فى تسعينيات القرن الماضى عانى المجمع الصناعى العسكرى الروسى من أزمة صعبة للغاية، كادت تفكك أوصاله على خلفية سياسات الرئيس الأسبق بوريس يلتسين، الذى تبنى "الليبرالية الجديدة" منهجا، وخضع بصورة كبيرة للمنظمات المالية الدولية وللدول الغربية وعلى رأسها أمريكا.
ففى تلك السنوات العجاف انخفض بشكل مريع تمويل مجمع الصناعات العسكرية الروسية، وتراجعت الاستثمارات الحكومية، وتسربت العمالة الماهرة منه، وفقدت روسيا الأسواق التقليدية الموروثة من العهد السوفيتى. الأمر الذى أثر سلبا وبشكل كبير على صادرات السلاح الروسى، التى تراجعت من 3.48 مليار دولار فى 1993 إلى 1.55 مليار دولار فى 1994. وارتفعت بعد ذلك إلى نحو مليارى دولار فى 1998، بفضل المشتريات الصينية من الأسلحة الروسية.
ومع وصوله إلى سدة الحكم فى روسيا، وضع فلاديمير بوتين المجمع الصناعى العسكرى تحت إشرافه المباشر، وأخضعه بشكل شبه تام لاحتكار الدولة عبر سياسة ترى ضرورة توسيع مبيعات السلاح الروسى جغرافيا، لما لذلك من أهمية كبرى للمصالح الاستراتيجية الروسية.
وأسفرت هذه السياسة عن نتائج ملموسة تجلت فى بلوغ صادرات روسيا من الأسلحة فى عام 2012 نحو 15 مليار دولار، أى أنها ارتفعت بحوالى عشر مرات عن مستواها الأدنى فى عام 1994. كما ارتفعت بنفس النسبة تقريبا الحجوزات الخارجية المتوقعة لشراء الأسلحة الروسية، والتى تقدر قيمتها حاليا بـ(46 مليار دولار)، بالإضافة إلى ذلك، توسعت خلال هذه الفترة جغرافية المبيعات العسكرية الروسية، حيث انضمت دول جديدة إلى قائمة زبائن السلاح الروسى، وعادت دول أخرى لشراء الأسلحة الروسية بعد انقطاع طويل.
وتبيع روسيا حاليا الأسلحة والذخائر والمعدات والتقنيات العسكرية لنحو 65 دولة من دول العالم. وتحتل الهند المرتبة الأولى فى قائمة زبائن السلاح الروسى، حيث تشكل الصادرات إلى الهند حوالى 25% من إجمالى الصادرات العسكرية الروسية. وربما تزيد هذه الحصة مستقبلا بعد الصفقة، التى أشرف عليها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين شخصيا أثناء زيارته للهند نهاية العام الماضى. وتقدر هذه الصفقة بنحو 2.9 مليار دولار منها 1.3 مليار دولار لشراء مروحيات عسكرية من طراز (مى 17 بــى- 5)، و1.6 مليار دولار لشراء الهند ما يلزمها من معدات ومواد تكميلية لتجميع 42 مقاتلة روسية من نوع "سوخوى 30" بترخيص من روسيا. فى نفس الوقت يلاحظ أن الأسلحة الروسية تواجه منافسة قوية فى السوق الهندية من قبل أمريكا وإسرائيل.
ومن البيانات الروسية، يتضح أن الجزائر تحتل المرتبة الثانية فى قائمة مستوردى السلاح الروسى، حيث يذهب إليها حوالى 15% من إجمالى ما تصدره روسيا إلى الدول الأجنبية من أسلحة. كما تواصل روسيا جهودها لتثبيت أقدامها فى أسواق أمريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا، حيث باعت كميات لا يستهان بها من المنتجات العسكرية لكل من فنزويلا وفيتنام.
وبنظرة عامة نلاحظ أنه خلال الفترة الممتدة بين عامى 1992 و2009، اشترت الصين من روسيا أسلحة بمبلغ 28.15 مليار دولار، والهند ب(18.81 مليار)، والجزائر 4.7 مليار، وإيران 3.38 مليار، وفنزويلا 2 مليار، وماليزيا 1.97 مليار، وفيتنام 1.88 مليار، الإمارات 1.14 مليار، واليمن 1.12 مليار، والمجر 1.11 مليار، واليونان 1.06 مليار، وكازاخستان 850 مليون دولا. ومن الملاحظ أن مشتريات بعض هذه الدول من السلاح الروسى زادت أيضا خلال الفترة بين عامى 2009 و2012، حيث بلغت قيمة عقود فنزويلا أكثر من 4 مليارات دولار، وارتفعت قيمة عقود الجزائر إلى 7 مليارات دولار.
وفى غالب الظن، ستحتل الهند وفنزويلا وفيتنام خلال الأعوام الأربعة القادمة المراكز الأولى ضمن الدول المستوردة للأسلحة والعتاد العسكرى الروسى. فحسب معطيات المركز الروسى لتحليل تجارة السلاح العالمية، بلغت قيمة صادرات السلاح الروسى خلال الفترة الممتدة من 2008 وحتى 2011 نحو 29.8 مليار دولار حيث احتلت الهند المركز الأول فيها بمبلغ 8.2 مليار دولار، والجزائر جاءت فى المركز الثانى بـ(4.7 مليار دولار)، وكانت الصين فى المركز الثالث بـ(3.5 مليار دولار). ووصلت حصة الدول الثلاث المذكور فى إجمالى مبيعات السلاح الروسى 55.5%.
وتشير التقديرات الروسية أيضا إلى أن الهند ستظل تحتل المرتبة الأولى فى صادرات السلاح الروسى خلال الفترة الممتدة من 2012 وحتى 2015 بمبلغ قدره 14.3 مليار دولار، وستحل فنزويلا مكان الجزائر فى المرتبة الثانية بمبلغ 3.2 مليار دولار، وستأتى فيتنام فى المرتبة الثالثة بدلا من الصين بمبلغ يقترب من مبلغ فنزويلا (3.2 مليار دولار). وستصل حصة هذه الدول الثلاث إلى 62.43% من القيمة الإجمالية لصادرات السلاح الروسى فى الفترة بين عامى 2012 و2015، والتى تقدر بنحو 32.5 مليار دولار.
وبالنسبة للصين التى احتلت فى تسعينيات القرن الماضى المرتبة الأولى فى صادرات السلاح الروسى، حيث كانت تشترى نحو نصف هذه الصادرات، فإنها ستحتل المرتبة الرابعة خلال السنوات القادمة بمبلغ 2.8 مليار دولار. وستأتى سوريا فى المرتبة الخامسة بمبلغ 1.6 مليار دولار (فى حال عدم سقوط النظام).
ويشير المركز الروسى لتحليل تجارة السلاح العالمية إلى أن سوريا ستحتل المرتبة الخامسة فى صادرات السلاح الروسى فى حال تم تنفيذ العقود الموقعة معها، وهو ما قد لا يتحقق بسبب الأزمة السورية الحالية.
وتحتل مبيعات الطائرات الحربية بمختلف أنواعها المرتبة الأولى بين صادرات السلاح الروسى، وتأتى الأسلحة البحرية فى المرتبة الثانية، يليها فى المرتبة الثالثة أسلحة القوات البرية، وفى الرابعة وسائط الدفاع الجوى.وبالرغم من كل هذه التطورات الإيجابية، التى حققها المجمع الصناعى العسكرى الروسى فى عهد فلاديمير بوتين، إلا أن روسيا تحتل حاليا المرتبة الثانية فى قائمة الدول المصدرة للسلاح، أما المرتبة الأولى فتحتلها، كالعادة، أمريكا وبفارق كبير عن روسيا، حيث قدرت المبيعات الأمريكية من السلاح للعالم الخارجى فى عام 2012 بنحو 25,5 مليار دولار.
انتعاش صادرات الأسلحة الروسية بعد كبوة تسعينيات القرن العشرين
الإثنين، 14 أكتوبر 2013 08:50 ص
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة