طالما ابتعدت الدراما المصرية التى تناولت حياة المصريين فى الأحياء الشعبية عن الصورة الحقيقية للواقع، حيث دأب صناع هذه الأعمال غالبا الاعتماد على الصورة الكلاسيكية للأحياء الشعبية التى تظهر فيها الفتاة الشعبية ترتدى الملاية اللف، حتى مع تجاوزنا العقد الأول من الألفية الثالثة.
أما مسلسل "الحارة" الذى يعرض فى الموسم الرمضانى الحالى يتقدم صورة حقيقية عن الحارة المصرية، هى الأقرب للواقع الذى تعيشه شريحة المصريين فى مثل هذه المناطق، حيث تسيطر على حياتهم العشوائية والفقر والمرض والجهل حتى مع تباين الظروف فواقعية العمل تفرض أنه بالتأكيد ليس كل سكان الحارة من الكادحين أو الجاهلين أو ضحية المرض، الحارة الواقعية التى رأيناها فى مسلسل الحارة هى مجهود مشترك بين والسيناريست أحمد عبد الله والمخرج سامح عبد العزيز الذى بلغا فى أعمالهما الأخيرة درجة كبيرة من النضج.
فى حارة سامح عبد العزيز وأحمد عبد الله نجد تركيبة من الشخصيات التى يراها المشاهد معه فى حياته بل ربما يكون المشاهد نفسه أحد شخصيات هذه الحارة أو من بين جيرانه أو أقاربه نظرا لما تحمله هذه الشخصيات من تفاصيل حقيقية، لنجد "جدعنة" المرأة المصرية متمثلة فى شخصية سناء أو "رانيا يوسف" المرأة التى يصاب زوجها بعجز جسدى وجنسى فتظل بجانبه وتخرج للعمل للإنفاق عليه، فى حين نجد الجشع فى شخصية شقيقها "فتوح أحمد" الذى استغل وفاة والدهما ونصب عليها وأخذ ميراثها، ذلك بينما نجد تمام "صلاح عبد الله" الشخص المتشدد دينيا وأخلاقيا، ابتعد فيها عن النمط الكلاسيكى الذى يطلق لحيته ويلبس الجلباب إنما قدمها بشكل أقرب إلى المنطق بعيدا عن المبالغات المعتادة، هذا فى الوقت الذى يهوى ابنه شوقى "أحمد فلوكس" الفن والغناء حتى يطرده من المنزل، وتحبه تهانى تعويرة "ناهد السباعى" التى يدفعا فقرها ووالدها الضرير "كمال سليمان" إلى الانحراف والاكتفاء بممارسة الدعارة فى السيارات.
فى الحارة أيضا نجد توليفة لا يمكن أن تجدها إلا فى الحارة المصرية التى تستطيع أن تجمع بين الدكتور عطية صاحب الصيدلية المتزوج من امرأة تجسد دورها علا غانم ويتجرع أقراص مخدرة ليستطيع أن يعود إلى الشباب أمامها مقابل شخصية صفية "سوسن بدر" الفقيرة لدرجة أنها تقوم بجمع القطن من فضلات المحلات لكى تنجد مرتبه لزواج ابنتها، وهى أيضا صديقة أم مجدى السيدة المسيحية العجوز التى تفضل أن تموت داخل الكنيسة.
كثرة الشخصيات فى حارة أحمد وسامح لم يخلق الزحام المعهود فى مثل هذه النوعية من الدراما بل على العكس خلق هارمونى درامى يحمل جرعة كبيرة من التشويق لما تحمله كل شخصية من تفاصيل وهموم خاصة، ونجد فى الحارة العلاقة بين الأب وابنه بين خلاف وحميمية فى شخصية عم بركة "محمود الجندى" وابنه "محمد ماهر" وعبدالله "محمود عبد المغنى" ووالدته كريمة مختار، بينما ننشغل فى الوقت نفسه بأبلة ليلى "سلوى خطاب" التى تعانى العنوسة.
ولكن على رأس هذه الشخصيات نجد شخصية منى "نيللى كريم" التى اضطرت لبيع المخدرات بعد أن قام أمين الشرطة "باسم سمرة" بقتله والدها أثناء القبض عليه والذى يعد هذا الدور على رأس جميع الأدوار التى قدمتها فى حياتها فقد نجحت فى تقديم شخصية الفتاة بائعة الحشيش بمفردات الشخصية الواقعية التى ترتدى العباءة والخمار الأسود مع جحوظ العينين وردود الأفعال العنيفة، أما باسم سمرة فيعد واحدا من أفضل من جسدوا شخصية أمين الشرطة فى الدراما فى صوته وشخصيته وطريقة معاملته للمسجونين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة