◄◄ أمريكا خرجت من 11 سبتمبر وهى حاسة إنها انضربت على قفاها واتعاملت زى الثور الهائج مع كل دول المنطقة ماعدا مصر.. وأنا عارف إنى قاعد وسط أقطاب الإرهاب وأتمنى تخرجوا كلكم من السجن
لكل تجربة بطل وقف وراءها ودعمها حتى خرجت إلى النور، ويختلف كل بطل بقدر التجربة التى نجح فى تطبيقها على أرض الواقع.. فمبادرات نبذ العنف كانت فكرة بسيطة جداً فى عقول قادة الجماعة الإسلامية حتى جاء اللواء أحمد رأفت، نائب رئيس جهاز مباحث أمن الدولة، وحمل على عاتقه تلك الفكرة ودعمها ودخل فى سرداب طويل من الحوارات والمناقشات مع قادة الجماعة تصحح فكرهم وتنتهى بالإقلاع عن فكر العنف الذى ضرب أمن مصر لسنوات عديدة.
اللواء أحمد رأفت، المعروف حركياً بـ«مصطفى رفعت»، هو مهندس المبادرة الحقيقى وأول من قدم منطق الحوار على فلسفة البندقية، وقائد عملية تحسين السجون المصرية والإفراج عن آلاف المعتقلين، فى الوقت الذى كانت الدول الأخرى تشحن فيه الإسلاميين إلى السجون بعد 11سبتمبر، وهو أول ضابط كبير يحمل على عاتقه فكرة التصالح بين الدولة والجماعات الإسلامية وتنحية منطق العنف المتبادل وتغليب منطق التفاهم.
«اليوم السابع» تنفرد بنشر آخر خطبة ألقاها اللواء رفعت على 5 آلاف من معتقلى الجماعة الإسلامية بسجن الوادى الجديد فى 22 سبتمبر 2003 قبل أيام قليلة من الإفراج عن أول دفعة منهم، ضمن احتفالية نظمها المعتقلون وعلى رأسهم الشيخان ناجح إبراهيم وكرم زهدى بمناسبة نجاح المبادرة.
وتنشر «اليوم السابع» نص الخطبة بنفس الطريقة العامية التى كان يتحدث بها اللواء أحمد رأفت.
بدأت الخطبة بتقديم من الشيخ كرم زهدى قائلاً: «نحن فى شوق لأن نستمع إلى الرجل العظيم الذى نحسبه على خير ولا نزكيه على الله، نعلم حبه لله والوطن، وهو اللواء أحمد رأفت، فليتفضل».
بدأ اللواء رأفت خطبته قائلاً: أعلم أننى أجلس الآن بين قطبى الإرهاب فى مصر طبيب القلوب والبركان الثائر (يقصد الشيخين ناجح وكرم، فى مداعبة لطيفة). وقبل ما ننسى أحييكم بتحية الإسلام.. السلام عليكم وأشكركم على استقبالكم وأتمنى أن تخرجوا جميعا من السجن مش بفكر الشيخ كرم «نخرم السور ونطلع» ولا بفكر الشيخ ناجح «نستنى البساط السحرى» وإنما بالطريق المعقول الصح.
أنتم سمعتم كثيراً عن المبادرة من المشايخ وقرأتم عنها فى الكتب ولكن حتى الآن لم تسمعوا رأى الأمن فيها أبداً، وأنا هأشرح ليكم إحنا اتعاملنا إزاى مع المبادرة باستفاضة، مع بداية المبادرة لم يكن تعاملنا مباشراً مع الجماعة وكان بداية الكلام مع مشايخ محكوم عليهم بالمؤبد أو الإعدام فى سجن العقرب ولم يكن لهم أى مصلحة فى القصة، وكنا ننظر للمبادرة على أنها معيار لشغلنا، خاصة بعد ما تحدثت مع الشيخ كرم وشعرت بمدى الحماس اللى جواه لنجاح المبادرة.
المبادرة دى غريبة قوى ظهرت فى توقيت صعب وسط حوادث وظروف معيشية صعبة، وأعقبها أشياء إن لم تكن متعلقة بها إلا أنها أثرت فيها، وسبق المبادرة طبعا هدنة أو مبادرات لم تكتب لها النجاح تزامنت مع حوادث عنف فى الداخل أو الخارج وظهر معها دعوى القتل بالظن التى دعت إليها الجبهة الإسلامية «القاعدة» واللى بيفكرونى بالجماهيرية العربية الاشتراكية الوحدوية الليبية.
واستطرد اللواء رأفت فى الحديث عن الرؤية الأمنية للمبادرة قائلاً: بعد الإعلان عن المبادرة بنبص لقينا فيه ناس من الجماعة داخلة الجبهة بتاعة بن لادن، وأخ من الإخوة راح يناسب بن لادن ويدى بنته لابن لادن، إحنا قلنا دا تقسيم أدوار ولا إيه، ويبدو أن ده تكتيك من الجماعة، فأخذنا الأمور بحذر خاصة إن إحنا عندنا ناس بتحلل كلام المشايخ وعارفين بيفكروا إزاى، وأنا على علاقة متواصلة مع جميع مشايخ الصف الأول والثانى من الجماعة، يعنى مثلاً لما قعدنا مع القادة التاريخيين للجماعة كان كلامهم ورأيهم واضح من البداية، ولما اقتربنا منهم لقيناهم بيتكلموا بصدق يدل على حسن نيتهم وبيتكلموا من القلب ووجدناهم لا يطلبون شيئا سوى الذهاب إلى السجون والالتقاء بكم، وبالفعل بدأنا نجلس مع إخواننا المستعدين لذلك وكانت عندنا مشكلة وهى أن الانتقال فى السجون يحتاج إجراءات قانونية إلا أننا كسرنا كل القوانين لأنها بالنسبة لينا فى ذلك الوقت - قوانين وضعية مقيدة - وسهلنا انتقال المشايخ بين السجون لرؤيتكم والحديث معك، وللعلم كل ما فعلناه فى الماضى يتناقض مع قوانين المصلحة، وربنا سبحانه وتعالى كتب للتجربة النجاح وسط التحفظات التى أحيطت بها إلا أنه تم التفاعل مع الشيوخ والانتقال إلى السجون وكان لينا رأى سابق فى الجماعة وأدبياتها وإخلاصها واحترامها لقياداتها، فأنتم جزء فعال فى المجتمع بل من صفوة المجتمع ولازم ترجعوا للوطن مرة تانية.
أريد أن أؤكد لكم أن بداية الإعلان عن المبادرة جاءت تدريجياً بلا قيد أو شرط، ولم تكن أبعادها قد اتضحت وفى البداية كنا نظن انها لن تنجح خاصة أن حادث الاقصر جاء فى وقت متزامن مع المبادرة اللى بعتبرها «طعنة فى الظهر» لأنها كادت تلغى كل الأمور وترجعنا لنقطة الصفر، فضلاً عن أن الكارثة الكبرى فى الحادث أنه لم يراع هيبة النظام، وأؤكد أنه لولا صبرنا وحكمة المشايخ لفشلت المبادرة لأن اللى نفذ حادث الأقصر يتبعون الجماعة الإسلامية.
اللواء رأفت لم يقف فى حديثه على الشأن الداخلى فقط للبلاد، إنما تطرق إلى الشأن الخارجى والمعوقات الدولية تجاه نجاح التجربة قائلاً: المبادرة بتاعتنا جت بعد أحداث 11 سبتمبر واللى العالم كله وقتها كان مهتم بالقضاء على الحركات الإسلامية، حتى إن بعض الدول الشقيقة كانت بتقدم الإخوة قربانا - أكيد أنتم عارفينها - حيث كانت تشحنهم فى الطائرات إلى أمريكا، وللعلم فجميع دول العالم كانت تؤازر أمريكا والغرب خوفاً على أمنها الداخلى.
فى تلك الفترة تحديداً كانت معطيات الواقع تشير إلى ضرورة الأخذ بتفعيل المبادرة وإحنا - الأمن - تمسكنا بهم أكثر من تمسككم، وعلى الصعيد الدولى «أمريكا صفعت على قفاها» وخرجت كالثور الهائج فى الشرق الأوسط ولم تستثن أى دولة إلا مصر.
لو إحنا مرتبكين أو خائفين أو عايزين نحافظ على مصالحنا مع أمريكا ونرضيها وخلاص كنا قتلنا الشيخ كرم وخلصنا على الجماعة، لكن النظرة الأمنية الصحيحة بتقول إن إحنا عندنا فى السجون صفوة الجماعة وخيرة المشايخ يبقى نبدأ نتعامل معاهم بطريقتنا، خاصة أن النظرة الدينية السليمة بتأييد وجهة النظر، كان من الممكن أقول إنى هاطلع على المعاش واللى ييجى بعدى يبقى يتصرف معاهم، لكن أنا مؤمن بقضيتى معاكم لذلك كملت فى المبادرة وواثق إنكم ناس محترمين.
لا يوجد عندنا أى مانع من خروجكم من السجن وممكن نفتح السجون على مصراعيها، ولكن هذه الدولة دولة مؤسسات، يعنى مش إحنا وانتم فيها بس، ولكن فيه جهات وأجهزة أخرى، ولذلك نحاول أن نمشى رويدا رويدا وبالتدرج حتى نصل إلى ما نريده.
وذكر موقفا يرتبط بجميع قادة الجماعة، سواء من الصف الأول أو الصف الثانى، وهو «أتوبيس الإخوة» الذى كان الشيوخ يستخدمونه فى الانتقال بين السجون من أجل إقناع أعضاء الجماعة بمبادرة نبذ العنف والرجوع عن ذلك الفكر، حيث طرح سؤالاً هاماً قائلاً: «تخيلوا إيه اللى كان ممكن يحصل لو أى شخص من أفراد الجماعة ضرب الأتوبيس» فرد الشيخ كرم: كانت هتبقى كارثة لأن المبادرة كنا هنقول عليها السلام وكان سيظل جميع أفراد الجماعة فى المعتقلات حتى الموت.
رجع اللواء رأفت لحديثه مرة ثانية بكل هدوء من الإجابة المنطقية للشيخ كرم زهدى عن أتوبيس الإخوة قائلاً: الجماعة الإسلامية خاضت تجربة طويلة، وروعت الأمن كثيراً وكان ليها تاريخها المظلم خاصة حادث اغتيال السادات، ولا ننظر إليه على أنه المواطن إنما على أنه رمز النظام، وأنا سمعت إن فيه ناس طيبين من إخواننا الصعايدة لما سمعوا كلام الشيخ كرم إن السادات شهيد قالوا: لما نطلع هنروح لقبر السادات ونقرأ له الفاتحة، عايز أقول لكم إن السكينة سرقت الجماعة بعد تجربة 25 سنة وأخذتها العظمة وعملت لنفسها قوة فوق قوة القانون ودولة داخل الدولة، وهذا خطأ فادح وده مش توبيخ لكم ولكن أنا بأرجع للماضى علشان نستشرف المستقبل.
ثم طرح رأفت السؤال المتعلق بالدعوة بنفسه وأجاب عليه قائلا: أنا بقول مافيش دعوة، وأكيد إنتوا بتقولوا إن ده تناقض لأنه إزاى بأطلب منكم تطبيق تجربة المبادرات وأقول مافيش دعوة، إزاى أنا باستفيد بكم فى السجون وأخرجكم دون أى استفادة، والرد إنكم لم تستكملوا الفكر الجديد، فالشيخ عصام دربالة وعاصم عبدالماجد مشغولين دلوقتى بإعداد كتب جديدة للرد على أبحاث قديمة، وكمان مخصصين ليهم ثلاثة يكتبوا وراهم، يعنى تلاقى الشيخ منهم ماشى فى العنبر والناس بتكتب وراه، فلو خرجنا دلوقتى ندعو بأى فكر؟ القديم ما ينفعش والجديد لم يكتمل، يبقى نأجل الدعوة شوية حتى ندعو بشىء يستفيد منه الوطن.
عايز أكد لكم إن العلاقة بينى وبينكم أكثر من إخوات، وأنا دلوقتى بحاول أحسن صورتكم فى الصحف والجرايد لأنكم معروف عند الناس إنكم إرهابيين، ياريت تأجلوا كل شىء وسوف نعطيكم أكثر مما وعدتكم به، ونحن مسؤولون عنكم مسؤولية تامة وأى شخص محتاج حاجة يروح لفرع أمن الدولة فى المحافظة، ولو الفرع رفض أو قصر فى الخدمة ييجى لى القاهرة، وعايز أقول لكم إنى بجتمع برؤساء الفروع فى جميع المحافظات وفهمتهم كل حاجة وهم على دراية تامة بالوضع.
نصيحة منى، انشغلوا بالإصلاح فى بيوتكم وزوجاتكم وأبنائكم، اقعد تحت رجل والديك، وخلى عيالك حواليك وفكر فى مستقبلهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة