أخطر 5 ساعات بمكتب المخابرات السودانية فى «بورسودان» ..وتفاصيل احتجاز صحفى بـ«اليوم السابع» بعد محاولة لقاء نجل مهرب أسلحة إلى غزة
السبت، 12 يناير 2013 03:25 م
صورة أرشيفية
وجدى الكومى - بورسودان - الخرطوم
نقلاً عن العدد اليومى...
الاحتجاز صادف نفس يوم افتتاح وزير الخارجية السودانى لمقر السفارة الجديد بالقاهرة
ضابط المخابرات السودانى يقرر الإفراج عنى نتيجة اتصالى بالقنصلية المصرية
كل السيناريوهات المفزعة كانت تتردد فى رأسى، وتضرب فى عنف وصخب فى أعماقى، فتجيبها دقات قلبى التى تسارعت من الخوف والرعب، نعم، كانت أحاسيس الخوف والرعب هى التى تغلب علىّ فى هذه اللحظات التى دخلت فيها لأول مرة مكتب المخابرات والأمن الوطنى السودانية، بمدينة بورسودان، يوم الخميس، الثالث من يناير الماضى، بعد يومين فقط من وصولى المدينة، فى رحلة استغرقت 11 يوما، من أجل كتابة قصتين، إحداهما صحفية عن أخطر تجارة سلاح، تتم فى شرق السودان، والأخرى أدبية، عن رواية تدور أحداثها عن نفس الموضوع، فإذا بى يتم احتجازى فى مكتب المخابرات والأمن السودانى لمدة خمس ساعات، بدأت من الثانية عشرة والنصف ظهرا، وامتدت حتى الخامسة، دون أمل فى النجاة أو الخروج من هذا المكتب الواقع فى مبنى حكومى قريب من كورنيش البحر بمدينة بورسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر الواقعة شرق السودان.
كان دافعى للقيام بهذه الرحلة إلى مدينة بورسودان المطلة على البحر الأحمر، هو تقصى حقيقة تكرار حوادث قصف القافلات واغتيال مواطنين سودانيين، منذ عام 2009، حيث بلغ عدد الهجمات التى توجهت أصابع الاتهام فيها إلى أطراف إسرائيلية وأمريكية خمس عمليات، كان آخرها التى جرت فى شهر مايو 2012، واستهدفت تفجير سيارة مواطن سودانى من قبيلة العبابدة يدعى ناصر عوض الله، كان وكيل هذه القبيلة ومعروفا عنه بأنه أحد كبار التجار، ويمتلك عدة شقق فندقية فى منطقة «الترنسيت» بمدينة بورسودان، كما يتداول الكثيرون عنه أنه أحد أهم مهربى الأسلحة فى شرق السودان، حسبما أشارت تقارير صحفية، تداولتها عدة وكالات أنباء أجنبية وسودانية محلية عقب اغتياله.
ذهبت إلى بورسودان يوم 29 ديسمبر العام الماضى، قبل العام الجديد بليلتين، وقد أعمانى الفضول الصحفى والحث المهنى عن ضرورة اتباع إجراءات أمنية واجبة للعمل فى دولة مثل السودان لا ترحب بالصحفيين الفضوليين الذين يدفعهم الدأب والرغبة فى التوصل للحقيقة والبحث عن القصص التى تبدع الحكومة فى إخفائها وتكتم تفاصيلها، وكان أبسط هذه الإجراءات الأمنية ألا أضع ثقتى فى مجموعة من الغرباء على اتصال وثيق بعائلة المهرب السودانى ناصر عوض الله، الذى تم اغتياله فى تفجير سيارته البرادو يوم الثلاثاء 22 مايو العام الماضى والتى كانت تحمل لوحات معدنية أرقامها 9383 حسبما نشرت عدة تقارير صحفية.
استهدفت لقاء أحد المقربين من ناصر، وبحث القصة عن قرب، ومحاولة تحقيقها، حيث كانت عملية قتله هى العملية الخامسة فى مسلسل هجمات وقع أغلبها فى مدينة بورسودان، وبدأت أولاها بعملية قصف شديدة العنف وقعت فى يناير عام 2009، واستهدفت 18 سيارة دفع رباعى ممن يسميها السودانيون «العربات البوكس» وكانت تقل أسلحة، ومواد حارقة تستخدم فى صنع عبوات شديدة التفجير، وجرت العملية فى منطقة جبل الشعنون، شمال غرب بورسودان، بالقرب من حلايب وشلاتين، أى أن الهجوم استهدف قصف القافلة قبل دخولها الحدود المصرية بكيلومترات.
لم يكن الطريق إلى منصور، نجل ناصر عوض الله، سهلا، فالرجل تحوم حوله شائعات، كلها تتحدث عن توليه تجارة السلاح ومسؤولية تهريبه بعد مصرع والده فى حادث تفجير سيارته يوم 22 مايو العام الماضى، بتركيب ما يعرف بـ«الشريحة» وهى عبارة عن لغم يتم تثبيته فى السيارة المراد استهدافها، ثم تفجيرها عن بعد، كانت بورسودان تتحدث عن أصابع خفية لجهاز الموساد الإسرائيلى دبرت العملية، وألحت تقارير صحفية تداولتها وكالات أنباء أن ناصر عوض الله تم استهدافه بحكم وقوفه فى طابور طويل من المتورطين عن تهريب الأسلحة إلى غزة فى منطقة شرق سودان، منهم من ينتمى لقبائل العبابدة، والبشارية، والرشايدة، الذين يقطنون ولاية البحر الأحمر، وكذلك أفراد إريتيريون، يقطنون ولاية كسلا السودانية الواقعة على الحدود مع دولة إريتريا، حيث ميناء مصوع، المطل على البحر الأحمر، والذى تتحدث الروايات عن كونه أحد أهم الموانئ الإريتيرية التى يتم عبرها نقل السلاح، إلى القوافل البرية التى تتولى حمله من ولاية كسلا إلى ولاية البحر الأحمر، مرورا بمدينة «طوكر» و«سواكن» قبل المرور بمدينة بورسودان، ثم المضى قدما إلى الشمال، حتى الوصول للحدود المصرية.
وتذهب رواية أخرى، إلى أن مهربى الأسلحة، يستخدمون ميناء مدينة «سواكن» جنوب بورسودان، التى كانت هى الأخرى من أهم الموانئ المطلة على البحر الأحمر فيما مضى، وتذهب روايات ثالثة إلى أن مهربى الأسلحة يأتون بسفنهم فيها، ويقلون منها الشحنات إلى العربات البوكس، بحكم كون «سواكن» ميناء قديما من موانئ ولاية البحر الأحمر لم يعد يستخدم إلا لصيادى الأسماك.
استطعت التعرف أخيرا على «س» العبادى، ولقاءه بعد يومين كاملين، لاحقته بالاتصالات وأمطرته بالمكالمات حتى اقتنع أن أفضل وسيلة للتخلص من إلحاحى هو لقائى، وكان ذلك ما حدث بالفعل أول أيام العام الجديد الذى يوافق عيد الاستقلال السودانى بتاريخ 1 يناير 1956، كانت أولى العبارات التى جرت على لسان «س» أن ناصر مات بسره، وأنه لا يعرف إن كان منصور قد استأنف «بزنس» والده أم لا، لكنه سيحاول الاتصال بمن يعرفونه، خاصة أن منصور أصبح وكيل قبيلة العبابدة بعد مصرع والده، وآلت إليه كل ممتلكاته ومن ضمنها شقق «باير» الفندقية» الواقعة فى منطقة «الترانسيت» التى كانت بالمصادفة نفس المنطقة التى استأجرت بها شقة، طوال فترة إقامتى بالمدينة.
وبعد غياب يومين آخرين، هاتفنى «س» يوم الخميس، الثالث من يناير، ليسألنى عن مكانى، قائلا فى حماس، إن منصور وافق على لقائى، وإنه سوف يوفد شخصا من طرفه، ليلتقينى أولا، وكان اللقاء هذه المرة على كورنيش البحر، ظللت أنتظره ساعتين كاملتين مرا ببطء بعد اتصاله، وأنا لا أعرف أننى بعد هاتين الساعتين سأكون فى قبضة المخابرات السودانية.جاء «س» ومعه شخص يدعى علاء الدين للقائى، تلقيت اتصالا من «س»، يطلب الإسراع لمقابلتهما، كنت أتحرك بعفوية غير مدرك أننى ألج بقدمى فخا، الغرض منه الإيقاع بى، لمعرفة أصلى وفصلى، اقتصر اللقاء مع علاء الدين على بضع عبارات مقتضبة، قال لى فيها إنه سوف يتصل بى، كان خلالها ضابط المخابرات السودانى، يلتقط صورتى مع «علاء الدين» و«س» بكاميرا تليفونه المحمول، وما أن تحركت حتى تحرك خلفى، لكنه فوجئ بجلوسى فجأة على إحدى المصاطب المنتشرة على كورنيش البحر، فجلس بجوارى، وبدأ تعارفه علىّ بقوله: «هل أنت مصرى؟»،
كنت قد اعتدت هذه الأسئلة من أبناء بورسودان، واعتدت أيضا أن ينادونى بلقب «ابن النيل»، أجبته فى عفوية وأنا أتأمل ملامحه السمراء وقامته القصيرة وقميصه الذى جعله يتدلى خارج بنطلونه القماشى ولحيته السوداء المشذبة، لم تكن هيئته مبعث شك، أو تجعلنى أرتاب فى شخصه أو أظن أنه ضابط من المخابرات السودانية، لكن بعد حديث قصير، فوجئت به يطلب منى التوجه معه إلى مكتب الأمن، لم أصدق أذنى للوهلة الأولى، بوغت، وشعرت بخطر، قلت فى سرعة مبتسما: «أنا لا يمكن أن أمشى معك إلى أى مكان»، فكان رده: أستطيع أن أجلب قوة تجبرك أن تأتى معنا، فالأفضل أن تأتى معى بهدوء.
كنت قد زرت مقر القنصلية المصرية فى بورسودان، والتقيت بها القنصل المصرى السفير محمد خليل، وهو ما مثل لى باب الخروج لاحقا من هذه الأزمة، التى لم أكن أظن أنه يمكننى أن أخرج منها فى سلام، هاتفت القنصل فى هذه اللحظة، وحكيت له الأمر بسرعة، فطلب منى أن يتحدث مع هذا الشخص الذى عرف نفسه فى البداية أن اسمه عماد، فناولته الهاتف لأسمعه يقول للسفير إنه ضابط من جهاز المخابرات والأمن الوطنى، ويطلب التحدث معى قليلا فى المكتب، وهو ما طلبه منى السفير بعبارات مقتضبة عندما أخذت التليفون من عماد حيث سألنى السفير أولا إن كنت التقطت صورا لأى منشأة عسكرية، فأجبته بالنفى، فقال لى: طب روح معاه، وشوف عاوز إيه.
ما إن دخلت مكتبه، حتى بدأت آلاف السيناريوهات المفزعة تراودنى، على سطح مكتبه كانت توجد لافتة خشبية مكتوب عليها بخط أزرق سميك كلمة «الأجنبى» وعلى الحائط صورة فى إطار ذهبى لعمر البشير فى بزته العسكرية، جذب عماد ورقة بيضاء من «دوسيه» وطلب منى أن أضع كل متعلقاتى على مكتبه، اللاب توب، والحقيبة، والكاميرا، والتليفون المحمول، كنت قد كتبت على عجالة أثناء دخولى مكتبه رسالة قصيرة إلى رئيس تحرير جريدة اليوم السابع الزميل خالد صلاح، قلت فيها «اتقبض عليا فى السودان وبيتحقق معايا فى المخابرات»، لكننى لم أستطع إرسالها بعدما طلب منى «عماد» عدم استخدام الهاتف، ووضعه بجانب حقيبتى على مكتبه، وبدأ الاستجواب.
توالت أسئلته عن أسباب زيارتى للسودان، وهل هى المرة الأولى أم لا، وكانت إجابتى أنها المرة الأولى، وأن الغرض من الزيارة هو السياحة، واستكشاف طبيعة المدينة، وعادات وتقاليد أهلها، كان من ضمن الأسئلة التى عاجلنى بها عماد، هى أسباب لقائى بـ«س» المنتمى لقبيلة العبابدة، وآخر يوم التقيته فيه، كنت أحاول المناورة عبثا، وإخفاء طبيعة البحث الذى أجريه من أجل قصتى الصحفية، فأجبته أننى التقيت «س» من أجل التعرف على عادات وتقاليد قبيلة العبابدة فى السودان، وهل هى مماثلة للموجودة فى الصعيد أم لا، وأكدت له أكثر من مرة أننى التقيته منذ 3 أيام، محاولا إخفاء أننى التقيته منذ ساعات، فيما كشف هو لى فى نهاية الاستجواب محاولاتى لإخفاء لقائى الأخير به عندما أبرز لى هاتفه المحمول الذى التقط به صورتى مع «س» وعلاء الدين. كنت أحاول الحفاظ على تماسكى، وابتسامة واثقة دائمة، رغم غليانى داخليا وتوتر أعصابى، ونجحت فى إخفاء ارتعاشة أوصالى وارتجاف جلد وجهى، كان الخوف والرعب يسيطران على، لكن ابتسامة واثقة دائمة هى التى تواجه عماد، الضابط السودانى الذى واصل الهجوم بأسئلته الكثيفة عما إذا كنت عملت مع أجهزة أمنية فى مصر، فأجبته نافيا، قائلا فى ثقة: أنا أعمل فى صحيفة كبيرة فى القاهرة، اسمها «اليوم السابع»، وأغطى من خلالها الفعاليات الثقافية، وأتابع كذلك الندوات والمؤتمرات الأدبية، وإلى جانب ذلك أكتب الرواية، ومن أسباب زيارتى للسودان هو رغبتى فى كتابة رواية اجتماعية تدور بعض أحداثها فى بورسودان.
ويمكنك أن تتصل بالمستشارين الإعلاميين لسفارتكم بالقاهرة، لتتأكد من صدق ما أقول، فرفض، وعاجلنى بسؤال آخر، قائلا: لماذا إذن اتصلت بالقنصل المصرى عند وصولك إلى بورسودان؟ ما العلاقة بين صحفى ودبلوماسى؟ فبادرته قائلا: هذا طبيعى لأننى أحرص دائما على الاتصال بسفرائنا فى الخارج عند سفرى لأى بلد فى مهمة صحفية.
وما إن انتهى عماد من الأسئلة الكثيرة، حتى بدأ فى تفتيش أغراضى، الحقيبة، واللاب توب الذى تفحص محتوياته، وجميع الصور التى التقطتها لبورسودان، ومدينة سواكن، وأغلبها كانت صورا تحمل طابع سائح هاوٍ يرغب فى توثيق الأماكن التى زارها بالكاميرا، لكنه توقف عند «فولدر» على سطح اللاب توب كان بعنوان «خرائط للسودان، وفتح أولى الخرائط التى كانت خط الحدود بين مصر والسودان يمر أسفل مدينة حلايب المصرية، فقال هذه الخريطة مصرية؟ فقلت: هذه الخريطة وجدتها على الإنترنت. فقال: صحيح، لكنها تضم حلايب إلى حدودكم، وحلايب سودانية، وليست مصرية، هنا كدت أعلق ساخرا، مقارنا بين حلايب التى تمثل نقطة على الخريطة، وبين جنوب السودان الذى أدت سياسات البشير لانفصاله بأكمله، وهو يضم 10 ولايات كاملة عن الدولة، لكننى آثرت الصمت، حيث كان فى هذه الأثناء قد عثر على ملف «word» الذى جمعت فيه كل التقارير الصحفية المكتوبة عن ناصر عوض الله، فقال لى: «لماذا تجمع هذه المعلومات عن ناصر؟» فقلت متصنعا اللامبالاة: أنا صحفى، وهذه أحداث وقعت فى مدينة أنا متوجه لزيارتها، ومن الطبيعى أن أقرأ عنها».
طبعا إجاباتى لم تكن مقنعة لى أنا شخصيا، فما بالك به! نهض فى هذه اللحظة، وجلب وصلة سلكية، ربط بها هاتفه المحمول، باللاب توب، ونقل نسخة من الملف، على ذاكرة هاتفه، ثم أغلق الجهاز، وبدأ يفتش حقيبتى، وعثر بها على دفتر، كنت أدون فيه ملاحظاتى عن عمليات تهريب الأسلحة، وبضعة معلومات من التى أخبرنى بها «س» عن ناصر، وعمله فى تهريب السلاح، وكذلك إفادات وشهادات من بعض السودانيين الذين انتقدوا فى حديثهم معى نظام البشير، واتهموه بإفقارهم.
كان الدفتر الذى عثر عليه الضابط أكبر خطأ ارتكبته فى الرحلة، بالتحرك به ذهابا وإيابا فى المدينة، حيث مثل بالنسبة له، بغيته التى كان يبحث عليها طوال الساعات الطويلة المنقضية، كان يقرأ عباراتى المكتوبة فيه بملامح ممتقعة، كأنه لا يتصور أن بمقدور شخص أن يكتب مثل هذه الفقرات عن نظام البشير، حاولت الدفاع عن نفسى بالقول: هذا الكلام موجود على الإنترنت، ولم أكتبه ضد النظام، ومنتشر فى «ويكيبيديا»، فأبدى الضابط تبرمه، قائلا: «وماذا عن الكلام الذى دار بينك وبين «س» الذى دونته هنا، هل هو الآخر موجود فى «ويكيبيديا» ومنصور ناصر عوض الله، الذى طلبت من «س» لقاءه، هل هو موجود فى ويكيبيديا»، وتحركاتك ولقاءاتك بمندوب ناصر، علاء الدين– قالها وهو يبرز هاتفه المحمول ويرينى صورتى التى التقطها مع «س» وعلاء– مضيفا: «هل هذا أيضا موجود فى «ويكيبديا؟».
كان حصاره على قد اشتد، خصوصا بعدما عاجلنى بقوله: «أنت متورط من ساسك لراسك يا أستاذ وجدى، بالعمل دون ترخيص الإعلام الخارجى بالسودان، وجمعك معلومات عن ناصر عوض الله، ومحاولة لقاء ابنه، وكذلك كتابة موضوعات ضد النظام».
هنا قاطعته قائلا فى سرعة، وثقة، حاولت أن أخفى بهما انهيارى من الداخل: «لحظة يا أستاذ عماد، أنا لم أجمع معلومات بغرض التجسس على السودان، أنا صحفى وأكتب فى القاهرة، ولا أعمل فى صحف سودانية، كما أن تهريب الأسلحة موضوع صحفى يتناوله عدد كبير من الصحفيين، أما إذا شئت أن تورطنى فيما تقوله، فيجب أن تعرف أننى أرسلت رسالة إلى رئيس تحرير الجريدة التى أعمل بها بالقاهرة، ويتصادف اليوم افتتاح وزير خارجيتكم على كرتى لمقر السفارة السودانية الجديد بالقاهرة، وإذا احتجزتنى ساعة واحدة فسوف يتعرض وزيركم للحرج من جهات الإعلام التى ستنتفض بعد نشر خبر احتجازك لى».
كان لسانى قد تحول فى جوفى إلى قطعة من الخشب، لكن ملامحى كانت جامدة، انتظر عماد حتى انتهيت من كلامى، ثم طلب منى الانتظار خارج مكتبه حتى يتصل ببعض رؤسائه، فاصطحبت هاتفى معى وأجريت مكالمة سريعة بالقنصل المصرى محمد خليل، وطلبت منه المساعدة، كما أرسلت رسالة سريعة إلى الزميل خالد صلاح بالقاهرة، فاتصل بى فورا وسألنى عن أسباب التحقيق معى، فى هذه الأثناء كان عماد يشير لى أن أعود إلى المكتب، ودخلت، فوجدت الضابط السودانى يعيد أغراضى إلى حقيبتى، اللاب توب، والكاميرا، وجواز سفرى، ويحتفظ فقط بالدفتر الذى عثر عليه، وهو يقول: فقط لقاؤك بالقنصلية المصرية، هو سبب خروجك من هنا، طوال فترة إقامتك المتبقية فى بورسودان، لا تحاول أن تتصل بمنصور، أو بـ«س»، أنت حر.
خرجت بصحبته غير مصدق اجتيازى هذه التجربة المريرة، بعدها بيومين كنت أسافر إلى الخرطوم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلاً عن العدد اليومى...
الاحتجاز صادف نفس يوم افتتاح وزير الخارجية السودانى لمقر السفارة الجديد بالقاهرة
ضابط المخابرات السودانى يقرر الإفراج عنى نتيجة اتصالى بالقنصلية المصرية
كل السيناريوهات المفزعة كانت تتردد فى رأسى، وتضرب فى عنف وصخب فى أعماقى، فتجيبها دقات قلبى التى تسارعت من الخوف والرعب، نعم، كانت أحاسيس الخوف والرعب هى التى تغلب علىّ فى هذه اللحظات التى دخلت فيها لأول مرة مكتب المخابرات والأمن الوطنى السودانية، بمدينة بورسودان، يوم الخميس، الثالث من يناير الماضى، بعد يومين فقط من وصولى المدينة، فى رحلة استغرقت 11 يوما، من أجل كتابة قصتين، إحداهما صحفية عن أخطر تجارة سلاح، تتم فى شرق السودان، والأخرى أدبية، عن رواية تدور أحداثها عن نفس الموضوع، فإذا بى يتم احتجازى فى مكتب المخابرات والأمن السودانى لمدة خمس ساعات، بدأت من الثانية عشرة والنصف ظهرا، وامتدت حتى الخامسة، دون أمل فى النجاة أو الخروج من هذا المكتب الواقع فى مبنى حكومى قريب من كورنيش البحر بمدينة بورسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر الواقعة شرق السودان.
كان دافعى للقيام بهذه الرحلة إلى مدينة بورسودان المطلة على البحر الأحمر، هو تقصى حقيقة تكرار حوادث قصف القافلات واغتيال مواطنين سودانيين، منذ عام 2009، حيث بلغ عدد الهجمات التى توجهت أصابع الاتهام فيها إلى أطراف إسرائيلية وأمريكية خمس عمليات، كان آخرها التى جرت فى شهر مايو 2012، واستهدفت تفجير سيارة مواطن سودانى من قبيلة العبابدة يدعى ناصر عوض الله، كان وكيل هذه القبيلة ومعروفا عنه بأنه أحد كبار التجار، ويمتلك عدة شقق فندقية فى منطقة «الترنسيت» بمدينة بورسودان، كما يتداول الكثيرون عنه أنه أحد أهم مهربى الأسلحة فى شرق السودان، حسبما أشارت تقارير صحفية، تداولتها عدة وكالات أنباء أجنبية وسودانية محلية عقب اغتياله.
ذهبت إلى بورسودان يوم 29 ديسمبر العام الماضى، قبل العام الجديد بليلتين، وقد أعمانى الفضول الصحفى والحث المهنى عن ضرورة اتباع إجراءات أمنية واجبة للعمل فى دولة مثل السودان لا ترحب بالصحفيين الفضوليين الذين يدفعهم الدأب والرغبة فى التوصل للحقيقة والبحث عن القصص التى تبدع الحكومة فى إخفائها وتكتم تفاصيلها، وكان أبسط هذه الإجراءات الأمنية ألا أضع ثقتى فى مجموعة من الغرباء على اتصال وثيق بعائلة المهرب السودانى ناصر عوض الله، الذى تم اغتياله فى تفجير سيارته البرادو يوم الثلاثاء 22 مايو العام الماضى والتى كانت تحمل لوحات معدنية أرقامها 9383 حسبما نشرت عدة تقارير صحفية.
استهدفت لقاء أحد المقربين من ناصر، وبحث القصة عن قرب، ومحاولة تحقيقها، حيث كانت عملية قتله هى العملية الخامسة فى مسلسل هجمات وقع أغلبها فى مدينة بورسودان، وبدأت أولاها بعملية قصف شديدة العنف وقعت فى يناير عام 2009، واستهدفت 18 سيارة دفع رباعى ممن يسميها السودانيون «العربات البوكس» وكانت تقل أسلحة، ومواد حارقة تستخدم فى صنع عبوات شديدة التفجير، وجرت العملية فى منطقة جبل الشعنون، شمال غرب بورسودان، بالقرب من حلايب وشلاتين، أى أن الهجوم استهدف قصف القافلة قبل دخولها الحدود المصرية بكيلومترات.
لم يكن الطريق إلى منصور، نجل ناصر عوض الله، سهلا، فالرجل تحوم حوله شائعات، كلها تتحدث عن توليه تجارة السلاح ومسؤولية تهريبه بعد مصرع والده فى حادث تفجير سيارته يوم 22 مايو العام الماضى، بتركيب ما يعرف بـ«الشريحة» وهى عبارة عن لغم يتم تثبيته فى السيارة المراد استهدافها، ثم تفجيرها عن بعد، كانت بورسودان تتحدث عن أصابع خفية لجهاز الموساد الإسرائيلى دبرت العملية، وألحت تقارير صحفية تداولتها وكالات أنباء أن ناصر عوض الله تم استهدافه بحكم وقوفه فى طابور طويل من المتورطين عن تهريب الأسلحة إلى غزة فى منطقة شرق سودان، منهم من ينتمى لقبائل العبابدة، والبشارية، والرشايدة، الذين يقطنون ولاية البحر الأحمر، وكذلك أفراد إريتيريون، يقطنون ولاية كسلا السودانية الواقعة على الحدود مع دولة إريتريا، حيث ميناء مصوع، المطل على البحر الأحمر، والذى تتحدث الروايات عن كونه أحد أهم الموانئ الإريتيرية التى يتم عبرها نقل السلاح، إلى القوافل البرية التى تتولى حمله من ولاية كسلا إلى ولاية البحر الأحمر، مرورا بمدينة «طوكر» و«سواكن» قبل المرور بمدينة بورسودان، ثم المضى قدما إلى الشمال، حتى الوصول للحدود المصرية.
وتذهب رواية أخرى، إلى أن مهربى الأسلحة، يستخدمون ميناء مدينة «سواكن» جنوب بورسودان، التى كانت هى الأخرى من أهم الموانئ المطلة على البحر الأحمر فيما مضى، وتذهب روايات ثالثة إلى أن مهربى الأسلحة يأتون بسفنهم فيها، ويقلون منها الشحنات إلى العربات البوكس، بحكم كون «سواكن» ميناء قديما من موانئ ولاية البحر الأحمر لم يعد يستخدم إلا لصيادى الأسماك.
استطعت التعرف أخيرا على «س» العبادى، ولقاءه بعد يومين كاملين، لاحقته بالاتصالات وأمطرته بالمكالمات حتى اقتنع أن أفضل وسيلة للتخلص من إلحاحى هو لقائى، وكان ذلك ما حدث بالفعل أول أيام العام الجديد الذى يوافق عيد الاستقلال السودانى بتاريخ 1 يناير 1956، كانت أولى العبارات التى جرت على لسان «س» أن ناصر مات بسره، وأنه لا يعرف إن كان منصور قد استأنف «بزنس» والده أم لا، لكنه سيحاول الاتصال بمن يعرفونه، خاصة أن منصور أصبح وكيل قبيلة العبابدة بعد مصرع والده، وآلت إليه كل ممتلكاته ومن ضمنها شقق «باير» الفندقية» الواقعة فى منطقة «الترانسيت» التى كانت بالمصادفة نفس المنطقة التى استأجرت بها شقة، طوال فترة إقامتى بالمدينة.
وبعد غياب يومين آخرين، هاتفنى «س» يوم الخميس، الثالث من يناير، ليسألنى عن مكانى، قائلا فى حماس، إن منصور وافق على لقائى، وإنه سوف يوفد شخصا من طرفه، ليلتقينى أولا، وكان اللقاء هذه المرة على كورنيش البحر، ظللت أنتظره ساعتين كاملتين مرا ببطء بعد اتصاله، وأنا لا أعرف أننى بعد هاتين الساعتين سأكون فى قبضة المخابرات السودانية.جاء «س» ومعه شخص يدعى علاء الدين للقائى، تلقيت اتصالا من «س»، يطلب الإسراع لمقابلتهما، كنت أتحرك بعفوية غير مدرك أننى ألج بقدمى فخا، الغرض منه الإيقاع بى، لمعرفة أصلى وفصلى، اقتصر اللقاء مع علاء الدين على بضع عبارات مقتضبة، قال لى فيها إنه سوف يتصل بى، كان خلالها ضابط المخابرات السودانى، يلتقط صورتى مع «علاء الدين» و«س» بكاميرا تليفونه المحمول، وما أن تحركت حتى تحرك خلفى، لكنه فوجئ بجلوسى فجأة على إحدى المصاطب المنتشرة على كورنيش البحر، فجلس بجوارى، وبدأ تعارفه علىّ بقوله: «هل أنت مصرى؟»،
كنت قد اعتدت هذه الأسئلة من أبناء بورسودان، واعتدت أيضا أن ينادونى بلقب «ابن النيل»، أجبته فى عفوية وأنا أتأمل ملامحه السمراء وقامته القصيرة وقميصه الذى جعله يتدلى خارج بنطلونه القماشى ولحيته السوداء المشذبة، لم تكن هيئته مبعث شك، أو تجعلنى أرتاب فى شخصه أو أظن أنه ضابط من المخابرات السودانية، لكن بعد حديث قصير، فوجئت به يطلب منى التوجه معه إلى مكتب الأمن، لم أصدق أذنى للوهلة الأولى، بوغت، وشعرت بخطر، قلت فى سرعة مبتسما: «أنا لا يمكن أن أمشى معك إلى أى مكان»، فكان رده: أستطيع أن أجلب قوة تجبرك أن تأتى معنا، فالأفضل أن تأتى معى بهدوء.
كنت قد زرت مقر القنصلية المصرية فى بورسودان، والتقيت بها القنصل المصرى السفير محمد خليل، وهو ما مثل لى باب الخروج لاحقا من هذه الأزمة، التى لم أكن أظن أنه يمكننى أن أخرج منها فى سلام، هاتفت القنصل فى هذه اللحظة، وحكيت له الأمر بسرعة، فطلب منى أن يتحدث مع هذا الشخص الذى عرف نفسه فى البداية أن اسمه عماد، فناولته الهاتف لأسمعه يقول للسفير إنه ضابط من جهاز المخابرات والأمن الوطنى، ويطلب التحدث معى قليلا فى المكتب، وهو ما طلبه منى السفير بعبارات مقتضبة عندما أخذت التليفون من عماد حيث سألنى السفير أولا إن كنت التقطت صورا لأى منشأة عسكرية، فأجبته بالنفى، فقال لى: طب روح معاه، وشوف عاوز إيه.
ما إن دخلت مكتبه، حتى بدأت آلاف السيناريوهات المفزعة تراودنى، على سطح مكتبه كانت توجد لافتة خشبية مكتوب عليها بخط أزرق سميك كلمة «الأجنبى» وعلى الحائط صورة فى إطار ذهبى لعمر البشير فى بزته العسكرية، جذب عماد ورقة بيضاء من «دوسيه» وطلب منى أن أضع كل متعلقاتى على مكتبه، اللاب توب، والحقيبة، والكاميرا، والتليفون المحمول، كنت قد كتبت على عجالة أثناء دخولى مكتبه رسالة قصيرة إلى رئيس تحرير جريدة اليوم السابع الزميل خالد صلاح، قلت فيها «اتقبض عليا فى السودان وبيتحقق معايا فى المخابرات»، لكننى لم أستطع إرسالها بعدما طلب منى «عماد» عدم استخدام الهاتف، ووضعه بجانب حقيبتى على مكتبه، وبدأ الاستجواب.
توالت أسئلته عن أسباب زيارتى للسودان، وهل هى المرة الأولى أم لا، وكانت إجابتى أنها المرة الأولى، وأن الغرض من الزيارة هو السياحة، واستكشاف طبيعة المدينة، وعادات وتقاليد أهلها، كان من ضمن الأسئلة التى عاجلنى بها عماد، هى أسباب لقائى بـ«س» المنتمى لقبيلة العبابدة، وآخر يوم التقيته فيه، كنت أحاول المناورة عبثا، وإخفاء طبيعة البحث الذى أجريه من أجل قصتى الصحفية، فأجبته أننى التقيت «س» من أجل التعرف على عادات وتقاليد قبيلة العبابدة فى السودان، وهل هى مماثلة للموجودة فى الصعيد أم لا، وأكدت له أكثر من مرة أننى التقيته منذ 3 أيام، محاولا إخفاء أننى التقيته منذ ساعات، فيما كشف هو لى فى نهاية الاستجواب محاولاتى لإخفاء لقائى الأخير به عندما أبرز لى هاتفه المحمول الذى التقط به صورتى مع «س» وعلاء الدين. كنت أحاول الحفاظ على تماسكى، وابتسامة واثقة دائمة، رغم غليانى داخليا وتوتر أعصابى، ونجحت فى إخفاء ارتعاشة أوصالى وارتجاف جلد وجهى، كان الخوف والرعب يسيطران على، لكن ابتسامة واثقة دائمة هى التى تواجه عماد، الضابط السودانى الذى واصل الهجوم بأسئلته الكثيفة عما إذا كنت عملت مع أجهزة أمنية فى مصر، فأجبته نافيا، قائلا فى ثقة: أنا أعمل فى صحيفة كبيرة فى القاهرة، اسمها «اليوم السابع»، وأغطى من خلالها الفعاليات الثقافية، وأتابع كذلك الندوات والمؤتمرات الأدبية، وإلى جانب ذلك أكتب الرواية، ومن أسباب زيارتى للسودان هو رغبتى فى كتابة رواية اجتماعية تدور بعض أحداثها فى بورسودان.
ويمكنك أن تتصل بالمستشارين الإعلاميين لسفارتكم بالقاهرة، لتتأكد من صدق ما أقول، فرفض، وعاجلنى بسؤال آخر، قائلا: لماذا إذن اتصلت بالقنصل المصرى عند وصولك إلى بورسودان؟ ما العلاقة بين صحفى ودبلوماسى؟ فبادرته قائلا: هذا طبيعى لأننى أحرص دائما على الاتصال بسفرائنا فى الخارج عند سفرى لأى بلد فى مهمة صحفية.
وما إن انتهى عماد من الأسئلة الكثيرة، حتى بدأ فى تفتيش أغراضى، الحقيبة، واللاب توب الذى تفحص محتوياته، وجميع الصور التى التقطتها لبورسودان، ومدينة سواكن، وأغلبها كانت صورا تحمل طابع سائح هاوٍ يرغب فى توثيق الأماكن التى زارها بالكاميرا، لكنه توقف عند «فولدر» على سطح اللاب توب كان بعنوان «خرائط للسودان، وفتح أولى الخرائط التى كانت خط الحدود بين مصر والسودان يمر أسفل مدينة حلايب المصرية، فقال هذه الخريطة مصرية؟ فقلت: هذه الخريطة وجدتها على الإنترنت. فقال: صحيح، لكنها تضم حلايب إلى حدودكم، وحلايب سودانية، وليست مصرية، هنا كدت أعلق ساخرا، مقارنا بين حلايب التى تمثل نقطة على الخريطة، وبين جنوب السودان الذى أدت سياسات البشير لانفصاله بأكمله، وهو يضم 10 ولايات كاملة عن الدولة، لكننى آثرت الصمت، حيث كان فى هذه الأثناء قد عثر على ملف «word» الذى جمعت فيه كل التقارير الصحفية المكتوبة عن ناصر عوض الله، فقال لى: «لماذا تجمع هذه المعلومات عن ناصر؟» فقلت متصنعا اللامبالاة: أنا صحفى، وهذه أحداث وقعت فى مدينة أنا متوجه لزيارتها، ومن الطبيعى أن أقرأ عنها».
طبعا إجاباتى لم تكن مقنعة لى أنا شخصيا، فما بالك به! نهض فى هذه اللحظة، وجلب وصلة سلكية، ربط بها هاتفه المحمول، باللاب توب، ونقل نسخة من الملف، على ذاكرة هاتفه، ثم أغلق الجهاز، وبدأ يفتش حقيبتى، وعثر بها على دفتر، كنت أدون فيه ملاحظاتى عن عمليات تهريب الأسلحة، وبضعة معلومات من التى أخبرنى بها «س» عن ناصر، وعمله فى تهريب السلاح، وكذلك إفادات وشهادات من بعض السودانيين الذين انتقدوا فى حديثهم معى نظام البشير، واتهموه بإفقارهم.
كان الدفتر الذى عثر عليه الضابط أكبر خطأ ارتكبته فى الرحلة، بالتحرك به ذهابا وإيابا فى المدينة، حيث مثل بالنسبة له، بغيته التى كان يبحث عليها طوال الساعات الطويلة المنقضية، كان يقرأ عباراتى المكتوبة فيه بملامح ممتقعة، كأنه لا يتصور أن بمقدور شخص أن يكتب مثل هذه الفقرات عن نظام البشير، حاولت الدفاع عن نفسى بالقول: هذا الكلام موجود على الإنترنت، ولم أكتبه ضد النظام، ومنتشر فى «ويكيبيديا»، فأبدى الضابط تبرمه، قائلا: «وماذا عن الكلام الذى دار بينك وبين «س» الذى دونته هنا، هل هو الآخر موجود فى «ويكيبيديا» ومنصور ناصر عوض الله، الذى طلبت من «س» لقاءه، هل هو موجود فى ويكيبيديا»، وتحركاتك ولقاءاتك بمندوب ناصر، علاء الدين– قالها وهو يبرز هاتفه المحمول ويرينى صورتى التى التقطها مع «س» وعلاء– مضيفا: «هل هذا أيضا موجود فى «ويكيبديا؟».
كان حصاره على قد اشتد، خصوصا بعدما عاجلنى بقوله: «أنت متورط من ساسك لراسك يا أستاذ وجدى، بالعمل دون ترخيص الإعلام الخارجى بالسودان، وجمعك معلومات عن ناصر عوض الله، ومحاولة لقاء ابنه، وكذلك كتابة موضوعات ضد النظام».
هنا قاطعته قائلا فى سرعة، وثقة، حاولت أن أخفى بهما انهيارى من الداخل: «لحظة يا أستاذ عماد، أنا لم أجمع معلومات بغرض التجسس على السودان، أنا صحفى وأكتب فى القاهرة، ولا أعمل فى صحف سودانية، كما أن تهريب الأسلحة موضوع صحفى يتناوله عدد كبير من الصحفيين، أما إذا شئت أن تورطنى فيما تقوله، فيجب أن تعرف أننى أرسلت رسالة إلى رئيس تحرير الجريدة التى أعمل بها بالقاهرة، ويتصادف اليوم افتتاح وزير خارجيتكم على كرتى لمقر السفارة السودانية الجديد بالقاهرة، وإذا احتجزتنى ساعة واحدة فسوف يتعرض وزيركم للحرج من جهات الإعلام التى ستنتفض بعد نشر خبر احتجازك لى».
كان لسانى قد تحول فى جوفى إلى قطعة من الخشب، لكن ملامحى كانت جامدة، انتظر عماد حتى انتهيت من كلامى، ثم طلب منى الانتظار خارج مكتبه حتى يتصل ببعض رؤسائه، فاصطحبت هاتفى معى وأجريت مكالمة سريعة بالقنصل المصرى محمد خليل، وطلبت منه المساعدة، كما أرسلت رسالة سريعة إلى الزميل خالد صلاح بالقاهرة، فاتصل بى فورا وسألنى عن أسباب التحقيق معى، فى هذه الأثناء كان عماد يشير لى أن أعود إلى المكتب، ودخلت، فوجدت الضابط السودانى يعيد أغراضى إلى حقيبتى، اللاب توب، والكاميرا، وجواز سفرى، ويحتفظ فقط بالدفتر الذى عثر عليه، وهو يقول: فقط لقاؤك بالقنصلية المصرية، هو سبب خروجك من هنا، طوال فترة إقامتك المتبقية فى بورسودان، لا تحاول أن تتصل بمنصور، أو بـ«س»، أنت حر.
خرجت بصحبته غير مصدق اجتيازى هذه التجربة المريرة، بعدها بيومين كنت أسافر إلى الخرطوم.
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
خليفه العراقي
عودا حميدا
عدد الردود 0
بواسطة:
الطيب عبدالكافي
السودان ليس مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسر فاروق
الى الأخ الطيب عبد الكافي
عدد الردود 0
بواسطة:
سوداني l افريقي
برافووو
عدد الردود 0
بواسطة:
مهندسة تكنولوجيا انتاج قطن عاطلة
اية الهجوم دة كلة من الاخوة السودانيين الى 4 اماال عاوزين شبابنا يروح عندكوا كيف
عدد الردود 0
بواسطة:
مصعب هلب
ياريت كل الصحفين الافي السودان يكونو زياك
انت اشجع من الصحفين الافي السودان
عدد الردود 0
بواسطة:
salih sam
شعب الوادي شعب واحد