حنان شومان تكتب: هوامش فى دفتر أحوال مواطنة مصرية

السبت، 12 مارس 2011 12:14 ص
حنان شومان تكتب: هوامش فى دفتر أحوال مواطنة مصرية حنان شومان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مسرحية من ثلاثة فصول بدايتها " فجر يوم جديد" ونهايتها "خالتى فرنسا"
القوى الوطنية تؤدى دور نادية الجندى فى "سلملى على البتنجان"

توقفت عن الكتابة منذ يوم 28 يناير، فكان آخر مقال كتبته كصحفية محترفة بعنوان "لا نريدها حربا أهلية"، ففى ذلك اليوم لو تذكرون خرجت جماهير أغلبها مدفوع وبعضها برغبة خاصة مؤيدة لمبارك مقابل ملايين غاضبة رافضة مبارك، ثم حدثت معركة طاحنة فى ميدان التحرير عُرفت باسم "معركة الجمل والبغال".
ثم أخذتنى الأحداث والأيام، ليس كصحفية، بل كمواطنة مصرية وأم لشاب قرر أن يكون بين الثوار، فقررت كأم أن أصحب ابنى فيما هو ماضٍ إليه فإن مات مت معه، وإن عاد مهزوما أو منتصرا عدت كما عاد.

واليوم أعود للكتابة، ليس كصحفية محترفة، ولكن كمجرد مواطنة تخط بيدها هوامش على دفتر أحوال حياتنا، ولهذا فلا عتاب على قلمى إن تحدث عن إعلام أو صحافة أو ناس كنت كصحفية فيما سبق أكف قلمى عنهم، ولكنى اليوم أستطيع لأنى أكتب كمواطنة وأم، فلست منهم.

أنا مجرد راصدة لمسرحية من عدة فصول حتى الآن ولكنى لا أعرف خاتمتها، ولا أظن أن أحدا غيرى يعرف.

الفصل الأول: المشهد الأول:
مظاهرات يوم 25 يناير، ثم تأتى الجمعة الحزينة يوم 28 يناير نعيش وأعيش أحداثا جساما بدا لى رغم عنفوانها أننى أحيا فى يوتوبيا أو مدينة فاضلة، برغم أنى كنت أعيش فى الشارع، وكم كنت أكره شوارع القاهرة قبل ذلك، ولكنى فى تلك اللحظات والأيام العصيبة كنت أحبها.
المشهد الثانى:" فجر يوم جديد"
يتنحى ويخرج الطاغية الغافل إلى غير رجعة، فأرقص وأضحك وأسعد كملايين الناس ونقضى ليلة العمر، ثم يأتى الصباح وكأنه فجر يوم جديد فأمشى فى الشوارع أكاد أحتضن كل من وما فيها مستنشقة هواء مختلفا، وأشعر كأن الصِّبا ما رحل.. والحلم بات واقعا وزمن واقعية الكوابيس قد رحل إلى غير رجعة.

الفصل الثانى: المشهد الأول:
تتواتر الأحداث ولا معنى لأن أعيد على الجمهور تفاصيل ما حدث من وقائع يومية سياسية، تغييرات فى الوزارات أو قبض على مسئولين سابقين، أو بيانات عسكرية أو غياب شرطة، فكل ما حدث يعرفه الجمهور، لكن أهم ما فى الفصل الأول هو نهاية مرحلة الأحلام وزمن أيام المدينة الفاضلة، ويظهر قبح وجه القاهرة الهادرة بل تزداد قبحا، والفضل كل الفضل لأبنائها الذين ما إن انتهوا من القبض بيد من حديد على رقبة الطاغية حتى مدوا الأيدى نفسها الحديدية، ولكن على رقاب بعضهم البعض، فمسك الكل فى تلابيب الكل، فى خناقة لا متناهية ولا أحد فيها رابح، لأنها تسير على نفس قواعد اللعبة التاريخية القديمة صاحب الصوت العالى يكسب ولو حتى مؤقتاً، وما أدراكم ما أصحاب الصوت العالى الآن، فبئس ما يقولون وبئس أصواتهم، وفى المشهد الثانى بعض من ملامح هؤلاء.

المشهد الثانى:
1ـ ثبات فى المنظر ولكن كل من على المسرح يخلع ملابسه ويبدلها أمام الجمهور مع اختفاء حمرة الخجل، حتى الجمهور نفسه صار يشارك فى عملية تبديل الملابس والوجوه.
2 ـ كل الصحف فجأة تحولت إلى صحف صفراء بالغل، وحمراء مثل ليالى الدعارة، وسوداء كوجوه الكاذبين، الكل يكتب دون أدنى ضوابط مهنية أو أخلاقية، فمن يدعى اليوم من الصحفيين أن الفساد الذى يكتب عنه هو مفاجأة له، فهو إما كاذب أو فى أفضل الأحوال صحفى خايب.

فكلنا وكلنا هنا أعنى بها كل من كان لديه طرف من معلومة فى المجتمع، كان يعرف أن الفساد يدب فى أوصال الوطن حتى النخاع، أوليس من المفارقات الكوميدية أن زكريا عزمى أحد أقطاب حكم مبارك قال فى التسعينيات: "إن الفساد وصل للركب"، فإن كان هذا رأى الفاسدين المفسدين فماذا عن الراصدين أو الإعلاميين؟!

أما وإن كان هناك صحفى يكتب الآن عن الفساد متعجبا فهو ثانية إما كاذب أو خايب، وفى الحالتين ما بين الكذب والخيبة لا معنى الآن لأن تقرأ إلا من باب النميمة.. ولعجبى فإن حتى ما يُكتب عن الفساد للأسف كله دون مستندات وكلام مرسل، فيبدو أغلب الصحافة المطبوعة مثل كلامى المقاهى -أى مار أو عابر سبيل- يستطيع الكتابة فى أى شىء وحول أى شىء.
وما سأرصده هو مجرد أمثلة من بعض الطوائف، فهل يُعقل أن أحدا ممن يكتبون عن الفساد مثلا فى ماسبيرو هو ذاته كان متهما متلبسا بقضية زيى "أى رشوة" كاد على أثرها أن يتم رفده من صحفيته.

هل من المنطقى أن تُكتب عناوين فى صحف على لسان مثلا الممثل عبده الوزير: "لولا الفساد لكنت نجما" والممثل أحمد عبد العزيز الذى نشروا قوله بأن نجوميته تأثرت بسبب الفساد.. ما هذا الهراء؟!
فتبدو لى الصحف وعناوينها وكأنها تهيص فى الهيصة.
فكل الهراء الذى كان يحدث فى الصحافة سابقا كوم، والآن هراء الصحافة كوم آخر كارثى.

المشهد الثالث.. ظهور خالتى فرنسا الغجرية
3ـ والله هذا سؤال شديد البراءة من مواطنة شديدة البراءة لماذا أكثر من 90 % من بلاغات الفساد التى يحقق فيها حالياً النائب العام مصدرها صحفى واحد، فهل كان يعلم كل هذا وأبقاه كأوراق ضغط على مسئولين فى البلد لوقت عوزة أم أنه بعد ثورة 25 يناير وجد فانوسى علاء وجمال الدين لكشف الفساد والله سؤال برىء!!
من غرائب الحياة الآن فى الصحافة أن الصحف تنشر اتهامات تطال رجال أعمال ومشروعات ثم نفس هذه الصحف تنشر إعلانات مدفوعة للرجال أنفسهم وذات المشروعات تقول إن ما ينشر كذب وافتراء ، وهو ما لا أفهمه فأنا كمواطنة أصدق من؟!
كنت فيما سبق أقول وأكتب فى مواقف كثيرة بأن مبدأ الغجرية ست جيرانها صار فى المجتمع المصرى، ولكنى الآن أستحيى خجلا مما كنت أقول، فإن كان ذلك يحدث سابقا فى بعض الحالات، فإن مصر الآن كلها تحولت إلى حالة غجرية عامة، أو على الأصح كلنا تحولنا إلى خالتى فرنسا، وفى الطليعة الصحافة والإعلام التى جرت المجتمع كله إلى حالة ردح عامة، وللحق فإن الأعلى صوتا الآن فى الردح هم الفاسدون سابقا ولاحقا.

فلتنسوا أو لا تنسوا كل الأخبار التى تقرؤونها وإليكم خبرا واحدا نشرته الصحف يقول إن المخرج حسنى صالح قرر أن يؤجل تصوير مسلسله القادم لأجل غير مسمى بسبب تهديده، لأنه قرر أن يعطى أدوارا لبعض الوجوه الجديدة، وحددها بالاسم، فإذا ببعض خريجى معهد المسرح يهددونه بالقتل والحرق لو لم يكونوا بين هذه الوجوه، لأن حقهم أن يعملوا، فحتى التمثيل والفوز بدور فى مسلسل سيسير على مبدأ "خالتى فرنسا"، فبعد أن كنا نعانى من البلطجة فى مواسم محددة صارت البلطجة قانونا والاعتصام شرفا والتهديد قوة، وصرنا جميعا"خالتى فرنسا".

المشهد الرابع "الجمهور عايز كده"
كانت عبارة "الجمهور عايز كده" هى دائما عبارة يستخدمها منتجو الأعمال الفنية الفاسدة لتمرير أعمالهم ولتبرير عدم قدرتهم على مواجهة فساد الذوق.
فى زمن مضى كنت أقف لمثل هذه العبارة بالمرصاد حين كان حيز استخدامها الوسط الفنى أو السينمائى، ولكنى الآن لا أستطيع أن أواجهها فهى تقتلنى لأنى الآن أعيش فى بلد كل ما فيه ومن فيه يرفع شعار "الجمهور عايز كده"، دون أن يتساءل بضمير حى: هل الجمهور على حق أم أنه يحتاج لبعض ثقافة حتى يعرف ما يريد أو يستطيع أن يفعل ما يريد؟
المشهد الخامس: "القوى الوطنية وسلملى على البتنجان"
ما كفرت بوطنى يوما حين كان يحكمه الطغاة، ولكننى الآن كفرت به حين يتحدث فيه أمام الكاميرات من يطلقون عليهم القوى الوطنية، فما أقبح هذه الكلمة! وما أقبح تلك الوجوه التى لا تستحيى! فلكل منهم حكايات مثل ذاك الذى دفع بواحد لينتحل اسم ابنه ويؤدى بدلا منه الامتحان.. فهذا من بين الرموز الوطنية.

فغريب أمر الناس سواء قوى وطنية أو غير وطنية، كرهوا الطاغية لأنه أراد أن يولى ابنه، وهم الآن من يتظاهرون ويصرخون مطالبين أماكن عملهم بتعيين أبنائهم.

الفصل الثالث: "التفاحة المعطوبة"
المشهد الأول:
فى زمن مضى قال الفيلسوف الروائى برناردشو : لو أن كلا منا لديه تفاحة وتبادلناها، لصار كل منا فى نهاية المطاف لديه مجرد تفاحة، ولكن لو أن لدى كل منا فكرة وتبادلناها لصار لدى كل منا عديد من الأفكار.. واسمحوا لى أن أضيف على قول شو تساؤلا: فماذا لو أن كلا منا لديه تفاحة ولكن معطوبة وتبادلها مع الآخر ألن يصير العطب لغة التبادل؟ وهو ما أظنه يحدث فى الفصل الثالث.. فصل التعصب الدينى والنوم على الأسفلت اعتراضا.
المصريون الآن فى الفصل الثالث يتبادلون التفاح المعطوب.

أما أنا فأقسم أنى ما عدت أريد أن أشاهد بقية المسرحية، ولا أن أرصدها وأحكيها، لأنى أبحث عن تذكرة سفر بلا عودة فابحثوا أو لا تبحثوا عن آخر يكملها لكم.
الختام.. أنا مجرد مواطنة مصرية لم يعد لدى رغبة فى نقاش التعديلات الدستورية، ولا ترتيب انتخاب الرئيس قبل المجلس التشريعى أم بعده.. أو تحليل كلمة ثورة مضادة لأنى ببساطة أبحث عن رحيل آمن.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة