أكد عدد من الخبراء السياسيين والإستراتيجيين، أن "الأمن القومى العربى" سينهار عاجلاً أم أجلاً، وأن المسألة لا تتعدى مرور الوقت فقط، وذلك بسبب توافد العديد من العناصر الخطيرة بالمنطقة العربية التى تهدد أمن المنطقة وزعزعة استقرارها.
وقال الدكتور محمد شفيق زكى رئيس المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط، خلال الندوة التى عقدها المركز على مدار يومين تحت عنوان "تحديات الأمن القومى العربى"، إن مفهوم الأمن القومى لم يعد قاصراً على الأمن بمعناه الضيق، أى حماية أراضى الدولة فى مواجهة أية اعتداءات خارجية، بل اتسع المفهوم بحيث يمكن القول بأن المقصود بالأمن القومى العربى، هو الإدراك العميق للمخاطر التى يمكن أن تهدد الأمن والاستقرار بالمنطقة.
وأكد شفيق على ضرورة وجود إستراتيجية لمواجهة التهديدات والمخاطر الإقليمية المحيطة بالمنطقة من جميع الاتجاهات، وذلك بتوفير العناصر اللازمة لحشد القدرات التى تكفل النجاح فى التصدى، مضيفاً بأن الأمن القومى العربى يواجه فى الفترة الحالية تحديات غير مسبوقة ومستوى من المخاطر لم تشهدها المنطقة على هذا المستوى فى تاريخها السابق، سواء فى إطاره العام أو فى أنظمته الفرعية.
وأضاف شفيق، أن مصادر التهديد للأمن القومى العربى، متعددة ما بين مصادر رئيسية وأخرى ثانوية تمتد على مساحات واسعة، وتتشابك قضاياها ما بين الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية المحتلة، والانتشار الأمريكى المتزايد فى الخليج العربى ودول المغرب العربى، بالإضافة إلى الدور العسكرى المتزايد لإيران، ومواصلة تنظيمات العنف المسلح نشاطها وتهديداتها الخاصة فى اليمن والصومال والمغرب العربى، فضلاً عن قضايا الفساد وتراجع مؤشرات التنمية والإصلاح السياسى فى عدد من الدول العربية.
وأوضح أن كل ما يحدث فى السودان والعراق ولبنان واليمن يفرض ضرورة اتخاذ مواقف عربية موحدة أكثر جدية، وجهداً عربياً يدعم استقرار تلك الدول، ويسهم فى الحفاظ على كيانها، وتقديم الدعم اللازم لها، مؤكداً على أن ما يحدث ليس شأناً داخلياً، ولكنه شأن قومى عربى بالدرجة الأولى.
وقال رئيس المركز، إن التهديدات التى يواجهها الأمن القومى العربى، ترتبط فى جانب منها بالتدخلات الإقليمية والدولية، وتناقض السياسات بين الأطراف ذات المصالح فى المنطقة، وهذه التدخلات لا تساهم فى تهدئة الصراعات، ولكنها السنوات الأخيرة أخذت تغذى الصراعات الداخلية الكامنة داخل العديد من الدول العربية، وأصبحت طرفاً أساسياً فيها.
فيما أكد الدكتور كمال المنوفى، أستاذ السياسية بكلية السياسة والاقتصاد جامعة القاهرة، أن المخاطر التى تهدد الأمن القومى العربى فى الفترة الحالية، تتعدد مستوياتها وتتداخل، حيث إن ما تشهده بعض الدول العربية من تطورات داخلية، أصبحت تمثل تحدياً خطيراً ليس على الأمن الوطنى فى كل دولة منها، ولكنها تمس الأمن القومى العربى بصفة عامة، مشيرين إلى ما حدث فى كل من العراق ولبنان واليمن والسودان من تطورات تحمل معها الكثير من المخاطر.
وعن التطورات على الساحة اليمنية وتأثير ذلك على الأمن القومى العربى والمصرى، أوضح الدكتور عبد الحليم المحجوب الخبرى فى الشئون العربية، أن التهديدات المحيطة بالوطن العربى تبدأ من موريتانيا غرباً وحتى الخليج العربى شرقاً، وأنه أصبح لا يوجد مفهوم للأمن القومى العربى، حيث سيطرت القطرية بين الدول على القومية.
وعدد المحجوب أزمة اليمن فى خمس نقاط، أولها أزمة النظام السياسى نفسه بسبب الفساد الإدارى وسوء إدارة الموارد الاقتصادية بصورة عادلة على الشعب، وثانيها الحراك الجنوبى فى جنوب اليمن والتهديد بالانفصال، وثالثها حروب الحوثيين بسبب تفشى الفقر، ورابعها انتشار تنظيم القاعدة فى الجنوب وتحالفها مع بعض القبائل، خاصة بعد عودة "الأفغان العرب اليمنيين الأصل" مرة أخرى لليمن، وخامسها التواجد العسكرى الأجنبى فى اليمن، خاصة بجزيرة "سوقطرة"، التى أصبحت قاعدة عسكرية جوية ضخمة للجيش الأمريكى، بما فى ذلك المطامع الإسرائيلية منذ السبعينيات للسيطرة على جزر البحر الأحمر فى الجنوب بمساعدة أثيوبيا للتحكم فى الملاحة البحرية وإمدادات البترول والتأثير على قناة السويس.
وأكد المحجوب على أن الانتشار الأمريكى المتزايد فى المنطقة وأطماع إسرائيل المتكررة تهدد الأمن القومى برمته، مضيفاً أن اليمن بحكم موقعه الإستراتيجى المطل على الممرات الملاحية بالبحر الأحمر يجعله مطمعاً دائماً لكل من تل أبيب وواشنطن لفرض نفوذهما على المنطقة.
ودعا المحجوب القادة والزعماء العرب خلال قمتهم المقبلة فى مدينة "سرت" الليبية إلى أن يضعوا التهديدات المحيطة بأمن البحر الأحمر نصب أعينهم، خاصة الطموح الإسرائيلى المتزايد للسيطرة عليه ومواجهة القرصنة بشكل عملى.
وفيما يخص التطورات اللبنانية وتأثيرها على الأمن القومى العربى، أكد الدكتور حسن أبو طالب مدير معهد الأهرام الإقليمى على أن غياب الرؤية التوافقية وغلبة الشقاق السياسى هى السمة السائدة فى الأزمة اللبنانية الجارية، موضحاً أن السمات السياسية العامة فى لبنان تتمثل فى الطائفية السياسية، بالرغم من قرار الطائف عام 1989 بإنهاء الطائفية السياسية، وأن لبنان أصبح ساحة لحسابات إقليمية خارجية، بالإضافة إلى التهديدات الإسرائيلية المتكررة والمستمرة بكافة الأشكال.
وأضاف أبو طالب، أن تعدد التيارات السياسية المتوافقة مع المذاهب والطوائف، بالإضافة إلى عدم اكتمال مشروع الدولة ذات المؤسسات القادرة على ممارسة دورها، وارتباط التوازن بين القوة السياسية بامتدادات إقليمية ودولية كلها سمات أساسية للسمات العامة فى الوضع السياسى اللبنانى الحالى.
وعن التطورات السودانية وأزمة استفتاء الجنوب قال، أكرم حسام، الخبير فى الشئون السودانية بالمركز القومى لدراسات الشرق الأوسط، إن قضية الوحدة أو الانفصال كانت وما زالت محور الاهتمام الأول والأكثر أهمية داخل الساحة السودانية وعلى الأمن القومى العربى، وذلك نظراً لما تمثله من أهمية بالغة فى رسم معالم وتحديد مستقبل الدولة السودانية ليس فقط على المدى القريب، بل لعقود قادمة، معرباً عن قلقه من أن يواجه السودان مستقبلاً يصعب التكهن بملامحه واتجاهاته وتأثيره على كل المستويات.
وحذر حسام، من أن قرار الانفصال كأحد الحلول التى يمكن تطبيقها داخل السودان بتشجيع وتأييد دولى سيشجع مناطق الصراعات الأخرى التى تعانى من التهميش وضعف التنمية كإقليم دارفور، وظهور مطالبات أخرى بالانفصال وفقاً لحق تقرير المصير، مضيفاً أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد، حيث إن مناطق التماس بين الشمال والجنوب المعروفة بتمازج قبائلها بين الشمال والجنوب بثقافتهم وهويتهم سيطالبون بمطالب مماثلة لسكان الشمال.
وعن المفاوضات المباشرة الجارية حالياً بين كل من الإسرائيليين والفلسطينيين، أكد السفير حسن عيسى سفير مصر السابق لدى إسرائيل أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو لن يستطيع أن يتوصل لأى حل مع الفلسطينيين، وذلك حتى لا ينهار إتلافه الحكومى، فى الوقت الذى يقول فيه رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إنه سيدرس استئناف المفاوضات أو تجميدها بسبب قرار الحكومة الإسرائيلية بإنهاء قرار تجميد البناء فى المستوطنات.
وشدد عيسى على عدم الخلط بين مصطلحى "يهودية الدولة" و"الدولة اليهودية"، حيث إن الأول تستخدمه الحكومة الإسرائيلية دائماً فى المجالس الدولية، حيث إنه يعتبر مصطلحاً خطيراً للغاية لما له من مفهوم يؤكد على ضرورة كل من هو ليس يهودياً خارج الأراضى المحتلة بما فيهم عرب 48، مما يعنى أن الحكومة الإسرائيلية تتخذ مواقف متطرفة وعنصرية للغاية حتى أثناء جلسات التفاوض.
وفى السياق نفسه ألقى الدكتور سمير غطاس الخبير فى الشئون الفلسطينية الضوء على بعض النقاط الهامة حول أهمية الاستيطان بالنسبة للحكومة الإسرائيلية وللإسرائيليين وأهمها تقسيم الضفة الغربية بقطاعات طولية وعرضية حتى لا يسمح بقيام دولة فلسطينية مستقبلية وصعوبة تحقيق ذلك، بالإضافة إلى زيادة أعداد المستوطنين اليهود والذى وصلت أعدادهم لربع مليون مستوطن خلال السنوات الأخيرة مقابل نحو 2,5 مليون فلسطينى بالضفة الغربية، وذلك لتحقيق أغلبية ديموجرافية لليهود بالضفة.
وأضاف غطاس، أن تل أبيب تتعمد بناء المستوطنات على أراضى بها مياه جوفية وفيرة للاستيلاء عليها وحرمان الفلسطينيين منها، بالإضافة للسيطرة على القدس بالكامل ومنع تقسيمها لتكون عاصمة لدولتين.
فيما أكد الدكتور طارق فهمى الخبير الإستراتيجى بالشئون الإسرائيلية بالمركز على أن إسرائيل دخلت المفاوضات الجارية للبحث عن صراع، وهو صراع عن أمنا القومى لا من أجل إيجاد حلول سلمية تخدم الطرف الآخر، حيث أشاع المفاوض الإسرائيلى منذ اللحظة الأولى خلال المباحثات على أهمية الحدود لشكل الدولة المستقبلية وضمان أمن إسرائيل فى المرتبة الأولى.
خبراء إستراتيجيون يحذرون من انهيار الأمن القومى العربى: تل أبيب تسعى للسيطرة على جزر جنوب البحر الأحمر للتأثير على الملاحة بقناة السويس.. والنفوذ الإيرانى يهدد مصالح مصر والعرب
الأربعاء، 29 سبتمبر 2010 11:27 م
الدكتور محمد شفيق زكى رئيس المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة