يحرص الكاتب التونسى الحبيب السالمى فى جميع رواياته على رصد تحولات البيئة التونسية، ونبش التاريخ غير المدون لتونس، وذلك ما يبدو فى إبداعاته مثل "عشاق بيه"، و"أسرار عبد الله"، أو التى تتناول أحوال المهاجرين التونسيين مثل رائعته "روائح مارى كلير".
وفى روايته "نساء البساتين" الصادرة قبل اندلاع الثورة التونسية ببضعة أشهر، يرصد "السالمى" تحولات الشارع التونسى خلال تسعة عشر يومًا يقضيها البطل الذى يعود من باريس إلى "حى البساتين" الواقع فى شارع أبى القاسم الشابى، والقريب من مركز الشرطة، تلك الدلالات التى طرحتها الرواية، أعطت انطباعًا للكثيرين بأن "السالمى" تبنأ بالثورة التونسية.
"اليوم السابع" حاورت "السالمى" عبر البريد الإلكترونى خلال تواجده فى باريس...
ما هو تعليقك على الحراك الذى تشهده الشعوب العربية منذ اندلاع الثورة التونسية؟
ما يحدث فى العالم العربى لم نر له مثيلاً منذ قرون، فهو ينهى مرحلة معتمة طويلة من الظلم والقهر والاستعباد ويؤسس لمرحلة من الحرية والكرامة والديمقراطية، فالعرب أثبتوا أخيرًا لأنفسهم وللعالم أجمع أنهم شعوب واعية وأنهم على استعداد لمواجهة الموت من أجل كرامة الإنسان، ما يحدث يفند كل المقولات العنصرية التى نجح اليمين العنصرى ومعه الصهيونية فى ترويجها فى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية ليؤكدوا على أن العرب أعداء للديمقراطية وأن ثقافتهم فى بنيتها العميقة غير قادرة على تمثل وتبنى قيمة الحرية.
عكست روايتك "نساء البساتين" حالة التردى التى أصبحت عليها تونس فى عهد "بن على"، فهل توقعت سقوط النظام؟.
ليس صحيحًا، بالرغم أن بعض النقاد قالوا أننى "تنبأت" بسقوط النظام، فانهيار نظام "بن على" كان مفاجأة كبيرة لى ولأحزاب المعارضة، ومنذ فترة طويلة وأنا أفكر فى كتابة هذه الرواية، وفى كل زيارة لتونس كنت ألاحظ أن الوضع يزداد سوءًا.
فما عدت أحتمل السكوت عما يحدث من قمع للحريات وتردى لكافة الأوضاع، وشعرت أن واجبى يحتم علىَّ أن أكتب عما يحدث فى وطنى، ومن عالم الرواية رصدت حياة أسرة متواضعة تمتلك فيها المرأة حضورًا قويًا، لأتناول عالم أكثر رحابة يتجلى فيه فساد النظام وقمع السلطة وهيمنة الحزب الحاكم على البلد، لتكون روايتى إدانة لــ"بن على" فى سنواته العشر الأخيرة، وهى أسوأ الأعوام.
لقد ذهلت وأنا أرى النظام يسقط فجأة وبمثل تلك السهولة مما يعنى أن الأنظمة العربية كلها هشة وضعيفة بالرغم من التظاهر بالصلابة؛ لأنها أنظمة لا تستند لأية شرعية دستورية أو شعبية، كنت أتابع الثورة وأنا أبكى فرحًا حينما رأيت الشباب يتحدون النظام الشرس وكل أجهزته القمعية بدون خوف ويرفعون شعارات يطالبون "بن على" بالرحيل، وبكيت حزنًا عندما رأيت الضحايا يتساقطون برصاص القناصة.
ينظر لتونس على أنها نموذج الدولة العلمانية فى المنطقة العربية، اليوم نراها تتجه إلى الأسلمة، فهل ترى أن الجماعات الإسلامية والإخوان المسلمون استفادوا من الثورة التونسية؟
حتى الآن لا يوجد ما يدل على أن تونس تتجه إلى الأسلمة، صحيح أن حضور الإخوان أصبح أكثر برزوًا فى المجتمع التونسى، ولكن هذا أمر طبيعى، لأنهم يشكلون حركة سياسية مهمة، ولابد من معاملتهم مثل بقية الأحزاب، فهذه نتيجة حتمية للمناخ الديمقراطى الذى تعشيه تونس بعد الثورة، ولن يقبل أحد فى تونس أن يتم إقصاء أى حركة سياسية، وأعتقد أن الإخوان (حركة النهضة) لن يحكموا تونس، سيكونون بالتأكيد ممثلين فى البرلمان بعد الانتخابات التشريعية، وقد يكون لهم وزراء فى الحكومة التى ستنبثق عن البرلمان، ولكنهم ليسوا أقوياء لدرجة تمكنهم من اكتساح كافة الأحزاب، والأهم من كل هذا أنهم لن ينجحوا فى تغيير ما هو أساسى فى تونس وما تقوم عليه من علمانية، فالحركات السياسية الأخرى والجمعيات والمنظمات والنقابات والمثقفون وكل قوى المجتمع المدنى وهى تمتلك حضورًا مهما فى تونس سيحولون دون ذلك، وأعرف أن معركة كبيرة تنتظر كل المتنورين والرافضين لفكر الإخوان، ونحن مستعدون لخوضها.
هل ستدفعك الثورات العربية إلى الكتابة عنها؟
كتبت فى الصحف العربية والأجنبية عددًا من المقالات عن ثورة تونس، لكن الكتابة الروائية تحتاج لوقت طويل نستوعب فيه ما حدث، نحن الآن لا نزال نعيش تحت تأثير المفاجأة، إن ما حدث فى تونس وفى مصر زلزال كبير هزَّ كل شىء تحت أقدامنا، لا بد أن نفهم بعمق ما حدث، لا بد أن نتمثله جيدًا، وكل كتابة أدبية عن الثورة فى الوقت الراهن ستكون برأيى دون مستوى الثورة، وعلى أى حال أنا شخصيًا شبه متوقف عن الكتابة الروائية حاليًا، كنت أعمل على رواية جديدة، وبعد اندلاع الثورة ارتبك كل شيء لدى، وأحاول بصعوبة أن أستعيد إيقاعى المعتاد فى الكتابة.
لماذا لا تكتب بالفرنسية؟
أحب الفرنسية ويمكننى الكتابة بها، ولكننى أفضل اللغة العربية لأنها لغتى الأم، وقليل من كتاب المغرب العربى يكتبون بالفرنسية مثل الطاهر بن جلون، وذلك لأسباب خاصة بهم.
هل ستعود إلى تونس؟
أفكر جديًا فى العودة إلى تونس، فلقد زرتها بعد قيام الثورة بأيام قليلة وذهبت إلى ساحة القصبة حيث كان يعتصم الشباب التونسى للمطالبة برحيل حكومة الغنوشى، وأمضيت لحظات رائعة استثنائية وسط جموع الشباب الذين علمونا شيئًا أساسيًا وهو عدم الخوف من الأنظمة العربية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة