ارتفعت بصورة لافتة معدلات العنف والانحراف بكل مستوياته خلال السنوات القليلة الماضية، حيث شهد المجتمع المصرى العديد من الحوادث والانحرافات ومظاهر الفساد التى لا تتوقف عند طبقة أو فئة معينة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر قضية الرشوة الكبرى فى وزارة الثقافة، وقضايا الفساد فى وزارة الزراعة، وحادث "التوربينى" التى تمثل مشهدا بشعا من مشاهد التحرش الجنسى بالأطفال.. وقضية قتل مدنيين فى نجع حمادى، بالإضافة إلى آلاف قضايا الاختطاف والسطو والاغتصاب التى تجمعت كلها لترسم مشهدا دمويا أصبح فى حد ذاته ظاهرة غريبة على المجتمع المصرى.
الدكتورة مها الكردى، أستاذ علم النفس الاجتماعى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، فسرت بعض الظواهر السلبية فى المجتمع وفى مقدمتها العنف قائلة: "ظاهرة العنف تمتد وتنتشر بين الناس من القدم، لكن هناك فرق بين عنف الماضى وعنف الوقت الحاضر، فى الماضى كنا نتحدث عن العنف فى شكل محدود كالعنف الأسرى، العنف ضد الأبناء أو ضد المرآة ولم نسمع إطلاقا عن عنف الزوجات ضد الأزواج الذى ظهر بسبب تغير سلوكيات وخصائص الأسرة المصرية، وأهمها عمل المرأة الذى أخرجها من بوتقة عنف الزوج طوال الوقت، وتخلصت من بعض مظاهر القهر.
وبعد أن أثبتت المرأة دورها فى المجتمع كامرأة عاملة أصبح لديها نوع من الهيمنة الاقتصادية، وتغيرت مفاهيمها حول التعامل مع الزوج والأسرة وهى المفاهيم التى نقلتها وسائل الإعلام، بالإضافة إلى المصادر الأخرى مثل الزملاء فى العمل، فأصبحت المرأة تمارس العنف ضد زوجها وأبنائها، وهنا أصبح الطفل يتعرض للعنف المستمر من الأم والأب بسبب مشاجرتهما طول الوقت، وبالتالى ينتقل العنف له ويزداد لدرجة أنه ممكن أن يقتل أمه أو ابوه مثلما نرى حاليا.
وتواصل الكردى حديثها قائلة: "هناك فرق بين التعذيب والتأديب، ومن المعروف أن زيادة العدوان داخل الأسرة يؤدى إلى زيادة العدوان المجتمعى ككل، وهذا ما حدث مثلا فى حادث سائق شركة المقاولون العرب الذى قتل أشخاص لا يعرفهم لأنه ملىء بالغل والعنف تجاه شخص".
وفيما يتعلق بظاهرة التحرش وخاصة التحرش الجماعى الذى انتشر فى الآونة الأخيرة قالت الدكتورة مها الكردى، أستاذ علم النفس الاجتماعى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية: "التحرش فى وجهة نظرى لا يرجع للكبت الجنسى لدى الشباب، وإنما لقلة الوازع الدينى والتربية الأسرية السليمة، وكلها أشياء متعلقة بالشخص نفسه، وظاهرة التحرش الجماعى نجد فيها مجموعة من المراهقين يتجمعون فى مكان معين لممارسة فعل ما، وما يقوى فعلهم هو كثرة عددهم واعتمادهم على بعضهم البعض، لذلك لا يخافون شيئا حين يمارسون أى فعل بذىء".
والتحرش الجنسى عامة يرتبط ارتباطا وثيقا بمرحلة المراهقة، حيث يتأثر الشاب بهرمونات المراهقة ويتعرف المراهق على مرحلته الجديدة، ولو بدأت هذه المرحلة خطأ سيسير أبداً على نهج خطأ، وأخطر شىء عندما يستمد المراهق مرجعيته ومبادئه من "الشلة" التى يعتبرها مصدر قوة، بالتالى يمارس أفعالا خاطئة، ولو كانت هناك تربية سليمة من الأب والأم سيتعلم التفرقة بين ما هو خطأ وما هو صحيح، وبالتالى يجب أن يوعى الأب والأم أبناءهم ويتحدثون إليهم وأن يقولوا لهم "الكلام ده عيب"، ولابد أن تأخذ البنت معلوماتها من أمها، والابن يأخذ معلوماته من أبيه ليتعلم الحياة بشكل صحيح، حتى لا يتعرض لمشكلات حتى فى حياته الزوجية.
لكن فى وقتنا الحالى نجد الأبناء متعجلين طوال الوقت ويريدون معرفة كل شىء قبل الوصول للسن المناسب، فيضطر للذهاب إلى المواقع الإباحية التى يعتمد فيها على جمع معلومات خطأ تدمر حياته الشخصية وحياته الزوجية".
وعن إمكانية إدخال الثقافة الجنسية لمناهج التعليم قالت الدكتورة مها الكردى: "أنا ضدها تماما"، لأن المراهق تفكيره لم يكتمل بعد وهو فى المدرسة، فلو عدنا بالزمن للمرحلة الإعدادية والتلاميذ يتناولون جزئية الجهاز التناسلى فى مادة العلوم نجد الكثير من الطلاب تنتابهم حالة إحراج شديدة، فكيف تشرح مواد جنسية بطريقة مباشرة؟ وتنتظر منهم أن يتعلموا صح، ومن الممكن أن يفعلوا أشياء لم تكن فى الحسبان، ويتعرضون لمشكلات رهيبة وغالباً ما تؤدى إلى اضطرابات نفسية لدى الشخص، تؤدى إلى كوارث فى المدرسة نحن فى غنى عنها".
وبالنسبة لظاهرة النفاق والكذب فى العمل بين الموظف ورئيسه، أكدت دكتورة مها أن هذه سمات شخصية وموجودة منذ قديم الأزل وهذه السمات تكاد تكون نوعا من الأكاذيب يستغلها الموظف حتى يصل إلى ما يريد ويأخذ فرصة زميله".
أما الرشاوى التى زادت فى المصالح والهيئات قالت دكتورة مها "سببها اقتناع الموظف بأن مرتبه قليل، فإذا كان مرتبك قليل لماذا تتمسك بالوظيفة، هذا حرام حرام وسحت بجميع المعايير، ففى رأيى الشخصى، أن أول من يساعد على انتشار ذلك هو الراشى نفسه، فإذا حدث وتعطلت مصالحه، لماذا لا يتوجه بشكوى لمدير العمل، وحين يجد غيرك أنك غيرت هذا المبدأ سيفعل مثلك، لا بد أن نسعى حتى نصل لحائط سد".
وهذا ما ينطبق على السلبية التى تملأ المجتمع حاليا ككل، فلو اجتمعت مثلا ربات البيوت وامتنعن عن شراء اللحمة والطماطم التى تزداد أسعارها يوم عن يوم، ستنخفض الأسعار حين يجد التجار بضائعهم معرضة للفساد، لكن يستسهل الجميع ذلك ويندفع وراء الغلاء ولا يفعل شيئا مثلا، فالسلبية تحيط بالشخصية المصرية.
الدكتورة مها الكردى: التحرش الجنسى سببه قلة الوازع الدينى وانعدام الأخلاق.. ولست مع إدخال الثقافة الجنسية فى المدارس.. والسلبية تحيط بالشخصية المصرية
السبت، 23 أكتوبر 2010 08:21 ص
الدكتورة مها الكردى، أستاذ علم النفس الاجتماعى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة