أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد فودة

محمد فودة يكتب.. عادل إمام يصالح جمهوره فى «زهايمر»

الخميس، 02 ديسمبر 2010 07:59 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أأفلام موسم عيد الأضحى، ترصد أكثر من ظاهرة مهمة فى مسيرة السنوات الأخيرة فى عالم السينما.. أولها: أن الجمهور بدأ يهجر أفلام المقاولات والفكر المتدنى بعد سلسلة من هذه النوعية كانت هى الرابحة فى السباق، بل كانت الرهان الأساسى الذى يفلت بالموسم ويضمن للمنتج المرور إلى ثراء مضمون.. الأمر الثانى هو وعى المخرجين نحو صنع أفلام خارجة من جذور الهموم المصرية بعيداً عن الأفكار المستوردة التى أطاحت بالسينما المصرية سنوات، وأخرجتها من بيئتها فأصبحنا نشاهد أفلاماً كأنها مدبلجة لا تعبر عنا ولا ترصد آلام المصريين وأحلامهم.. أما نجاح مثل هذه الأفلام فهو دليل ثابت على أن أذواق الجماهير قد ارتفعت كثيراً عن ذى قبل، وأصبحت مع كثرة المعروض فى السينما والدراما التليفزيونية، تدرك الاختيار الحقيقى بين الناضج والغث.. اليوم أختار من بين أفلام العيد فيلمين لنناقشهما بالتحليل والنقد فى محاولة لقراءة خريطة الموسم السينمائى.. والفيلمان هما: «زهايمر» لعادل إمام و«بلبل» لأحمد حلمى.. فيلم «زهايمر» نموذج للأفلام التى تسعى لترسيخ أكثر من مفهوم عند الجمهور، فهو عودة للأفلام المهمة بعد مجموعة من الأعمال التى هبطت بعادل إمام، ومنها ما جنح إلى مجرد التسلية بل اتهم أكثر من فيلم بالعرى والمشهيات.. زهايمر يعتمد على المزج بين المرض الشهير الذى أصبح حديث العالم، وبين حالة الغياب الفكرى الذى يسود المجتمع، ويستخلص من خلاله نتيجة واحدة هى أننا بحاجة إلى وقفة مع النفس لنعيد ترتيب أنفسنا بعد أن تبعثرت المشاعر وتغيرت ملامح الأسرة المصرية وسادت الفوضى فى سلوكياتنا.. أحداث الفيلم تبدأ صادمة حيث يزور عادل إمام صديق عمره الفنان سعيد صالح الذى يجسد شخصية مريض الزهايمر ويعيش فى دار للمسنين وحيداً معزولاً عن العالم.. فإذا رأى صديقه فلا يعرفه ولا يتذكر أيا من ذكريات السنوات، برغم أن عادل إمام يحاول أن يعيد له شريط تسجيل عمر طويل ومغامرات كثيرة وأسفار هنا وهناك.. وكل ذلك يصبح نسياً منسياً، فلا يصل إلا إلى حائط سد.. حالة من التشتت والغياب عن العالم وكأن كل شىء قد تم تدميره وصار يعيش فى كوكب آخر، يخرج عادل إمام من عنده وهو فى حالة حزن تكتمل بلقاء مديرة الدار إسعاد يونس فى قمة قسوتها وخلوها من الرحمة.. الفيلم يستعرض هذه اللوحات وكأنها مرسومة من عناء شخصيات تطلب الرحمة ولو بالموت.. فلا وصول ولا هدف ولا رضا ولا شفاء أيضاً.. الإحساس بالكآبة يسيطر على الساحة، ويحاول عادل إمام أن يكون هو العنصر الإيجابى فى الفيلم وفى المقابلة نجد كل من يتعاملون معه سلبيين يرفضون معاونته ويسعون فقط إلى تجريده من الأموال باعتباره صار مثل خيل الحكومة.. حتى يصل به الأمر أن يهرب من أسرته ومن أبنائه فتحى عبدالوهاب وأحمد رزق والممرضة نيللى كريم.

وفى إحدى المرات تفلح محاولة هروبه ويجد نفسه فى الشارع غريباً بلا مأوى، ولكن هذه الغربة وهذا التشرد أفضل من بيت مثل السجن.. لقد أدرك مؤخراً أن أزمة هذا المرض نتجت عن جحود أبنائه بعد أن أقاما ضده قضية حجر عليه ليتمكنا من السيطرة على الڤيلا والثروة الضخمة الخاصة به.. لأنهما أصبحا مهددين بدخول السجن لتراكم ديونهما.. وتستمر الأحداث لتلقى الضوء على أزمة عالم جديد.. هذا الفيلم أعتبره نقلة يعود بها عادل إمام ليؤكد أنه لايزال الزعيم فى عالم الفن شكلاً وموضوعاً، فقد وصل إلى قمة أدائه فى تشخيص دور مركب، تمكن من كتابته بحرفية الأديب الشاب نادر صلاح الدين، وقد عكف على كتابته منذ عامين وظل يجدد ويطور حتى وصل إلى شكل مصرى مقنع.. واستمد المادة العلمية من مفهوم صحيح لا يقع فى خطأ ولا يقبل أن يوصف أى مشهد بأنه خارج إطار البحث.. وقد التزم نادر صلاح الدين فى هذا الفيلم بتفاصيل مرض ألزهايمر بتفصيلاته كاملة وصحيحة فلم يجعل للخيال أساساً فى الموضوع أو لم يتشتت إلى حوار من صنعه بعيداً عن التفسير الطبى.. وبرغم هذا الالتزام الدقيق.. لم يترك عمله ثقيلاً على الجمهور فقد دعمه بخفة ظل فى الحوار أظهرها عادل إمام بتلقائية.. حتى المشاهد المركبة كانت مؤثرة، ولكنه استخرج منها حواراً شيقا يكشف عن عمق المأساة ولكن بسخرية مصرية لاذعة.. ميزة أخرى فى النص أنه قدم الشخصيات برؤية واقعية فلم يعاظم شخصاً على حساب الشخصية الأخرى، والتزم الدقة فى تفسير مناطق الصراع فى الأسرة المصرية.. فالابن العاق وصل إلى حالة الجحود نتيجة شره المال وحب الامتلاك ونتيجة غرور زوجته الشرسة التى لا ترى فى هذا العالم سوى الذهب.. فقد عبدت الذهب وتركت العالم كله، إلى الخلف.. لا تساعد أحداً بل هى تسعى لتدمير الآخر.. أما الابن الآخر أحمد رزق فلا يقل فى نكران الجميل، هو شخصية مرتبكة متردد لا يعرف القناعة ولا الصدق مع أبيه وحتى مع أخيه.. كل ما يهمه هو إرضاء نزواته وهو النموذج الشكسبيرى الذى وصل إلى قمة الثراء ليجد نفسه فى النهاية إلى الضياع.. وشخصية المريض نفسياً جسدها أكثر من ممثل فى أكثر من فيلم أو مسلسل مثل الشارد، ولكنها أقل من إبداع عادل إمام لأكثر من سبب، أولها أن عادل تقمص عمق الدور، وحارب من أجل تقديم شكل جديد عن السائد.. خاصة أن قليلين جسدوا الدور فى مصر بينما عرفناه فى السينما العالمية مؤخراً فى أفلام «براءة كيركار» للمخرج براند تشيلى و«القمر يكتمل» للمخرج أدولف رالى، و«البراءة» للمخرج أون كوراى.. ولكن من بين هذه كلها يتميز فيلم عادل إمام بمصرية التشخيص، إنه لا يشير إلى مرض ألزهايمر كحالة خاصة لمرض خاص، بل يشير إلى زهايمر أسرة هى ترمز إلى ضياع الترابط الأسرى العائلى البسيط، المخرج عمرو عرفة قدم أفضل أعماله فى «زهايمر» وكان بارعاً فى كل حنايا السيناريو المركب.. الفنانة رانيا يوسف أكدت نجوميتها فى دور الزوجة المتسلطة، وظهر فتحى عبدالوهاب وأحمد رزق فى كامل لياقتهما الفنية.

وفى مقابل هذا الفيلم الناجح «زهايمر» نجد على النقيض فيلما غريب الأطوار، هو امتداد لمجموعة أفلام قدمها الفنان أحمد حلمى فى السنوات الخمس الأخيرة.. أغلبها تمسك بفكرة غريبة عن مجتمعنا.. فنجد الفلسفة والتحذلق هنا سيد الموقف فى هذه الأعمال.. لمجرد التميز وإحساسه بأنه فى حالة فنية لا يقترب منها أحد.. وفى فيلمه الأخيرة «بلبل» يستعرض بشجاعة -أو هكذا يتخيلها شجاعة- كل مشاكل وأزمات مصر وإحباطات الشباب، وكأنه فى برنامج سياسى أو فى ملحق إحدى الصحف السياسية، وكل هذه المشاكل والأزمات نعرفها ولا تخفى على أحد، ولكن الذى يزيد من دهشتنا أنه لا يربط بين هذه المشاكل وبين أزمته فى الفيلم، فهو يجسد شخصية شاب بسيط متردد فى اختيار شريكة حياته، وكلما يجد فتاة يحس أنها هى التى ستكون الأمل والمنتهى، يفاجأ بأنها ليست هى.. وأنها كانت مجرد سراب.. تبدأ الأحداث بالفتى بلبل الراقد فى إحدى غرف المستشفى التخصصى فى طب العظام ونراه مصابا بكسور وجروح وكدمات تشمل كل أجزاء جسده، ولا نعرف لماذا.. فإذا بنا نتابع الأحداث لنراه يبحث عن شريكة حياته ويجد ضالته فى ياسمين «زينة» التى يخطبها ويبادلها الحب والثقة، حتى نفاجأ بالخلافات تدب بينهما لأنها من وجهة نظره فتاة مغرورة ومتسلطة.. فيقرر فسخ خطبتها ليرتبط سريعاً بهالة «شيرى عادل» ويعجب بها جداً حتى يعرف أنها لا تناسبه فهى قليلة الحيلة والخبرة وتعتمد دائماً على الآخرين، فيقرر الابتعاد عنها والعودة إلى خطيبته الأولى «زينة» التى تقرر الانتقام لكرامتها وتتفق مع شيرى عادل ضده ويلقنانه درساً لن ينساه طوال حياته.. هذه الفكرة البسيطة كتبها السيناريست الكوميدى الساخر خالد دياب، وهى فكرة ما كانت تكتمل إلا بمساندة تفكير آخر سواء دراما اجتماعية أو سياسية، لكنه اختار الجانب الثانى ليكتمل الشكل الفنى.. فكانت شخصية «بلبل» المهزوزة دليلا على شكل مجتمع غريب يعيشه ولا يعرف من أن تكتمل مفرداته.. فبرغم أن هذا السيناريو محكم فإن أحمد حلمى مزقه بغروره وحذلقته وتدخله الغريب فى كل كبيرة وصغيرة.. فهو القاضى والمحامى والمتهم فى آن واحد.. هذا كان من شأنه إخراج الفيلم من دائرة الأعمال التى تترك أثراً عند جمهورها، ولم تفلح محاولات المخرج الجاد خالد مرعى فى تضميد جراح هذا الفيلم فخرج خارج السياق ممزقاً غريباً.. أداء زينة مبدع وهادئ، وهى تؤدى دورها دائماً بأسلوب ميزها عن غيرها من بنات جيلها.. وكذلك كانت «شيرى عادل» البنت الهادئة الطيبة وكانت إيمى سمير غانم فى أفضل أدوارها وهى تسير بخطى ثابتة.. الديكور مميز والموسيقى.. ولم يبق سوى أحمد حلمى الذى أتمنى أن يعود إلى الكوميديا البسيطة بعيداً عن التمسح فى القضايا الكبيرة السياسية أو النفسية التى أخرجته من حب الجماهير له وأدخلته فى عزلة لا نعرف لها أى تفسير.. وكيف يقبل فنان أن يسجن نفسه بنفسه بعد نجومية حققها سواء من الأفلام المشتركة مع نجوم جيله أو مع أفكار كوميدية تدعم من خفة ظله.

أما إيرادات الأفلام فقد أكدت صحة ما ذهبنا إليه.. تصدر الزعيم عادل إمام قائمة الإيرادات لأفلام العيد بفيلمه «زهايمر» والذى حقق حتى الآن اثنى عشر مليون جنيه.. أما أحمد حلمى فجاء فى المرتبة الثانية حيث حقق فيلمه «بلبل حيران» تسعة ملايين و930 ألف جنيه.. ولا تعليق!!










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة