◄◄ كيف تأسست مملكة لندن ستان كمركز للجهاد العالمى؟.. بن لادن وطالبان والظواهرى تعاونوا مع العملاء البريطانيين.. وحدة الحركات الإسلامية فى «إم 16» تبحث عن صفقة معهم للخروج الآمن من أفغانستان
انقلب السحر على الساحر.. هذه الجملة توضح باختصار العلاقة الغريبة بين الدول الغربية وجماعات الإسلام المتشدد. فبينما حاول الغرب استغلال الإسلام السياسى لمواجهة الأنظمة التى لم يرض عنها، انقلبت الجماعات الإسلامية الراديكالية على من كانوا يدعمونها سراً فيما مضى، وتحولوا إلى مقاتلين ضدهم فى الجبال وفى الشوارع وخلف البنايات الكبرى.
«العلاقات السرية.. تواطؤ بريطانيا مع الإسلام المتشدد» كتاب جديد صدر قبل أيام قليلة فى لندن يكشف عن أسرار الاتصالات التى قامت بها بريطانيا مع جماعة الإخوان المسلمين للإطاحة بحكم جمال عبدالناصر، حيث تحدث مؤلفه مارك كورتيس، عن علاقة بريطانيا بالمتشددين الإسلاميين والإرهابيين فى جميع أنحاء العالم وكيفية استخدامها لهم لتحقيق مصالحها الخاصة.
يؤكد كورتس، وهو صحفى وكاتب بريطانى مستقل اعتاد أن يفضح العمليات أو العلاقات المشينة لبلاده، أن بريطانيا خططت للإطاحة بالزعيم الراحل جمال عبدالناصر بسبب خلعه الأسرة الملكية الحاكمة التى كانت متحالفة مع الاستعمار.
ويقول كورتس إن بريطانيا كانت تريد التخلص من عبدالناصر الذى انقلب عام 1952 على الملك فاروق خاصة بعد أن تحول عبدالناصر إلى الزعيم العربى القومى الذى اعتبر بديلاً للملكيات الموالية للغرب فى الشرق الأوسط. ومولت بريطانيا فى البداية الإخوان المسلمين سراً عام 1942، عندما كانت الجماعة فى هذا الوقت قوى أصولية جديدة لها جناح إرهابى يسمى «النظام السرى الخاص»، ثم توطدت الصلة بين الطرفين بعد ذلك فى أعقاب قيام الثورة.
وفى عام 1956، عندما وقع العدوان الثلاثى تطورت اتصالات بريطانيا بالإخوان كجزء من مخطط للإطاحة بعبدالناصر بل قتله، (وفى نفس الوقت كانت تحاول التخلص من الحكومة القومية فى سوريا التى حققت الوحدة مع مصر).
ويشير الكتاب إلى أن بريطانيا خططت فى حال نجاح هذا العدوان فى إسناد مهمة تشكيل النظام الجديد لجماعة الإخوان المسلمين. وهو المخطط الذى فشل بعد خروج العدوان وانتهاء حرب السويس 56 ، موضحا أنه بعد وفاة جمال عبدالناصر عام 1970، وتولى الرئيس أنور السادات الذى وصفه الكاتب بأنه موال للغرب، قام الأخير سراً برعاية خلايا المسلحين الإسلاميين لمواجهة القوميين والشيوعيين، ورغم ذلك، ظل المسؤولون البريطانيون يصفون الإخوان باعتبارهم السلاح المفيد المحتمل للنظام.
ويكشف الكاتب عن وثائق سرية يعترف فيها واضعو السياسة البريطانية الكبار بأن المتعاونين معهم من الإسلاميين، من أمثال جماعة الإخوان، هم بالأساس معادون للغرب، لكنهم ورغم ذلك تعاونوا معهم من أجل تحقيق أهداف قصيرة المدى، مثل الحفاظ على المصادر والثروات الطبيعية كالنفط أو الإطاحة بالحكومات القومية التى هددت الإمبراطورية البريطانية. مشيرا إلى أنه مع تراجع نفوذ بريطانيا فى الشرق الأوسط وسعت حكومة لندن من دائرة الحلفاء التى يمكنها أن تجذبهم دون أن تاخذ فى اعتبارها العواقب طويلة المدى لمثل هذا التعاون.
ورغم تأكيد الكتاب عدم المبالغة فى دور بريطانيا فى ظهور الإرهاب العالمى، فإنه فى الوقت نفسه لا يمكن إنكار مساهمتها فى ذلك عن طريق معارضة القومية العربية، الأمر الذى مهد الطريق لصعود الإسلام الراديكالى فى السبعينيات، وتقديم الدعم للمجاهدين الأفغان فى «حربهم المقدسة» ضد الروس فى الثمانينيات التى أدت إلى ظهور أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، وظاهرة «لندن ستان» فى التسعينيات عندما تحولت العاصمة البريطانية إلى مركز منظم للجهاد العالمى وهو الأمر الذى تغاضت عنه سلطات المملكة المتحدة.
وفى الوقت الذى كانت فيه بريطانيا تخطط للإطاحة بعبدالناصر، كانت هناك محاولات للانقلاب على حكومة وطنية أخرى فى إيران الملكية من أجل الحفاظ على الثروات النفطية. فلا أحد ينسى العملية الإنجليزية الأمريكية عام 1953 فى إيران للتخلص من حكومة مصدق التى كانت تحظى بشعبية وقامت بتأميم صناعة النفط فى البلاد، الأمر الذى ألحق ضرراً كبيراً بالشركات البريطانية، وشملت هذه العملية مشاركة آية الله سيد كاشانى، وهو معلم آية الله الخومينى مفجر الثورة الإسلامية. وكان كاشانى مؤسس حركة أنصار الإسلام، وهى حركة أصولية مسلحة. وفى سبيل تنتفيذ المخطط قامت أجهزة المخابرات البريطانية والأمريكية بتمويل المظاهرات ضد حكومة مصدق، بل إنها ناقشت احتمال اختيار كشانى كقائد للبلاد بعد الانقلاب. ولاحظت وزارة الخارجية البريطانية أنه إذا تولى كاشانى السلطة فربما يقبل الأموال الغربية، لكن سيظل شخصية رجعية تماماً ولا يمكن الاعتماد عليه لفترة طويلة.
ويقول كورتس إن تعاون بريطانيا مع الإسلام المتشدد لم يقتصر على الماضى فقط، فحتى الآن لا تزال المملكة المتحدة تتعاون سراً مع رموز الراديكالية فى العالم. فعندما وقعت هجمات لندن فى 7 يوليو 2005، ألقى الكثيرون بمسؤولية ذلك على غزو العراق، لكن العلاقة بين هذه الهجمات الدامية والسياسة الخارجية البريطانية أعمق من ذلك بكثير.
فالتهديد الإرهابى لبريطانيا هو نكسة إلى حد ما ناجمة عن شبكة من العمليات البريطانية السرية مع الجماعات الإسلامية المتشددة ممتدة عبر عقود. وأقر الكاتب بأنه فى حين يمثل الإرهاب أكبر تحد أمنى للمملكة المتحدة، فإن تواطؤ الحكومة البريطانية مع الإسلام الراديكالى لا يزال مستمراً.
ويرى الكاتب أن الاستخبارات البريطانية دعمت بن لادن، وطالبان والظواهرى، مشيراً إلى أن اثنين من الأربعة الذيم نفذوا تفجيرات لندن تلقوا تدريباً فى معسكرات باكستانية تديرها جماعة حركة المجاهدين الإرهابية التى طالما رعتها باكستان لتحارب القوات الهندية فى كشمير. ولم تقم بريطانيا فقط بتسليح باكستان وتدريبها، ولكنها قدمت أيضا مساعدات سرية استفادت منها حركة المجاهدين.
ويوضح الكاتب أن الحرب السرية التى خاضها جهاز الاستخبارات البريطانية الخارجية MI6 فى أفغانستان تضمنت تدريبا عسكريا لجماعات إسلامية متنوعة لمواجهة الاحتلال السوفيتى، ومن بين الذين استفادوا من هذا التدريب جلال الدين حقانى الذى يعد الآن أحد قادة القتال ضد القوات البريطانية فى أفغانستان والآن تسعى بريطانيا إلى عقد اتفاق مع هؤلاء القادة حقانى وحكمتيار لتأمين خروج غير مذل من الحرب الوحشية فى أفغانستان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة