عجيب أمر حكامنا العرب.. يظنون أن صبر الشعوب على قراراتهم وأحكامهم وأساليبهم الالتوائية فى محاولة إخضاعهم أمر لن ُيفلت زمام الأمر من بين أيديهم.
على غير العادة نجد الشعوب العربية معظمها وليس كلها بدأت تثور وتغضب ولا تهدأ.. لم يعد يجد معها المسكن لآلامهم ولا الكى بالنار ولا البتر.
كانت بالأمس الجزائر وتونس ثم بدأنا نسمع عن الأردن وهناك دول فى طريق الانتفاضة والثورة ليس ضد الاستعمار ولكن ضد أنظمتها.
وبالتالى فإن فكرة الانقلاب على الحاكم لم تعد فكرة من ضرب الخيال ولم تعد وسيلة قتل الحاكم ليخلفه القاتل كما كان يحدث من قبل وسيلة للتغير ولم تعد الانقلابات من الخارج ولم تعد الانقلابات مدعومة من الدول الأجنبية حتى تسقط نظاما ملت منه وتريد عميلا جديدا فى المنطقة.
لم تعد الصورة كذلك بل أصبحت مغايرة فالتغير يأتى من الداخل والتغير يأتى من الم الكادحين المطحونين الباحثين عن الخبز والحرية.
على غير العادة وجدنا شعبا اسمه التوانسة استطاع ألا ينخدع بالوعود البراقة التى سعى لسحرهم بها الرئيس المنخلغ أو المخلوع أو الفار أو الهارب أو المختفى أو ما شاء لك أن تقول فقل، المهم أن الرئيس زين العابدين بن على أخذ ميراثه من كراهية شعب بأكمله فضلا عن خيرات البلاد ورحل.
ثلاثة وعشرون عاما كان فيها جاثما على أنفاس الشعب التونسى وهى ليست مدة قصيرة لكنها ليست أطول من مدد أخرى لنظرائه من حكام العرب الذين تجاوزوا الثلاثين والأربعين عاما فى حكم بلادهم، ويظنون أن العطاء مازال مستمرا طالما أن القبضة مازالت حديدية.
كان لابد من ثورة التوانسة لأن الوضع كان مخزيا، فدولة فى حجمها واتصالها بأوروبا لم تستطع أن تتنسم الحرية الأوروبية ولا حرية من نوع إفريقى خاص كالتى نجدها فى ساحل العاج أو ما يسمى بكوت ديفوار.
وصلت تونس الخضراء لمرحلة متدنية من الحريات فهى 144من بين 164 على العالم فى تطبيق الديمقراطية، 143فى حرية الصحافة!!
استطاع بن على أن يلعب على وتدر أن تكون تونس بلدا رأسمالية وكانت النتيجة أن تحكم فى تونس عائلات ثلاثة فى الاقتصاد التونسى من تجارة وصناعة وزراعة وشركات الاتصالات والإنترنت والسياحة ومساحات زراعية شاسعة وهى عائلات "الطرابلسى" و"بن عياد" و"بن يدر".
ويقال إن بن على وافق على بناء قواعد أمريكية على أراضى تونس لاستقبال قاعدة الأفريكوم بعد أن بقيت لسنوات عديدة فى شتوتجارت الألمانية ومقرها الجديد هو قاعدة سيدى حمد فى بنزرت رغم نفى حكومة تونس وعدم نفى أو تأكيد الولايات المتحدة إلى أن هذه الخطوة لقيت رفضا من المواطنين خصوصا وأنالشواهد دلت على ذلك وهى وجود قوات أمريكية بسواحل كاب سرات وجالطة.
المعتقلات التونسية حدث عنها ولا حرج فخيرة أبناء تونس حافظ عليهم النظام جيدا ووضعهم فيها لذا ليس غريبا أن تجد الأكاديميين والمثقفين من الأدباء والمحامين وأساتذة الجامعات فى غياهب السجون.
كل هذا كان الخفى عن أعين الرقباء والإعلام اللهم إلا شذرات تخرج على استحياء تصور الوضع المأساوى لشعب تونس، لكن ورقة شجرة التوت كما سقطت من شجرتها بفعل الرياح سقطت من على سوءة من كان يحتمى بها بفعل رياح التغير.
كانت الورقة التى تستر العورة هى أن تونس البلد الاقتصادى الرأسمالى الذى يمضى قدما فى مراحل الاقتصاد والنمو والقضاء على الفقر والعشوائيات.
كانت تخرج التصريحات الكاذبة كغيرها من البلدان العربية التى تعلن عن ارتفاع مؤشرها فى البورصة وانخفاض حجم الدين العام وانخفاض التضخم وزيادة فرض العمل وحل مشكلة البطالة.
كانت ورقة التوت تستر فضائح أنظمة استبدادية تتستر على الفساد والمفسدين والرشوة والمحسوبية.
وكان الشعب هو الذى سعى إلى التغير ذلك التغيير الذى هو حلم الشعوب العربية كلها، فلماذا لا يكون التغيير من قبل الأنظمة الحاكمة؟ قبل أن تتعرض للتغير بأيدى الشعب نفسه.
لابد من استقراء الأحداث جيدا ولابد من إعادة جدولة ديون الأنظمة الفاسدة، فخير لمن يظلم أن يعدل اليوم، وخير لمن يفسد أن يصلح، وخير لمن يقهر شعوبه أن يأخذهم باللين والرأفة، كل ذلك خير من أن ينقلب الشعب على من وقف إلى جانبه يوما وخير من أن يسعى أى صاحب سلطان إلى التسول إلى الدول حتى تقبله كأحد اللاجئين، وخير له من أن يموت على أرض وتراب بلده لا أن يموت طريدا شريدا، وخير له من أن يترحم عليه الناس ويذكرونه بكل خير من أن يلعنوا اليوم الذى ولد فيه.
من الممكن للأنظمة الحاكمة فى الوطن العربى أن تعيد الثقة المفقودة بينها وبين شعوبها ومن الممكن أن تعيد حساباتها، ومن الممكن أن تبدأ صفحة بيضاء بمعنى الكلمة وإلا فثورة الشعوب غضبة، وغضبة الشعوب نار تمتد ولا يوقفها مدفع أو بارود.
فحياة بكامل الحرية أو موت فى سبيل الحرية.
وسام البحيرى يكتب: انتفاضة التوانسة محلية الصنع
السبت، 22 يناير 2011 12:32 ص
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة