قبل 6 أشهر فقط من زيارة الدكتور أحمد زكى بدر، وزير التربية والتعليم، المفاجئة لمدارس حلوان، والتى وُصِفَت بعدها بـ«المدارس المنكوبة» لشدة ما ناله مسئولوها من عقوبات. كان الدكتور يسرى الجمل، وزير التعليم السابق، قد قرر القيام بجولة مفاجئة على 4 مدارس بنفس المحافظة للاطلاع على حقيقة استعداداتها لمواجهة أنفلونزا الخنازير.. ورغم وجود قاسم مشترك بين الجولتين، وهو تدنى مستوى مدارس المحافظة وانهيار العملية التعليمية بها، فإن الفرق فى النتائج بين «زيارة الجمل» و«ضبطية بدر» - حسب وصف مسئول حكومى بالمحافظة - شاسع ويعكس، حسب خبراء تربويين، تباعداً فى سياسات تطوير التعليم وارتباطها بقناعات المسئول عنها، ثم ما تلبث أن تتبدل برحيله وقدوم آخر.
القواسم المشتركة بين ما اكتشفه «الجمل» وما رصده «بدر» أثناء جولة كل منهما بحلوان عديدة، أولها غياب مدير المدرسة عن التواجد فى مكتبه مع بداية اليوم الدراسى، وهى مشكلة تعامل معها كل وزير بأسلوب مختلف، فبينما قرر «بدر» نقل مدير «الخلفاء الراشدين الإعدادية» إلى المنيا عقاباً له على تغيبه بما أخل بالعملية التعليمية داخل المدرسة، أمر «الجمل» بصرف مكافأة لمديرة مدرسة «المعادى الثانوية بنات» لأنه رأى أنها نجحت فى إدارة المنظومة التعليمية داخلها بشكل لا مركزى يعتمد على توزيع المهام على وكلائها، بحيث لا تتأثر الدراسة سلباً بعدم تواجدها طيلة اليوم الدراسى، هذا ما اكتشفه «الجمل» حينما تفقد المدرسة فلمس بنفسه انتظام الطلاب داخل الفصول وممارستهم الأنشطة رغم ضعف مستوى المرافق بها، وهو قاسم مشترك ثانٍ اعتبره «بدر» دليلاً على سوء الإدارة وغياب المتابعة، فيما رآه «الجمل» مؤشراً على نقص الموارد المالية لا دخل لمسئوليها فيه إذ هم ليسوا جهة تمويل، إنما هو دور أصيل لـ 3 جهات هى وزارة المالية، ووزارة التربية والتعليم، ومحافظة حلوان، لذا طلب من مساعديه بحث زيادة نصيب مدارس المحافظة من موازنة المديريات التعليمية بما يتناسب مع متطلبات تطويرها.
أما القاسم الثالث بين الزيارتين، فكان تدهور مستوى العملية التعليمية داخل الفصول، وهو ما عالجه «بدر» بنقل ما يقرب من 100 معلم وإدارى وعامل من إدارة «حدائق حلوان التعليمية» إلى إدارة «أطفيح»، فى حين اكتفى «الجمل» بتوبيخ عدد من المدرسين بقوله: «الشرح بهذه الطريقة فيه ظلم للطالب وحالة الفصل لا تدعو للبهجة» رغم إشادته بانتظام الطلاب فى الحضور.
هذا عن القواسم المشتركة أما عن الفوارق بين الوزيرين، فيأتى على رأسها أن «الجمل» أتاح للمشرفين على المدارس تبرير ما اكتشفه من ظواهر سلبية، وناقشهم فيها مستمعاً إلى منطقهم وشكاواهم بهدوء شديد، ولما سأله أحد الإعلاميين، الذين رافقوه خلال الزيارة، عن سبب عدم توقيعه جزاءات على المقصرين، رد عليه قائلا:ً «أنا مش جاى المدارس عشان أعاقب الناس.. أنا هنا عشان نحط إيدينا مع بعض على العيوب ونحاول نصلحها لأن العقاب مش هيطور التعليم»، وهو منطق يختلف عن منطق «بدر» الذى لم يكتفِ بالعقاب، وإنما أتبعه بتهكم.
هذا الاختلاف فى التعاطى مع أزمات التعليم لا يعنى صواب أو خطأ أى من الوزيرين، إنما هو، بحسب خبراء التربية، دليل على عدم امتلاك الحكومة خطة ثابتة لإصلاح التعليم، وترك المسألة لاختيارات كل وزير.
وما بين هذا وذاك يُصاب المعلم والطالب وولى الأمر بالارتباك والبلبلة، نتيجة تباين الخطط حتى وإن كانت الاستراتيجيات العامة مستقرة لا يُغيرها تبدل الأشخاص.. تلك الإشكالية يراها الدكتور كمال مغيث، الخبير بالمركز القومى للبحوث التربوية، حاضرة الآن وبشدة، ويدلل على حديثه بالإشارة إلى أن الحكومة اختارت وزيراً مثل أحمد زكى بدر يعلى من شأن القضاء على المخالفات الإدارية والمالية، ويضعها فى مقدمة اهتماماته، ليخلف وزيراً مثل يسرى الجمل يهتم بخطط تطوير التعليم وإن اعترى تنفيذها أخطاء.
هذا التباين فى السياسات بين وزير سابق وآخر لاحق يعتبره عبدالحفيظ طايل، مدير المركز المصرى للحق فى التعليم، دليلاً على براءة مسئولى مدرسة «الخلفاء الراشدين» من تهمة الإخلال بالعملية التعليمية، فهم، وفق قوله، ضحية، لا جناة، لما أسماه تخبط الحكومة فى اختيار أسلوب إدارة المؤسسات التعليمية، مضيفاً: «عقاب مدير مدرسة على خطأ نظام لن يصلح التعليم ولا يجوز هنا التحجج بدعوى إعادة الانضباط لأن الخوف من العقاب الصارم يقتل الإبداع لدى المسئول ويُقوِّض التطوير».
وبعيداً عن التباين فى السياسات، يرى المنشغلون بإصلاح التعليم أن زيارة «بدر» المفاجئة إلى مدارس حلوان وضعت الحكومة فى مأزق، فتدنى المرافق وسوء حالة الأبنية التعليمية يمثل من وجهة نظرهم - إدانة لها لأنها لا تنفق على «التعليم» إلا ما نسبته 4.3 % من إجمالى الموازنة العامة للدولة، فى حين أن الدكتور حسام بدراوى، رئيس لجنة التعليم بالحزب الوطنى، والوزير السابق يسرى الجمل، أجمعا على ضرورة زيادة تلك النسبة إلى 6 % كحد أدنى، خاصة أن ثلاثة أرباع الاعتماد المالى لقطاع التعليم تذهب لبند الأجور.
وبحسب التربويين، ومنهم الخبير أيمن حبيب، فإن إصلاح التعليم لن يتحقق إلا بـ«موازنة مالية كافية» و«خطة ثابتة» لا تتبدل باختلاف المسئول، أما الوزير الحالى، فهو مُطالب- بحسب حبيب- بأن يُظهِر أن مفهوم تطوير نظام التعليم لا يقتصر، فى مخيلته، على الزيارات المفاجئة.
بالصور.. «الجمل» زار مدرسة بنفس المحافظة قبل أشهر واكتشف غياب المديرة فمنحها مكافأة لتطبيقها «اللامركزية».. و«بدر» نقل الناظر للإهمال
الحكومة فشلت فى «تثبيت» خطة تطوير للتعليم واكتفت بـ «تبديل» الوزراء
الجمعة، 09 أبريل 2010 02:05 ص
الوزير الابق يرى الجملفى إحدى جولاته
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة