"جدع يا باشا جبتها فى عينه".. جملة لن ينساها أى ممن شارك فى أحداث شارع محمد محمود، والتى راح ضحيتها 50 شهيدا وفقا لجبهة الدفاع عن المتظاهرين، بينما أعلن مركز النديم عن 90 شهيدا وما يقرب من 1700 مصاب، ظهر فيها تعمد إحداث عاهة مستديمة عن طريق التصويب فى الرأس أو فقء العيون، دماء روت الشارع فى ثانى مواجهة بين المتظاهرين وقوات الشرطة على مدار 5 أيام متواصلة.
إصابات ووفيات جراء الاختناق بقنابل الغاز أو بلى الخرطوش أو الرصاص الحى، جميعها ذهبت هباء عقب عامين من اندلاع الأحداث، لا تختلف فى نتيجتها عن المحاكمات الوهمية فى باقى قضايا شهداء ومصابى الثورة، لكن الجديد فى قضية محمد محمود الأولى، أن المحاضر التى جرى التحقيق فيها أمام المحكمة اتهمت وأدانت المتظاهرين الذين تم اعتقالهم خلال الأحداث بتهم إتلاف الممتلكات العامة والهجوم على قوات الأمن والقوات المسلحة والتى حوكم فيها 377 من المعتقلين على مدار عام ونصف، حتى أصدر مرسى قرارا بالعفو عن كافة المعتقلين، الأمر الذى أغلق القضية بشكل تام، لدرجة أن الأدلة التى اعتمدت عليها النيابة فى المحاكمات سواء طلقات الخرطوش أو الفيديوهات والتى قدمها المتظاهرون لإدانة قوات الأمن، اكتشفوا فيما بعد أنها تم استخدامها لإدانة رفقائهم.
"قرار مرسى لم يكن سوى إنقاذ للنظام من الفضيحة وليس من أجل حقوق هؤلاء، لأننا لم نكن ننتظر من مرسى عفوا عن المتظاهرين وإنما إعادة المحاكمات وفتح التحقيق من جديد، حتى الإعلان الدستورى الذى أصدره عقب أحداث محمد محمود الثانية، كانت تختص بالمصابين والشهداء أيام مبارك، وبالتالى خرج منها أحداث محمد محمود"، يقول ياسر أحمد، أحد أعضاء هيئة الدفاع عن المتظاهرين المتهمين فى القضية.
وتأتى جرائم الاعتداء على المستشفى الميدانى، وفقا لـــ دكتورة منى مينا، رئيس جمعية أطباء بلا حقوق وعضو نفابة الأطباء، فى المرتبة الثانية تجاه المتظاهرين فى أحداث محمد محمود، قائلة "استهداف للمستشفيات واقتحامها المستشفى والاعتداء على أعضاء من الفريق الطبى أثناء إنقاذهم للمصابين فى الأحداث كان يتم بشكل متعمد، ولم يقدم أى شخص للمحاسبة على ذلك، رغم أن الاعتداء على المستشفى الميدانى تحديدا فى الاشتباكات يدخل فى بند جرائم الحرب"، مضيفة "الإرادة الثورية لم تحكم بعد لكى تبدأ فى إجراء محاكمات حقيقية، وهذه الجرائم لن تسقط بالتقادم، ولن ننساها حتى لو طمسوا كل الأدلة فقد شاهدنا الأحداث بأعيننا، وحساب الثورة لسه مجاش".
وبعد عامين من أحداث محمد محمود، نجد أن التعامل مع المتظاهرين لم يتغير، فالعنف تجاه المظاهرات لم يختف.
محمد محمود.. وصمة العار على جبين الإسلاميين..
الإخوان لعبوا على الحبلين.. أطلقوا بيانات تدين الضرب وأصدروا قرارا لأعضائهم بعدم الاشتراك للانشغال فى الانتخابات.. وأطلقوا ألسنة قياداتهم للهجوم على المتواجدين فى التحرير.
ومرسى عقب وصوله للسلطة أصدر إعلانا دستوريا لإعادة محاكمات المتهمين فى نظام مبارك وتناسى أحداث ماسبيرو ومحمد محمود والداخلية وبورسعيد.
ولا ينسى المتظاهرون فى أحداث محمد محمود الموقف المتخاذل التى اتخذته جماعة الإخوان المسلمين أو التيار السلفى وقياداتهم تجاه الاشتباكات بينهم وبين قوات الأمن، فمع إعلان التيارين عدم النزول إلى الميدان والانشغال بالاستعداد لانتخابات مجلس الشعب، والتى وقعت الاشتباكات قبلها بأسبوع واحد، اكتفى كل منهما بإصدار البيانات المنددة بالاعتداء على المتظاهرين، إلا أن الأبرز فى صياغة البيانات كان التأكيد على استمرار إقامة الانتخابات فى موعدها مهما كانت الأحداث.
"قول يا حازم يا صلاح ليه بتخرب الكفاح" هكذا رج الهتاف أركان الميدان يوم 18 نوفمبر جمعة المطلب الواحد، التى شاركت فيها الفصائل السياسية ضد وثيقة دكتور على السلمى، هتف المتظاهرون ضد حازم عقب تراجعه عن الاعتصام الذى دعا إليه من الأساس ووافقت عليه الفصائل السياسية كنوع من الضغط على المجلس العسكرى بتسليم السلطة فى موعد أقصاه أبريل 2012، "حينما وصل حازم إلى الميدان مساء أخبرنا بالانتظار لتحديد موقفه من الاعتصام، أمر بث الاستغراب فينا لأنه كان من الداعين أساسا إليه، وعاد فى الواحدة مساء للمطالبة بالرحيل من الميدان وأرجاء الاعتصام ما بعد الانتخابات البرلمانية" يقول هشام فؤاد الشال، المنسق العام لحركة ثورة الغضب المصرية الثانية فى شهادته التى نشرها على الفيس بوك.
انسحاب حازم ومؤيديه فضلا عن خروج الإخوان من الميدان عقب انتهاء فعاليات الجمعة، جعل العدد الموجود قليلا جدا انضم إلى اعتصام المصابين وأهالى الشهداء والموجودين منذ أسبوع للمطالبة بحقوقهم، وهو ما جعل المتظاهرين فيما بعد يتهمون أبو إسماعيل وأتباعه بالخيانة وتركهم وحدهم فى الميدان.
أما على صعيد جماعة الإخوان المسلمين فلم يختلف معها الاتهامات، فمن خلال 3 بيانات أصدرتها الجماعة منذ بداية الأحداث لم تكن تتراجع فيها عن التأكيد على استمرار العملية الانتخابية وربط أى تأخير فيها بالتسبب فى "إفساد للديمقراطية والحرية"، ملزمة كافة أعضائها بالالتزام فى مواقعهم الانتخابية لاستكمال الحملات الدعائية وعدم النزول إلى الميادين، بل دست فى بياناتها خطابا ناعما للمجلس العسكرى بقيادة المشير طنطاوى تعتبره أمينا على السلطة واجبه تسليمها، وعدم الاستغناء عن استكمال الانتخابات وهو الأمر الذى كان يخالف موقف الثوار فى الميادين.
الفوضى والفساد الديمقراطية هى المبرر الذى اعتمد عليه الإخوان فى بيانهم الثالث والذى ظهر فى كافة تصريحات قياداتهم والتى لم تخل من اتهام الثوار بالبلطجة وتلقى الأموال للاستمرار فى المواجهات وإتلاف المنشآت العامة، وهو الخطاب الذى لم يكن يوجه بشكل أساسى للمتظاهرين فى الميدان بقدر ما كان يركز عليه من الوصول إلى أفراد الشعب المصرى لحشده على الانتخابات لإنهاء هذه "الفوضى"، فيوجه بيانهم الأول رسالة الجماعة إلى الشعب بالتمسك بحقه فى التصويت، وعدم الانشغال بالأحداث التى اعتبرها "تحريضا لوقف الانتخابات"، أعلن بعدها الدكتور محمد بديع المرشد العام للجماعة أن ما يحدث "محاولة من البعض للتأثير على العرس".
ويصرح المهندس خيرت الشاطر، النائب الأول للمرشد العام للجماعة، لجريدة اللوموند الفرنسية، إن المتظاهرين الموجودين بميدان التحرير "يسعون للفوضى، ويجب التصدى لأى محاولة لعرقلة المسار الديمقراطى وتأجيل الانتخابات البرلمانية"، بل علق طارق الدسوقى، القيادى بحزب الحرية والعدالة وقتها فى أحد مؤتمراته الانتخابية بالدقهلية، أن الأفعال هى للثورة المضادة ضد الوطن، نفس الأمر قاله محمود غزلان المتحدث السابق باسم الجماعة بأن الأحداث تهدف لقطع الطريق أمام الشعب لعدم وصوله إلى الحرية والعدالة، بل وصلت لأن يصرح أحمد أبو بركة، أحد قيادات الجماعة بأن أعضاءها مستعدون للمشاركة فى فض الاعتصام، لدرجة أن أيا من أعضاء الجماعة لم يوقف حملته الانتخابية حزنا على الاشتباكات كما حدث مع مرشحين آخرين.
العبارات التى أطلقها أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة تعددت، سارت جميعا فى اتجاه التشكيك فى الأحداث وأن الخروج الوحيد هو الذهاب إلى الانتخابات والتصويت وهو ما نجح فيه بالفعل الخطاب الإخوانى فى الحصول على 55% من الأصوات بينما حصل حزب النور السلفى 25% من الأصوات، وهو الذى لم يختلف موقفه من الأحداث عن سابقيه، لينشر على صفحته بمجرد بدء الأحداث بيان ليدعو جميع أعضائه والمواطنين بعدم التواجد فى ميدان التحرير ولا فى الميادين العامة مبررا ذلك بــ"منع سفك الدماء وحفظاً للحرمات العامة والخاصة ومراعاة لمصالح البلاد العليا".
مجلس الشعب المنحل لم يأت بجديد فى قضية القصاص للشهداء أو حقوق المصابين، فقد انشغل المجلس بأغلبيته الإسلامية فى جلسته الأولى بتوجيه خطاب شكر إلى المجلس العسكرى، بل إن الجلسة التى حضر فيها وزير الداخلية فى المجلس خرج بعدها جملة الكتاتنى الشهيرة "وزير الداخلية قالى إن اللى فى محمد محمود بلطجية"، وتكاسل المجلس فى النقاش حول قانون إعادة هيكلة الداخلية والتى لم تصل إلى جلساته إلا بعد 4 شهور من بدئه.
وفى ذكرى محمد محمود، كان موقف التيار الإسلامى أكثر تخاذلا، فكان وقتها قد وصل محمد مرسى إلى رئاسة الجمهورية، وبدلا من أن يفى بوعوده التى أطلقها قبل الانتخابات بإعادة المحاكمات، ظل أعضاء الإخوان والتيار الإسلامى يسعون فى الدفاع عنه والتشكيك فى منتقديه، حتى جاءت الذكرى والتى اندلعت فيه اشتباكات جديدة، رد عليها مرسى بإعلان دستورى خصص فيه إعادة المحاكمات بالنظام السابق، الأمر الذى أشعل الميدان بعد شعورهم بتخلى الإخوان عنهم عقب الوصول إلى السلطة، وهجومهم ضد مرسى.
ردود أفعال التيار الإسلامى لم تختلف، فمع نزول المتظاهرين لإحياء ذكرى محمد محمود خرج قيادات التيار الإسلامى للهجوم على المتظاهرين، فالدكتور طارق السهرى، وكيل مجلس الشورى عن حزب النور، اعتبر أن المتواجدين فى الميدان " قلة لا تعبر عن الشعب المصرى ويهدفون إلى هدم مؤسسات الدولة، وإن وراءهم السياسيين الذين لم يحالفهم الحظ، فى الانتخابات"، نفس ما قاله عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط، بل وصفه محمد البلتاجى، القيادى فى حزب الحرية والعدالة، بأن ما يحدث فى شارع محمد محمود هو دفع المجتمع لفوضى، وليس لها علاقة بالثورة أو السياسة.
وقتها طالب كارم رضوان عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة الشرطة بأن تتعامل الدولة بشدة مع كل من يحاول اقتحام المؤسسات العامة والخاصة، ووصفهم بالمأجورين، وجاء بيان الجماعة الإسلامية، ليعتبر المظاهرات "محاولة لإجهاض الثورة والعودة بالبلاد إلى نقطة الصفر"، مطالبين المتواجدين فى محمد محمود بالانسحاب، وأن المكملين سيكونون هم من يريدون جر البلاد للفوضى.
المجلس العسكرى: أقال وزارة شرف واعتذر على دماء الشهداء.. وبنى مستشفى ميدانيا..
خطاب مرتعش، وردود أفعال متأخرة، واجه بها المجلس العسكرى أحداث محمد محمود الدامية، الذى كان يدير شؤون البلاد وقتها، وكان ظهور ممثليه فى المشهد، بنية محاولة تهدئة الجماهير، كفيل بزيادة الغضب والاحتقان، وتزايد المطالبات بتنحى المؤسسة العسكرية عن الفترة الانتقالية، وتسليم حكم البلاد لمجلس رئاسى مدنى.
ففى الــ20 من نوفمبر، وبعد يوم من بدء الأحداث الدامية، فى محاولة اقتحام الشرطة لميدان التحرير وفض اعتصام أسر الشهداء والمصابين، تناقلت وسائل الإعلام صور لعدد من الأفراد وهم يسحبون جثة أحد المتظاهرين ويلقونها إلى قرب تجمع للقمامة بأحد الشوارع القريبة من ميدان التحرير.
وبدلا من سعى المجلس العسكرى لتهدئة الشباب الثورى الغاضب، التزم الصمت، فى حين أصدر مجلس الوزراء بياناً أكد فيه على حق المواطنين فى التظاهر السلمى والتعبير عن الرأى، إلا أنه يرفض بشدة محاولات استغلال هذه التظاهرات لزعزعة الأمن والاستقرار وإثارة الفرقة، فى وقت تحتاج فيه مصر إلى الوحدة والاستقرار، كما شدد البيان على دعم الحكومة لوزارة الداخلية ومساندتها فى مواجهة أعمال العنف، وتوجيه الشكر لضباط وجنود الشرطة على تحليهم بأقصى درجات ضبط النفس.
فى اليوم التالى، بعد تزايد أعداد المحتجين بالميدان، فضلا عن تزايد أعداد الضحايا، واشتعال الاشتباكات، ألقى المشير محمد طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة كلمة، أوضح خلالها أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرر قبول استقالة حكومة شرف مع تكليفها بتسيير الأعمال لحين اختيار تشكيل وزارى جديد، وأن المجلس على وعده بعدم إطلاق النار على الشعب المصرى، والتزام بما جاء فى الاستفتاء الشعبى فى 19 مارس 2011، وأكد على التزام المجلس بإجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة فى موعدها، والتزام المجلس بإجراء الانتخابات الرئاسية قبل شهر يونيو 2012، مضيفا أن القوات المسلحة لا ترغب فى الحكم وأنها على استعداد لتسليم السلطة فوراً إذا وافق الشعب المصرى على ذلك فى استفتاء شعبى.
وهكذا تمت الإطاحة بحكومة الدكتور عصام شرف، الذى استقبل قبل ذلك ببضعة أشهر بحفاوة بالغة داخل ميدان التحرير، وقد قابلت حشود المتظاهرين فى ميدان التحرير كلمة المشير طنطاوى بغضب شديد، وبدأ المتظاهرون فى الهتاف ضد المشير.
فى الـ24 من نوفمبر، وبعد اندلاع شرارة أحداث محمد محمود بأربعة أيام، قامت قوات الجيش بإقامة حواجز خرسانية فى شارع محمد محمود، للفصل بين وزارة الداخلية والمتظاهرين لمنع وقوع الاشتباكات، كما أصدر المجلس العسكرى بيانا يعتذر فيه عن الأحداث، ويعزى أسر الضحايا، ويعلن إقامة مستشفى ميدانى، فى خطوة جاءت متأخرة، كعادة أصحاب السلطة فى مصر، حيث كانت الاشتباكات قد أوشكت على الانتهاء بالفعل، بينما فارقت أروح عشرات الشهداء الميدان، بعد عجز الإمكانيات المحدودة للمستشفيات الميدانى عن إسعاف أجسادهم الشابة.
ورغم تقديم عشرات البلاغات فإن أيا من تلك البلاغات لم يصل إلى القضاء، ذلك فى الوقت الذى أنهى فيه المشير طنطاوى خدمته بالحصول على قلادة النيل، من الرئيس المعزول محمد مرسى، ذلك فى حين تتناقل أنباء عن نية الفريق سامى عنان فى الترشح على منصب الرئيس خلال الانتخابات المقبلة.
متظاهرو التحرير يطالبون بمحاكمات حقيقية لقتلة الثوار.. التحقيقات قدمت المتظاهرين بتهم الاعتداء على الأمن.. والمعزول تراجع عن وعده بإعادة المحاكمات.. ومحامى المتظاهرين: نريد القصاص
الثلاثاء، 19 نوفمبر 2013 08:38 م
أحداث محمد محمود
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمدابوعادل
شيل يامرسي