلم الكراهية.. وإن كانوا قد تعلموا الكراهية فمن غير الممكن أن يعلِّموا الحب.. فالحب أقرب إلى الطبيعة الإنسانية من الكره"، ستحيا كلماته نابضة فى كل من أحب الحرية والحياة وعن الحياة سنبحر معًا فى حديث.. وكلمات.
* الأسقف العام ورئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
عظيم ورائع وجميل - بالفعل هذه نماذج لا تموت بفكرها ونضالها ومحبتها للحريه والحياه
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
kamal
God is Love
عدد الردود 0
بواسطة:
المصرى
علاقه الراحل مانديلا بالكنيسه القبطيه
عدد الردود 0
بواسطة:
ramynabih
اسمع كلامي
ياريت متكتبش تاني بطل حب العظمه