87 مليون جنيه هو تقدير حجم تجارة البمب والصواريخ النارية فى مصر، وهى تجارة تستهدف فئة واحدة هم الأطفال.
ورغم الخطورة التى تمثلها هذه الألعاب النارية، ورغم حظرها قانونا فإن معدل انتشارها زاد بشكل كبير جداً فى الفترة الأخيرة متحدياً القانون ورجال الأمن وراحة المجتمع ولتنضم تجارة المفرقعات والبمب إلى قائمة الأنشطة غير الشرعية التى تتحدى النظام مثل التوك توك.
وبصرف النظر عن المبالغة فى حجم هذه التجارة وعن مصادرها المحلية والخارجية، ومخالفاتها للقانون، إلا أن هناك تأثيرا آخر أكثر خطورة يتعلق بأثر هذه الألعاب على نفسية الأطفال وينذر بنمو جيل من أصحاب النفوس العنيفة وما يتتبع ذلك من مخاطر مجتمعية.
ما أسباب الزيادة فى انتشار هذه الظاهرة، وما هى تأثيرها على الأطفال، وغير ذلك من أسئلة يجيب عليها الخبراء.
دكتورة فؤاده هداية- أستاذ ورئيس قسم معهد الدراسات العليا للطفوله بجامعة عين شمس – تفسر زيادة استخدام الأطفال للألعاب النارية قائلة: "يولد الطفل وهو يتمتع بطاقة طبيعية لابد من استغلالها، لكنه يجد كل ما يحيط به من اسره ملئ بالمشاكل والإهمال، وفى المدرسة لا يجد من يوجهه، فيصاب بالإحباط الذى يدفعه إلى ترجمة هذه الطاقة فى صورة عدوانية يشارك فيها جميع مؤسسات التنشئة الاجتماعية".
دكتور تامر جمال- إخصائى التوجيه النفسى ومدير مركز إشراق للاستشارات النفسية– حمل الأسرة المسئولية الأولى فى تحول الاطفال إلى استخدام هذه الألعاب التى تئصل العنف عنده، مثل طريقة العقاب التى يلجأ فيها الآباء إلى الضرب أو إهانة الأطفال، فيترسخ لدى الطفل استخدام اليد قبل العقل ويظهر فى سلوكه العنيف ضد أصدقائه فى الشارع أو المدرسة، ويضيف "يرتبط الأطفال فى الصغر بالانتماء إلى مجموعة سواء من الأقارب أو الأصدقاء وكثيراً ما يكون معرضا لاختيار أصدقاء سوء وهو الدور الثانى الذى يجب أن تتدخل فيه الأسرة بمتابعته ومساعدته، لأنه لو دخل فى دائرة العنف ولم يستخلصه أحد منها سيستمر فيها بل قد يجد بعض الأطفال هذه المفرقعات كنوع من وسائله لجذب انتباه الآخرين".
ويرفض دكتور تامر جلوس الإخصائيين الاجتماعيين والنفسيين فى مكاتبهم، قائلا: "يجب أن ينزلوا إلى الأطفال فى الشوارع لتوعية الأسر والأطفال بخطورة ما يفعلونه"، مؤكدا إهمال رجال الدين لمخاطبة الأطفال أنفسهم وحثهم على التعامل مهم برفق وتساءل "لماذا لا تقوم دور العبادة من خلال الجوامع والكنائس بحملات يتضامن فيها رجال الدين والخبراء الاجتماعيين والنفسيين لتوعية الأطفال بخطورة هذه الألعاب العنيفة".
واعتبر الدكتور تامر أن وسائل الإعلام هى المسئول الثانى عن تحول ألعاب الأطفال إلى مظاهر للعنف من خلال إصرارها على نقل الطبقات الشعبية السيئة بما يحدث فيها من عنف واستخدام دائم للأسلحة البيضاء، ويقول "أصبح الطفل يتعلم من خلال التليفزيون والفضائيات كيفية عمل المفرقعات اليدوية والألفاظ الخارجة عن الآداب من خلال شخصيات فنية محببة ومقربة منه، فيقوم بتقليدها لأنهم الأبطال، يمارسها مع أصدقائه دون تفكير أو انشغال بالحوادث التى تسببها والتى قد يضرون بها أنفسهم فيصابون بجروح بالغة تصل لقتل أحدهم أثناء اللعب".
وتختلف الدكتورة فؤادة مع الدكتور تامر فيما يخص مسئولية الإعلام قائلة "تستطيع الأسرة أن تتحكم فى تعرض الطفل لوسائل الإعلام من خلال مراقبته وملاحظته وتحديد ما يجب أن يشاهده ومالا يجب أن يشاهده لأن الوسائل الإعلامية تخاطب جميع الأعمار وجميع فئات الشعب وعلى الأم بالاخص متابعة ما يشاهده طفلها على شاشات التليفزيون والسينما وإضافة إلى أجهزة الكمبيوتر".
وتضيف "تعرض الأسر للعديد من المشاكل الخاص بانخفاض المستوى الاقتصادى وأزمات اجتماعية خلق فجوة بين تواصل الوالدين مع أطفالهم التى من المفترض أن يخلق بداخلهم الثقة بأنفسهم وبمن حولهم".
أوضحت النشرة الاقتصادية لمركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء أن 70% من حجم تداول البمب والصواريخ فى مصر يكون فى شهر رمضان، وقد استقبلته السلطات الأمنية بشن حملات أدت إلى ضبط 25 تاجرا وتحريز كميات وصلت إلى أكثر من مليون علبة مفرقعات، إلا أنه فى الوقت ذاته ما زالت الصواريخ متداولة فى الأسواق وبين أيدى الأطفال، ومنذ بداية رمضان لم تتوقف الخناقات والجرائم التى يكون سببها بمبة فى أيدى طفل.
الدكتورة فادية أبو شبهة- أستاذ العلوم الجنائية بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، أشارت إلى أن كافة النظريات الاجتماعية تؤكد أن الأطفال الذين يعتادون على استخدام الألعاب العنيفة أو مشاهدتها يتحولون إلى ممارستها فيما بعد وتحولهم إلى مجرمين فى وقت تنظر إليها الأسر وكأنها "ألعاب مسلية"، وتقول "أصبحت ألعاب أطفال العشوائيات قنبلة موقوتة لأنهم الأكثر ميلا لاستخدامها فى ظل انخفاض أسعارها وتناسبها مع مستوياتهم الاقتصادية، بالإضافة إلى تشجيع المناخ المحيط بهم على استخدام العنف فى كافة تعاملاتهم اليومية".
ورسبت المدرسة كما ترى الدكتورة فادية فى دورها التربوى تجاه الأطفال، قائلة "بداخل كل طفل طاقة من الإبداع يحتاج إلى من ينميها لديه، فإذا كانت الأسر فى العشوائيات لا تعى ذلك فأين دور المدرسين فى تقديم ألعاب بديلة منتجة تساعدهم على الابتكار وتنمية قدراتهم الذهنية والنفسية دون أن تعرضهم للخطر".
دكتور على ليلة- أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس– يوضح أن لعب الأطفال تعبر عن السياق الأجتماعى العام الذى تعيشه أى دولة، ومع زيادة حدة العنف المجتمعى فى الوقت الحالى، انعكس هذه الأوضاع على الأطفال وألعابهم، مضيفا أن ألعاب العنف هى الأكثر رواجا فى مصر على عكس المجتمعات الأسيوية التى تقل فيها هذه النوعية من الألعاب، ويزيد إقبال الأطفال هناك على ألعاب الابتكار البعيدة عن العنف.
ويحذر ليلة من الاستهانة بمثل هذه الالعاب قائلا "تؤثر العاب البمب والصواريخ على الأطفال وتجعلهم أكثر ميلا للتطرف، وفى المستقبل لن نتعجب من تحولهم الى مجرمين، والشارع المصرى إلى غابة لغياب القوانين التى من المفترض أن تتحكم فى استيراد هذه الألعاب وتحمى المجتمع من خطورتها".
ولأن سعر الكيس ذو 100 بمبة والعلبة ذات 12 صاروخ لا يتعدى 3 جنيهات وحتى 6 جنيهات للأول و10 جنيهات للثانى، فليس من الصعب أن تصبح الألعاب النارية لعبة الطفل تناسب مسواه الاقتصادى بعيدا عن العاب المحلات مرتفعة الثمن، فلم يعد الأمر مجرد لعبة وإنما واقع طبقات اجتماعية متنافرة كما يفسره حمدى عبد العظيم- الخبير الاقتصادى– قائلا "لا تمتلك مصر أية مصانع لألعاب الأطفال معتمدة على الاستيراد بنسبة 100%، غير الألعاب المهربة التى تدخل من خلف السلطات الأمنية، والتى يدخل ضمنها الألعاب النارية، فنجد ارتفاع أسعار الألعاب المصرح بها فلا يقبل عليها إلا أبناء الطبقات القادرة اقتصاديا على شرائها رغم غلو سعرها، ولا يجد أطفال الطبقات الفقيرة سوى الألعاب رخيصة الثمن والتى تدخل معظمها ضمن دائرة الالعاب العنيفة مثل البمب والصواريخ".
ويفسر عبد العظيم إحجام المصانع عن الاتجاه لألعاب الأطفال قائلا "لأنهم هيخسروا فمعظم الشعب المصرى أصبح ينتمى للفقراء ولن يتجه إلى ألعابهم الغالية فيضطروا لتخفيض ثمنها وبالتالى لن تحقق لهم الألعاب المستوردة حتى ولو على حساب عدم تناسب مواصفاتها القياسية مع الأطفال".
وقال إن مصانع بير السلم تمثل 20% من إنتاج مثل هذه المفرقعات التى لا تحتاج سوى إلى طوب وزلط وبارود متوفر فى المحاجر وسلك بأسعار هزيلة لا يكلف التاجر سوى 50 قرشا فى حين يكسب فيها أضعاف مضاعفة دون وجود قانون صريح يجرم مثل هذه الصناعات ويشدد العقوبات على صاحبها وبائعها.
أطفال المفرقعات فى مصر قنبلة موقوتة تهدد المجتمع.. البمب وصواريخ الشوارع تدريب مبكر على العنف.. خبراء: الفقر وارتفاع الأسعار وراء اتجاه الأطفال إلى ألعاب العنف الرخيصة
الإثنين، 23 أغسطس 2010 11:41 ص
87 مليون جنيه هى حجم تجارة البمب والصواريخ النارية فى مصر
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة