أزمات مستمرة فى المياه والكهرباء.. ومدرسة وحيدة بلا معلمين.. ولا مقابر لدفن الموتى

"موسى" و "الخضر".. قريتان "منسيتان" بلا خدمات بالفيوم

الأربعاء، 08 سبتمبر 2010 01:40 ص
"موسى" و "الخضر".. قريتان "منسيتان" بلا خدمات بالفيوم أهالى القرية محرومون من أبسط الخدمات
كتب محمد الريفى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قد تتشابه الحروف وأشكالها وتختلف المعانى ودلالاتها وقد تطلق نفس الأسماء على كثير من الأشخاص والأماكن، ولكن هيهات أن تكون لها نفس الدلالات، ففى سالف الأيام عوقب قوم (موسى) عليه السلام بالتيه فى الصحراء لمخالفتهم أوامر الله تعالى.

وفى حاضر أيامنا يعيش أهل (سيدنا موسى) القرية الصغيرة من قرى الفيوم فى تيه صحراء مركز يوسف الصديق، لا لأنهم خالفوا، بل لأنهم يرجون حياة كريمة بسيطة تحفظ آدميتهم.

رحلة فى قلب الصحراء عبر طرق ضيقة ملتوية تقطع خلالها عشرات الكيلومترات لكى تصل لتلك القرية القابعة فى قلب الصحراء كطفل يتيم انقطعت به السبل.

"سيدنا موسى" و"الخضر" قريتان صغيرتان، لا يفصل بينهما سوى طريق يخترق وسط هاتين القريتين، أو بمعنى أصح القرية الواحدة ذات الاسمين، والتى هى ابن شرعى لمركز "ولد لقيطاً" على حد قول أحد مهندسى التخطيط العمرانى والإقليمى بالمدينة.

وكأن هذا المركز اللقيط أبى إلا أن يتنكر لابن من أبنائه، فيلقى به فى غياهب الصحراء محروماً من كل ما يقيم الحياة ويحفظ استمرارها.

15 عاماً هى عمر ذلك المركز، وهى أيضاً عمر هذه القرية.
فى الطريق إلى تلك القرية المحرومة، تستوقفك مشاهد خلابة، ولكنها تضع الكثير من علامات الاستفهام؛ ففى الطريق ترى بحيرات وشلالات وادى الريان، تلك المنطقة السياحية الجميلة التى يأتى إليها السائحون سواء من أبناء المحافظة أو غيرها للنزهة والاستمتاع، وعلى نفس الطريق ترى منطقة وادى حيتان وهى منطقة أثرية تم تصنيفها "منطقة تراث عالمى" والتى يُنفق عليها عشرات الملايين لتحويلها إلى محمية طبيعية قامت حرم السيد رئيس الجمهورية بافتتاحها منذ أشهر قليلة؛ إلا أن سيدة مصر الأولى وهى تفتتح تلك المحمية الطبيعية، لم تكن تعلم أنه على بعد كيلو مترات قليلة يوجد بشر منسيون، وأن هذه الحيتان المتحجرة أفضل حظا منهم، لأنها وجدت من يتذكرها وينفق عليها لحمايتها حتى بعد موتها وتحجرها.

عندما تصل إلى مشارف هذه القرية يخالجك شعور لابد أن يشاركك الآخرون فيه، هو أن المكان برمته ليس إلا مجموعة من المقابر.
نعم هذا المكان الذى يعيش به أكثر من خمسة آلاف نسمة، ويحوى أكثر من ألفى منزل لا يوحى إليك منذ الوهلة الأولى إلا أنه مجموعة من المقابر، فالشوارع خالية حتى فيما يفترض أنها ساعات الذروة، البيوت القصيرة ذات التصميم المتماثل، والأشجار الجافة والمحترقة على جوانب الطرق بسبب قلة المياه. هذا من ناحية الشكل والعمارة، أما من ناحية واقع أهل القرية وكيف يحيون، فإن كل كلمة من أهل القرية تقطر حزناً وأسى على واقعهم المرير، الذى أسهم فيه قانون العلاقة بين المالك والمستأجر، والذى حوّلهم إلى مخلوقات بدون مصدر رزق، فالغالبية العظمى من سكان القرية ينتمون لمحافظات (بنى سويف، أسيوط، كفر الشيخ) وغيرها من المحافظات، وقد تركوا مسقط رأسهم من أجل فدانين ونصف الفدان، اتضح أن غالبيتها لا تصلح للزراعة، إما بسبب سوء التربة التى تحتاج إلى جهد ونفقات عالية لاستصلاحها، وإما لقلة المياه التى تمثل معاناة لهؤلاء المزارعين.

قابلنا أحد سكان القرية الذى قال لنا: "إنها قرية ميتة، فالكهرباء لا تأتينا إلا خمس ساعات فى اليوم من المغرب إلى بعد منتصف الليل من خلال "ديزل" يعمل مرة ويتعطل مرات، أما مياه الشرب، فمن خزانات بالشوارع تحمل الأمراض أكثر مما تحمل المياه".

سألناه عن التعليم فى القرية، فقال: "فى قرية موسى توجد مدرسة ليس بها معلمون، والمعلم الذى يأتى للعمل بالمدرسة يذهب ولا يعود، أما فى قرية الخضر، فقد أغلقت المدرسة".

ذهبنا إلى المدرسة التى أغلقت، فوجدناها عبارة عن مبنى متهالك مهجور منذ سنوات يحمل لوحة مكتوب عليها بخط أشبه بخط طفل:" مدرسة سيدنا موسى للتعليم الأساسى".
قاطعنا "رشاد.ص" أحد أبناء القرية، قائلا: "حتى الوحدة الصحية لا يوجد بها إلا شخص لا يعرف كيف يعطى حُقنة، وإذا أتت قافلة طبية خيرية إلى المكان فإن الأمر يكون أشبه بالصراع عليها"، وهو ما أكد عليه "رمضان.ط" مدير الجمعية الأهلية ، قائلاً: "إن أى شخص يأتى لتقديم مساعدات غذائية أو طبية فإنه يواجه مشكلة، وهى أن ما يحمله من مساعدات يمكن أن يؤخذ منه بالقوة نظراً لشدة الحرمان الذى يعانيه أهل القرية، وأيضا لأن أغلب ما يحيا به أهل هذه القرية هو من المساعدات الخيرية".

فى طريق عودتنا، قابلنا أحد المواطنين، وهو من مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، ويعمل فى تجارة الأراضى، يقول: "اشتريت أرضًا فى القرية منذ خمس سنوات، وأنا الآن أسعى للتخلص منها بأى شكل، فهذه القرية لا أمل فيها على المدى القريب".

"موسى والخضر" قريتان، أهلهما يملكون ولكنهم لا يجدون ما يأكلون، يعانون ظلمة الليل بلا كهرباء، وعطش النهار بلا ماء، ويمرضون ويموتون دون أن يعيرهم أحد اهتماما.

تبقى المفارقة المضحكة المبكية، وهى أن القريتين اللتين تبدوان كمقبرة كبيرة، هما فى الحقيقة تعانيان من عدم وجود مقابر لدفن الموتى، فمن يدركه الأجل عليه أن يذهب راحلاً( كما جاء راحلاً) ليدفن فى بلدته التى منها أتى، وكأنه عاش غريبا كادحاً، ومات غريباً وحيداً .

-----------------------------------------------------------------------------
* فى إطار مشروع "المواطن الصحفى" التابع للمركز الدولى للصحفيين- إشراف محمد الجالى































مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة