باقٍ حوالى عام على موعد انتخابات الرئاسة المصرية فى عام 2011، والوضع الراهن هذه اﻷيام لا يبشر بخير، ونذير السوء هذا يأتى من تعنت النظام المصرى الحاكم الذى اعتاد على مدار الثلاثين عاما الماضية عدم مصارحة الشعب، أو حتى النخب السياسية، بما هو مقدم عليه فى اتخاذ القرارات التى ينتظرها الجميع عندما نعبر فترة فاصلة فى تاريخ البلد كتلك الفترة التى نعاصرها سواء انتخابات مجلس الشعب- هذا العام- أو انتخابات الرئاسة- العام المقبل.
يبدو أن الأمر بالنسبة لانتخابات مجلس الشعب بات واضحاً جلياً فى اكتساح الحزب الوطنى الحاكم للغالبية العظمى لمقاعده، ويكفى إلغاء الإشراف القضائى المحايد عن الانتخابات والاكتفاء باللجنة العليا للانتخابات "المحايدة" المعينة من قبل رئيس الحزب الوطنى الحاكم، وأيضا التحكم المطلق من رجال وزارة الداخلية المسئول عنها وزير الداخلية وهو أحد أعضاء الحزب الوطنى أيضا، فهذا ليس اتهاما مباشرا- والعياذ بالله- بعدم الحيادية وإنما كان من المفترض أن تكون تلك فرصة لإثبات النوايا الحسنة ينتهزها النظام الحاكم ليؤكد نزاهة الانتخابات القادمة.
أما بالنسبة للانتخابات الرئاسية فيكفى أن نعرف أنه فى شهر يونيو الماضى وافق مجلس الشعب على الشخصيات العامة فى اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية لتبدأ أعمالها بدءاً من شهر يوليو ولخمس سنوات قادمة، ولهذه الشخصيات كل الاحترام، فمنهم شيوخ القضاة وأساتذة قانون مبجلون، وبما أن الحزب الوطنى يسيطر بغالبيته على أصوات المجلس فكان لابد ألا يتم الاختيار بالتصويت لاسيما أن ترشيح شخصيات للجنة العليا يقودنا إلى سؤال بديهى ألا وهو لماذا هؤلاء وليس أولئك؟ وما هى الجهة التى خول لها تحديد أشخاص بعينهم لهذه اللجنة وبالتالى طرح أسمائهم للتصويت عليهم؟
ففى الانتخابات الرئاسية السابقة فى عام (2005) أصدر نادى قضاة الإسكندرية بيانا يدين فيه أعمال اللجنة العليا للانتخابات كما جاء فى جريدة المصرى اليوم فى عددها (451) الصادر بتاريخ (5/9/2005) بعنوان "نادى قضاة الإسكندرية: لجنة الانتخابات الرئاسية عشوائية ولا يمكن الاطمئنان لإشرافها" وجاء فى الخبر ما نصه: "قال بيان صادر عن المجلس إن اللجنة خالفت كل القوانين والقواعد المتعارف عليها، منها منع الإعلان أو الإخبار بنتيجة الفرز، رغم أحقية المرشحين فى الحصول على ذلك حتى يمكن متابعة نتيجة الفرز، كما أنها لا تضع قواعد لاختيار القضاة المشرفين على الانتخابات"، واستطرد المستشار محمود رضا الخضيرى- رئيس النادى آنذاك- قائلا: "يا أعضاء اللجنة، لقد تحقق فيكم المثل القائل إن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، ولكن العيب ليس فيكم وحدكم ولكنه عيب واضعى القانون".
كما أكد فى معرض حديثه لجريدة العربى فى عددها (976) الصادر بتاريخ (11/9/2005) بأن أصل المشكلة فى مواد الدستور حيث قال: "إن المادة (76) جعلت من اللجنة الرئاسية لجنة إلهية قراراتها محصنة وغير قابلة للطعن وبالتالى أصبح تحصين قراراتها هو أسوأ شىء لأنه فتح باب الدكتاتورية والتسلط ومع تحصين أعمال اللجنة أصبح الطعن على قراراتها ممكنا ولكن ليس أمام المحاكم المصرية فالطريق أمام المرشحين للطعن على قرارات اللجنة و إعلان النتيجة قد أغلق للأبد وأصبح الكلام الآن هو حاجتنا إلى دستور جديد و ليس عملية إحلال وتجديد للدستور الحالى بكل ما فيها من تناقضات أضف إلى ذلك أن اللجنة الرئاسية العليا لا تصلح للإشراف على انتخابات حرة نزيهة بدءاً من تشكيلها مرورا بدخول الشخصيات العامة و انتهاءً بتحصين قراراتها بالإضافة إلى استبعاد قضاه بعينهم ومنع مندوبى مؤسسات المجتمع المدنى من مراقبة العملية الانتخابية فهى لجنة بدأت وكأنها جاءت لتحقيق هدف واحد".
من الواضح أن النظام المصرى لا يريد أن ينأى بنفسه عن شبهة الانحياز لحزبه فى الانتخابات التشريعية منها والمحلية، ليس فقط بغض الطرف عن التجاوزات الصارخة بل وبإطلاق يد الأمن كى تؤمن عملية تزوير نتائج الانتخابات – بإرهاب الناخبين تارة وبتبديل صناديق الانتخاب وأصوات الناخبين تارة أخرى- والتى رصدتها منظمات المجتمع المدنى ووسائل الإعلام المختلفة، ناهيك عن حزمة التعيينات للسلطة التنفيذية سواء مجلس الوزراء والمجالس العليا والمحافظين، ومرورا برؤساء مجالس الإدارات والجامعات وانتهاءً بالمجالس المحلية، وبذلك يكتمل عقد الحزب الوطنى ويوصد حول رقبة الوطن ليتفرد بقيادة جميع مؤسسات الدولة جمعاء.
حقاً أضحت لعبة الانتخابات قديمة وبالية وليست خافية على أحد، ولكن ليس ذلك وحده مأسوف يضع النظام فى أزمة، فلقد تغير الأداء الشعبى فى المناداة بمطالبه وخرج من حيز لا يزيد مدى صوته عن أذن صاحبه- أو أقل- ليصل إلى وسائل الإعلام المختلفة ومنها إلى العالم الخارجى، كما شهدت الشوارع اعتصامات وإضرابات شارك فيها الآلاف من العمال، والحضور الواضح والمتزايد للحركات المعارضة من "كفاية" و"شباب 6 أبريل"، وهؤلاء لا تنضب مواردهم بل إن أداءها يزداد قوة واكتساب خبرات على مر الوقت ولاسيما من الاحتكاك والصدام الدائمين خلال الوقفات الدائرة هذه الأيام مع عناصر الأمن- الحل الأول وأحياناً الأوحد المستخدم دائما من قبل النظام للتعامل مع أى مطالب شعبوية- والذى رغم قوته وإمكاناته لن يستطيع أن يقمع هذه الإضرابات والوقفات الاحتجاجية بنفس القوة طوال الوقت، فالورقة الأمنية تحترق سريعا بالإفراط فى استخدامها من قبل النظم السياسية تجاه شعوبها، وإما أن يبطل السحر أو ينقلب على الساحر.
أحمد الصيرفى يكتب: أزمة النظام بين الانتخابات التشريعية والرئاسية
الأربعاء، 28 يوليو 2010 10:17 م
صندوق انتخابى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة