منذ 3 يوليو 2013 تراجع إلى الوراء قليلاً سؤال «مصر إلى أين؟» الذى راح يطارد الجميع، شعبًا ووطنًا، فى السنوات العشر الأخيرة من حكم الرئيس المخلوع حسنى مبارك.
والسؤال فى ذاته لم يكن من الأسئلة التى تبحث - بحرية- عن إجابات، بقدر ما كان فاضحًا لغموض مريب فى الأجواء، وكاشفًا عن قلق كامن فى النفوس.
والحاصل أن السؤال بما يحمله من ظلال قاتمة، ظل معلقًا فى الرقاب، إلى أن «استقرت» السلطة بين يدى «الإخوان» فى 30 يونيو 2012، فإذا بالغموض يتكشف والقلق يتفجر، والسؤال الحائر يجد إجابته المرعبة، حيث كل إشارات الطريق تقول بوضوح لا لبس فيه أن «الجماعة» قبل الدولة وفوقها، وأن هذه الأخيرة «الدولة» قد باتت فى مرمى سهام التفكيك والتحلل.
كانت شواهد حكم «الإخوان» مثيرة للقلق، وكان القلق باعثًا للخوف مثلما كان - من ناحية - حافزًا لتجديد شباب ثورة لم تزل تبحث عن تحقيق شعاراتها الضائعة «عدالة اجتماعية حرية كرامة إنسانية»، ثم ما لبث أن أصبح - على الجانب الآخر- عاملًا مُجمعًا لقوى اجتماعية وسياسية بدت فى لحظة تاريخية فارقة، مطلع 2011، أنها متنافرة إلى درجة التناقض، لكنها تلاقت مرة أخرى - بضغط السؤال الكاشف وضروراته- فى مواجهة سلطة نقلت الصراع المجتمعى من خانة «حرية - استبداد» إلى خانة «دولة - لا دولة».
وفى قراءة تداعيات المشهد منذ وصول الإخوان إلى السلطة فى 30 يونيو 2012، حتى سقوطهم المدوى بعد ذلك بعام واحد، يتبدى أمامنا بوضوح أربع حقائق، أولها أن سلطة الإخوان قد منحت بقايا «دولة مبارك» قبلة الحياة، عندما انتقلت بالوطن والشعب من حال سىء «قبل 25 يناير 2011» إلى حال أسوأ بعده، وثانيها أنها قادت إلى تجديد شباب الثورة المغدورة وضخ دماء جديد فى شرايينها، وثالث هذه الحقائق أن سلطة الإخوان قد سقطت، لكن دورهم لم يزل باقيا، فى تجلياته الإرهابية، وإن بدا أنها فى تراجع وانحسار، وفى بقائهم داخل المشهد منذ إعلان خريطة الطريق، وحتى تشكيل لجنة الخمسين لتعديل دستور 2012، حيث «الإخوان» ليسوا مجرد «جماعة» بقدر ما هم عنوان عريض جامع يضم «التيارات الإسلامية» وفيها حزب النور، وبقايا إخوانية تجمعت منذ وقت مبكر وراء عضو مكتب الإرشاد السابق الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، حتى وإن انتحت - مؤقتا - ركنا بعيدا فى زاوية المشهد، ثم أضف إلى كل ذلك أن «تعديل» الدستور فى ذاته يؤكد أن التيارات الإسلامية لم تزل، وربما ستبقى، حاضرة بآثارها ومخلفاتها فى قلب المشهد، والحقيقة الرابعة أنها فتحت الأبواب لإعادة الاعتبار إلى المؤسسة العسكرية، التى تقدمت بشجاعة لتنفيذ أمر الشعب «إسقاط حكم المرشد»، فيما بدا وكأنه تطهير لثيابها مما علق بها خلال الفترة الانتقالية الأولى «بعد سقوط مبارك».
من هنا نبدأ، ومن هنا تتبدى المسارات، وتلوح النهايات.
لقد كانت معركة حماية الدولة من مخاطر الانهيار وانتزاعها من بين براثن التيارات الإسلامية هى نقطة «اللقاء القسرى» بين ثوار يناير وبقايا نظام مبارك، ولم يكن بوسع أى من النقيضين أن يستبعد الآخر من ساحة المعركة مثلما لم يكن بوسعه أن ينأى بنفسه عنها.
والحاصل أن «سقوط حكم المرشد» بتعبيرات الشارع البليغة، كان أقرب ما يكون إلى إعلان نهاية لمعركة الإنقاذ من سطوة التيارات الإسلامية، وكان أيضًا بداية لفض الاشتباك بين نقيضين سرعان ما سوف يعودان من جديد إلى مواقعهما الأولى، غريمين متصارعين، يتطلع أحدهما إلى الأمام باحثًا عن مستقبل يليق بثورة وشهداء وشعب، وينظر الآخر إلى الوراء محاولا إعادة سلطة سقطت وسطوة ضاعت، وفى الصراع، تتبدى نقاط الضعف وتتألق نقاط القوة.
وفى المقابل تقف ثورة يناير المستمرة لأكثر من ثلاثين شهرا، تعانى هزالا بينا رغم تجديد شبابها فى 30 يونيو، فلا هى استطاعت أن تقطف ثمارا، ولا هى نجحت فى تأطير صفوفها ضمن كيان يجسد تطلعات الملايين الثائرة، ويعكس مطالبها فى برنامج يحظى بالتفاف جماهيرى يمتد، وجودا وتأثيرا، إلى حيث يوجد أصحاب المصلحة فيها. وكذلك بقيت الثورة حاضرة فى المدن والمناطق الحضرية، غائبة عن أرياف ونجوع ومناطق نائية، الثورة موجودة فى الشارع لكن لا أحد يعرف أين هم الثوار. وبقى الرهان على وعى الشعب وتطلعاته، وعلى حشود الشوارع وقوتها، بديلا لتنظيم قوى ونفوذ مؤثر يضمن للثورة مكانا تستحقه وحدها فى معادلات الصراع حول الثورة والثروة، لكنها عجزت عن أن تملأ فراغا يبحث عمن يشغله.
وفى امتدادات الصراع حول «مصير وطن» يبقى للتيارات الإسلامية دور وتأثير ليس من الحكمة فى شىء إنكاره أو تجاهله، بنفوذ مازال حاضرا فى زوايا البلاد وأركانها، وحيث تعيش الكتلة البشرية الأكثر فى ظلام أمية الدينية دخلت فى تحالف غير مقدس مع الفقر والمرض، وقد كان لهذه التيارات دائما حضور ودور، ولعله لم يزل باقيا قائما.
وفى مواجهة بقايا «دولة مبارك» من جانب، و«فلول الإسلاميين» من جانب آخر، يبدو لى أن الرهان على قدرة ووعى الشعب، حتى وإن تراجع تأثيره وانحسر هنا أو هناك، أجدى وأفضل بما لا يقاس من البحث عن قانون انتخابى تفصيل، يعزل هذا ويستبعد ذاك، ويعيدنا إلى زمن «ترزية القوانين»، خسارة جولة انتخابية أفضل كثيرا من انتهاك الديمقراطية وخسارة الوطن.
وفى المشهد الراهن تحتل القوات المسلحة مكانة بارزة، وقد حظى قائدها العام الفريق أول عبدالفتاح السيسى بشعبية جارفة، وضعته فى خانة زعماء تاريخيين مثل سعد زغلول، ومصطفى النحاس، وجمال عبدالناصر، وتطلبه رئيسا، لكن البادى حتى الآن، أن «القائد العام» ليس طامحا إلى سلطة، وأنه يرى فى مسؤولية إنقاذ الوطن من الانهيار شرفا لا يدانيه شرف آخر، ودور تتراجع أمامه وتصغُر كل الأدوار، والقوات المسلحة تؤدى دورها الوطنى دون السقوط فى ألاعيب السياسة ومناوراتها. ولئن صح هذا الموقف واستمر «والمؤشرات الراهنة توحى بذلك»، فربما نجد أنفسنا أمام إعادة سيناريو السلطة المزدوجة، اللقب فى مكان «قصر الرئاسة» والقوة فى مكان آخر «وزارة الدفاع»، وإن لم يصح فربما انفتحت الأبواب مجددا أما سلطة القوات المسلحة، وعودة حكم العسكريين، وعندى فإن هذا الوضع ليس مثيرا للقلق، إذا ما تضمن الدستور قواعد صارمة لممارسة السلطة ومحاسبة المسؤول، فضلا عن ضمان تداول السلطة، وإنهاء عصر الرئيس الأبدى، وهذه معركة أخرى، غير منفصلة عن مجمل معارك الوطن، تدور رحاها حول ما سيكون وما لا يجب أن يكون بين دفتى الدستور.
هانى عياد يكتب: خارطة المستقبل فى مواجهة «فلول مبارك» و«فلول الإخوان».. تنظيمات ثورتى يناير و30 يونيو تعانى من غياب القدرة على العمل الجماهيرى.. وسلطة الإخوان منحت بقايا الحزب الوطنى قبلة الحياة
الأربعاء، 02 أكتوبر 2013 04:40 ص
ميدان التحرير - أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة