أفراد الأمن: تحولنا إلى أداة لجمع التذاكر من الركاب.. ولا نملك القوة لضبط المتهربين من شرائها.. والشرطة تختفى عند المشاجرات
«مترو الأنفاق» أصبح وسيلة تعذيب لنحو 3.5 مليون مواطن يوميا يلجأون إليه يوميا، هربا من الاختناقات المرورية التى لا ترحم بشوارع القاهرة والتى تجعل الكثيرين يهربون من جحيمها إلى جحيم آخر أقل حدة وأخف وطأة، تمامًا كما يفعل المستجير من الرمضاء بالنيران.
مقاطع من عذابات مختلفة طرحتها كل عناصر منظومة مترو الأنفاق من أفراد أمن وأمناء شرطة ومواطنين ومسؤولين وسائقى قطارات، تناولت مشاهد يومية يعيشها أغلب قاطنى القاهرة الكبرى والجيزة وضواحيهما، بالإضافة إلى أعداد تتزايد ولا تقل من ساكنى المحافظات الذين يقصدون القاهرة يوميا.
«اليوم السابع» رصدت تلك المشاهد التى اتسم أغلبها بالعشوائية والتى تتضمن غياب الأمن مرورا بتعطل الماكينات المزمن الذى يبدو أنهم لم يتوصلوا بعد إلى علاج ناجز له وانتهاء بمشاهد يمكن وصفها بالمأساوية على رصيف المحطة وداخل عربات المترو.
الماكينات.. عطلانة
أحمد سيد، أحد أفراد أمن الماكينات، يقول: «الماكينات تحتاج إلى قطع غيار، فلم يتم تغييرها منذ إنشاء المترو فى 1987، كما أن الأحبار غير متوفرة، وكل فترة تزداد أعداد الماكينات المعطلة، ولا نملك أى معلومات عن اتجاه الشركة لإصلاحها».
وأمام برميل كبير وقف مراد كامل، فرد أمن آخر، يجمع التذاكر من الركاب بيده، كامل يقول: «الوضع يصبح عبثيا فى أوقات الذروة، تعليمات الشركة أنى أقف على البوابة أتأكد من أن كل راكب معه تذكرة وأجمعها بدلا من إلقائها على الأرض، والمفترض أنى أستوقف من لا يملك تذكرة لكى يشتريها، لكن كل هذا الكلام غير منطقى، ففى الزحام لا أستطيع اللحاق بكل من لا يملك تذكرة، ولا أستطيع منعهم جميعًا من المرور فى ظل الماكينات المعطلة، فهناك من يجرى، وهناك من يختلق مشاكل معى، وفى هذه الأثناء يكون العشرات قد مروا، هناك من يتبجح فى وجهى ولا أجد من يحمينى لأن مفيش أمن، وأنا غير مصرح لى بحمل أسلحة، أكاد أجزم أن نصف من يركب المترو لا يدفع حق التذكرة».
أحد الركاب استوقفه فرد أمن ليسأله عن تذكرته، فرد قائلاً: «أنا مبشتريش»، فقال له فرد الأمن: «اشترى النهارده»، فكان رد فعله ضرب فرد الأمن بقطعة زجاج فى وجهه ثم هرب مسرعا دون أن يتكمن أحد من اللحاق به، «الخناقات مع الركاب بنشوفها كل يوم، ومحدش بقى بيخاف، خصوصا إن مفيش أمن من ناحية، وفيه سلبية كبيرة من الركاب نفسهم من ناحية تانية».. يقول سمير، أحد أفراد الأمن، مؤكدا أن هناك الكثير من القصص المؤلمة، دفعتهم فى النهاية إلى التغاضى عن المخالفات حماية لأرواحهم، فكما يقول أحدهم «إذا كان أفراد الداخلية اللى معاهم سلاح يدافعوا بيه عن نفسهم غير موجودين، أنا هضيع حياتى عشان جنيه».
ويقول «محمود. م» أحد صرافى التذاكر: «فى كل محطة المفروض يكون هناك أمين شرطة من الداخلية وأمين شرطة من المباحث و4 عساكر أمن، 2 منهم فى الصالة و2 على الأرصفة، وجميعهم المفترض أن يوجدوا فى المحطة، لكن حاليا بات الأمر يقتصر على أمين شرطة و2 عساكر، وأصبح أغلب وجودهم فى غرفة الأمن، أحيانا ننادى عليهم ولا نجدهم، وغالبا فى المشاجرات يختفوا».
«ع. م»، أمين شرطة، يقول: لم يعد أحد يخاف من الأمن، وتدخلى لا يفيد ويصبح الأمر خارجا عن السيطرة، بل أصبح هناك جرأة بدرجة قد تجعل الركاب يعتدون على فرد الأمن نفسه، خصوصا الأعمار من 14 إلى 20 سنة.
«ع. ح»، أحد قوات الأمن داخل المترو، يقول «أفراد الأمن يتعرضون يوميا للعديد من الانتهاكات والتعديات من قبل الباعة دون تدخل من المواطنين الذين أصبحوا سلبيين فيما يخصهم».
مشهد الماكينات الإلكترونية المعطلة بجميع محطات المترو يبقى معبر عن إهدار المال العام، فالماكينات التى تم تركيبها فى عام 2010 وفقا لمشروع تطوير وتحديث الأنظمة الإلكترونية داخل المترو لا تعمل فى أى من المحطات فى مشهد غريب حيث حل محلها البراميل المعززة بفرد أمن.
تصريحات رئيس شركة إدارة وتشغيل المترو تؤكد أن توقف الماكينات بسبب تغيير الشركة المسؤولة عنها، حيث كان التعاقد فى البداية مع شركة فرنسية تولت الخطين الأول والثانى، وبعد تشغيل الخط الثالث تم التعاقد مع شركة إسبانية، ونظرا لاختلاف «السوفت وير» بين الشركتين، توقف المشروع لحين التوفيق بين الشركتين، وهو الأمر الذى لم يحدث حتى الآن!
محطات.. بلا أمن
على مدى رحلة «اليوم السابع» بين 55 محطة، غاب الأمن عن الأرصفة، فلا يوجد سوى ازدحام شديد وشجار دائم بين الجميع، الأسهم المرسومة على الأرض لتشير إلى بوابات الصعود والنزول كادت تختفى، المقاعد مكسورة، والحشرات تظهر بين الحين والآخر على حوائط المحطة تشير إلى انعدام النظافة اليومية.
تأخر القطارات يمثل معاناة أخرى، فزمن التقاطر فى الخط الأول 4 دقائق والثانى 3 دقائق، إلا أنه قد يمتد إلى 7 و8 دقائق، الأمر الذى يزيد من الزحام والتكدس على الأرصفة، فى ظل غياب أمنى تزداد معه حوادث السرقة والتحرش والمشاجرات التى قد تصل إلى استخدام أدوات حادة.
منى ياسين، طالبة بجامعة القاهرة، تقول «أكره الوقت الذى أقضيه فى المترو، فمن عين شمس وحتى الجامعة أستشهد فى كل محطة، فالزحام لا يطاق والهواء داخل العربات هو الناتج عن تنفس الركاب أنفسهم، وطوال الوقت لا تنقطع أصوات الباعة المتجولين والمتسولين».
أمانى كمال، موظفة، تقول: «لا يمر يوم دون أن تحدث مشكلة فى عربة السيدات التى يصر الرجال على الركوب بها، هناك سيدات تتغافلن عن الأمر، لكن هناك أخريات تطالبن بنزول الرجل المخالف، وعند الرفض تحدث مشاجرة كبيرة تضطرنا إلى الوقوف على الأبواب حتى يأتى فرد الأمن».
أمانى توضح أن أفراد الأمن أحيانا يجبرون السيدات على إغلاق الباب دون نزول الرجال كنوع من أنواع «تكبيرالدماغ»، أما صفاء محمود، موظفة، فتقول: «لم نعد نرى الغرامات التى نسمع عنها فى المترو ودلوقتى كل واحد بيجيب حقه بإيده».
«س. ح» ناظر إحدى المحطات، يقول: «إن الأمر بات خطيرا بعد زيادة أعداد المجرمين والمتجاوزين، مؤكدا أن الحل يكمن فى تكثيف تواجد رجال الشرطة بالمحطات، فالأعداد الموجودة حاليا لا تكفى لكثرة الضغوط عليهم ما بين بائعين متجولين ومتسولين، وهو ما يؤدى إلى الاعتداء عليهم شخصيا، خصوصا أن هناك بعض الأهالى تتعاطف مع الخارجين عن القانون».
القطارات.. متأخرة
أما عن حالة القطارات نفسها، فحدث ولا حرج، إنارة متهالكة، نظام تهوية لا يعمل، إعلانات تغطى الزجاج، مخلفات أسفل المقاعد وركن العربات.
طارق الكباش، سائق بالخط الأول، يقول: «طاقة مترو الأنفاق 96 قطارا، ومن المفترض أن فترة التقاطر محددة، لكن المشاكل التى أقابلها فى طريقى تدفعنى إلى التأخر، وهو ما يتأذى منه الراكب، لكن ما باليد حيلة، خصوصا مع عدم تعاون الأمن معى». ويضيف: «أحيانا أجد القطار يقف فجأة، فيكون أحد قد قام بتعطيله من زرار الطوارئ، فقد يكونون صبية فى عربة خالية ولا نستطيع الوصول إليهم، فضلا على تحطم الزجاج، فإذا كان إهمال الشركة للصيانة تتحمله بدرجة %50 فإن سوء استخدام الركاب للمترو يتحمله %50 أخرى».
الكباش يوضح أن توالى تعطيل الركاب للأبواب بأيديهم يجعل البوابة تخرج عن مجرى السير وبالتالى تتعطل ونضطر إلى انتظار الفنى لإصلاحها وهو ما يزيد من تأخر القطارات، ويضيف: «أغلب الوقت أصبحت أتغافل عن هذه المخالفات وأسير حتى لو الأبواب مفتوحة، مضطرا حتى لا يزيد تأخيرى على المحطة التالية، لدرجة أنى فى أوقات المظاهرات إذا وجدت مؤيدى مرسى أرفع لهم إشارة رابعة، وإذا وجدت مؤيدى السيسى أرفع لهم علامة النصر، وفى النهاية أنا أحمى نفسى.
مترو الأنفاق.. أمن غائب.. وماكينات معطلة.. وتكدس على أرصفة المحطات.. وأسواق عشوائية تغلق الطريق
الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013 03:45 م
محطه المترو
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة