أصدر مجلس إدارة نادى قضاة مجلس الدولة برئاسة المستشار حمدى ياسين عكاشة، نائب رئيس مجلس الدولة، بياناً بشأن البيان الذى أصدرته رئاسة الجمهورية أمس حول الإعلان الدستورى الجديد، ودعا النادى لعقد جمعية عمومية طارئة يوم الجمعة المقبل بمقر النادى، وجاء نص البيان كالآتى:
وتدارس مجلس إدارة نادى قُضاة مجلس الدولة بيان الرئاسة المفسر للإعلان الدستورى الصادر عقب لقاء الرئيس مع المجلس الأعلى للقضاء، والذى تضمن أن الإعلان الدستورى يقتصر فى شأن تحصين الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات التى تصدر من رئيس الجمهورية على الأعمال المتعلقة بالسيادة، وأن الرئيس يراعى حصانة القضاة واختصاصاتهم، ويحمل كل التقدير لهم ويحرص على استقلالهم باعتبار القضاء صمام الأمان والملاذ للمواطنين كافة، وأن المقصود بإعادة التحقيقات الموجودة فى الإعلان الدستورى هو تلك التى يظهر لها أدلة جديدة فقط، وأن ذلك بصفة مؤقتة لحين نفاذ الدستور الجديد، وانتخاب مجلس الشعب حفاظًا على مؤسسات الدولة الرئيسية.
وقد لقى هذا البيان الكثير من الاندهاش والصدمة وأفرز العديد من علامات التعجب والاستفهام:
أولاً ـ أن الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات لا تحتاج إلى مذكرات إيضاحية أو تفسيرية من أى نوع، وهو إجراء مبتدع وغريب وغير مسبوق ولا ينتج إلا عدماً.
ثانياً ـ أن الأمر يتعلق بما سُمى إعلاناً دستورياً صادراً من غير مختص متضمناً غصب السلطة التأسيسية، ومن لا يملك سلطة الإصدار لا يملك سلطة التفسير أو الإيضاح، وإنما يملك رعاية للمصلحة العليا للبلاد واحتراماً للسلطة القضائية واستقلالها الإعلان عن اعتبار ما سُمى بالإعلان الدستورى "عدماً لا قيمة له"، تأكيداً للقواعد الفقهية المقررة من أن الأصل بقاء ما كان على ما كان، والضرر يُزال، ومن سعى فى نقض ما تم على يديه فسعيه مردود، وأن التصرف مع الرعية منوط بالمصلحة، وأن المعدوم معدوم والساقط لا يعود.
ثالثاً ـ أن القول بتحصين الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات التى تصدر من رئيس الجمهورية من رقابة القضاء مقصور على الأعمال المتعلقة بالسيادة، هو قول صادر عن افتقار شديد لاستيعاب المفهوم الصحيح لأعمال السيادة تلك النظرية التى اعتبرها الفقه الفرنسى والمصرى ـ بحق ـ ثغرة فى بناء المشروعية، ووصمة فى جبين القانون العام، وبقية من بقايا عهود الدولة غير القانونية، وهى تُعنى بأعمال تصدر من السلطة التنفيذية باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة، ومعيار التفرقة بين الأعمال الإدارية التى تباشرها الحكومة فى حدود وظيفتها الإدارية وبين أعمال السيادة التى تباشرها باعتبارها سلطة حكم مرده إلى القضاء الذى ترك له المشرع سلطة تقرير الوصف القانونى للعمل المطروح عليه وما إذا كان يعد عملاً إدارياً عادياً يختص بنظره أو عملاً من أعمال السيادة يمتنع عليه النظر فيه، وأنه بعد النص فى الدستور ثم فى الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011 ثم فى مشروع الدستور الجديد على أن " التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى" و"حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء" فإنه لم يعد من الممكن تحصين أى عمل إدارى محدد من رقابة القضاء سواء بصورة مباشرة باعتباره من أعمال السيادة أو بصورة غير مباشرة.
وأصبحت دائرة أعمال السيادة هى الدائرة الوحيدة التى ينحسر عنها مبدأ المشروعية، حيث أصبح القاضى وحده هو سيد الموقف، له أن ينكر على عمل إدارى معين مادى أو قانونى وصف عمل السيادة أو لا ينكره، ولا معقب عليه فى ذلك إلا من المحاكم الأعلى درجة إن وجدت، وعلى ذلك لا يمكن وصف عمل مادى أو قرار منعدم بأنه عمل من أعمال السيادة ابتداءً، ولا يوجد بطبيعة الحال ضمن هذا الإعلان الدستورى فى أى مادة من مواده الست أى عمل من أعمال السيادة، لأن عمل السيادة لا يحدده سوى القضاء وحده دون غيره.
رابعاً ـ أنه ليس من أعمال السيادة ـ بحال ـ أى تحصين لإعلان دستورى ناتج عن غصب السلطة التأسيسية، كما لا تحصين من رقابة القضاء المختص لأى قوانين عساها تكون قد خالفت الدستور، ولا حصانة لأى قرار إدارى يكون قد خالف الشرعية والقوانين واللوائح، ولا هدم لحق التقاضى بتقرير انقضاء أى دعوى يكون قد مارس صاحبها حقه الدستورى فى التقاضي، ولا جدوى من نص يتعلق بإعادة التحقيقات والمحاكمة بظهور أدلة جديدة فذلك أمر مقرر فى قانون الإجراءات الجنائية ولا حاجة لصدور إعلان دستورى به.
كما لا يجوز لإعلان دستورى أن يقرر فى مادة من مواده (عدم جواز تحصين أى قرار أو عمل من رقابة القضاء) "المادة 21 من الإعلان)، ثم يقرر فى مادة أخرى من إعلان آخر سُمى دستورياً بتحصين قرارات لمصدر القرار وبانقضاء دعاوى مقامة أمام أى من الجهات القضائية، ولا يعتبر كذلك النص بالإعلان المشار إليه على عدم جواز قيام أية جهة قضائية بحل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية، كما لا تعتبر تعديلات أسلوب تعيين النائب العام عملاً من أعمال السيادة، وإنما هو تعديل غير مشروع لقانون السلطة القضائية بغير الضمانات المقررة وبغير الإجراءات الواجبة.
خامساً ـ أن غصب السلطة والاعتداء على القضاء وسلب اختصاصاته والخروج على الشرعية الدستورية وتكريس حكم الفرد لا يبرره أن يكون لمدة مؤقتة كما ورد بالبيان، فلا تستحق ثورة جابهت الاعتداء على الحقوق والحريات أن تخضع لساعة واحدة لهذا الإعلان المنعدم المسمى دستورياً.
سادساً ـ أنه يتعين تذكير مصدر القرار ومعديه بما كتبه عمر بن الخطاب إلى أبى موسى الأشعرى رضى الله عنهما، من قول بأنه "لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهّديت فيه لرشدك أن ترجع فيه إلى الحق فإن الحق قديم والرجوع إلى الحق أولى من التمادى فى الباطل" رواه البيهقى والدار قطنى.
وبقول مالك وهو يثنى على عمر بن الخطاب: "ما كان بأعلمنا ولكنه كان أسرعنا رجوعاً إذا سمع الحق"، وبقول عمر بن عبد العزيز "ما من كتاب أيسر على رداً من كتاب قضيت به ثم أبصرت أن الحق بغيره فنسخته"، وبقول ابن رجب "كان أئمة السلف المجمع على علمهم وفضلهم يقبلون الحق ممن أورده عليهم وإن كان صغيراً ويوصون أصحابهم وأتباعهم بقبول الحق إذا ظهر فى غيره، ولذلك فإن نادى قُضاة مجلس الدولة وقد رأى أن الأزمة التى أنشأها الإعلان الدستورى لا تزال قائمة، فإنه يطلب ممن حضر لها وأعدها أن يصرفها ويزيلها، وأن يتم إعلاء شأن الشرعية الدستورية والقانونية، وإزالة هذا الإعلان الدستورى من الوجود كعقبة مادية، وعدم الالتفاف حول الاعتراضات القائمة عليه بمذكرات تفسيرية أو إيضاحية مبتدعة، فلا مجال لتجميل القبح، وإنما كل المجال للعودة للحق بحسبانه الفضيلة الكبرى.
نادى قضاة مجلس الدولة: بيان الرئاسة حول الإعلان الدستورى صادم
الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012 05:46 م
المستشار حمدى ياسين عكاشة نائب رئيس مجلس الدولة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن مصرى
لقد أسمعت لو ناديت حيا .......ولكن لا حياة لمن تنادى