الشخص الوحيد الذى يحق له أن يضحك مما يجرى على الساحة الفلسطينية الآن هو ياسر عرفات، وحتى ما يسمى بقنبلة فاروق القدومى «أبواللطف» فإنها تجعله أكثر الناس سعادة، وهو يرى أعداءه يبكون عليه، ومن لعنوه حياً يستخدمونه فى مناورات سياسية تفيد الأعداء..
وثيقة القدومى بالفعل قنبلة، وفضيحة لكنها ليست فضيحة لأبومازن ودحلان، فكلاهما ليس فى حاجة لفضائح، ولكنها قنبلة ستنفجر فى وجه الفلسطينيين وتزيد من تفرقهم وصراعاتهم، حماس تعتبرها دليلا على صحة موقفها الانقلابى، والسلطة ستعتبرها تأكيدا على المؤامرة على الحركة، ولا تحتاج إسرائيل لرسم أى مؤامرات، لتنتصر على أعدائها المنقسمين.
ياسر عرفات الذى يتباكون عليه الآن، هو أول من تعرض للهجوم والاتهام بالخيانة عندما سعى للتفاوض، وجلس مع الإسرائيليين، اتهمه أنصاره بالتخلى، واتهمه أعداؤه بالخداع، وبدا مثل نبى أنكره أهله، كان موضعا لهجوم وسخرية من القوميين والإسلاميين، ومن حماس وبعض فتح وطبعا إسرائيل، وبعد رحيله خرج من يبكى عليه ويصرخ «قتلوه»، مع أن هؤلاء جميعا كانوا يريدون اختفاءه، الآن يرى من باعوه وهاجموه وهم يبكون.. ويزعمون أنه قتل مسموما وأن إسرائيل كانت تعتبره عقبة، ولو فرضنا أنه مازال باقياً، فهل كان من الممكن أن ينجح فى منع الانقسام؟
كلهم أنكروه وأرادوا رحيله، حماس والجهاد اتهموه بأنه يعمل مع الإسرائيليين ضدهم، أبومازن اختلف معه علنا وهو رئيس لوزرائه، وكانت هناك خلافات بين القدومى نفسه وبين عرفات، وطبعاً شارون كان يريد اختفاءه، لم يمنع أحد قتله بالحصار وعزله فى مقر الحكم، لم يساعدوه أو يستمعوا إليه وهو يطلب مهلة للتفاوض، الآن يبكون عليه.
حماس تعتبر عرفات عائقا أمام تقدمها وفرض سيطرتها على فلسطين، وغزة، وأبومازن كان يريد رحيل عرفات حتى ينفرد بالسلطة، وكانت إسرائيل ترغب بشدة فى رحيل الثعلب الذى أرهقهم بتوحيد الفسطينيين وكان يجيد التفاوض مع المقاومة، يشجب العمليات ضد المدنيين ويمسك بيديه كل خيوط اللعبة، كان «الختيار» يثير حيرة الإسرائيليين والأمريكيين والعرب بقدراته غير المحدودة على المناورة والحركة، وكان الأكثر وطنية، يبدو قويا كأسد جريح وسط الشموع بعد قطع الكهرباء عنه، حتى وهو تحت حصار الإسرائيليين.
الآن يقولون إنه تم اغتياله، مع أنه مات قبل أن يموت بالفعل، مات من إنكار أنصاره وتكذيب حلفائه، وحتى قنبلة فاروق القدومى وقوله إن عرفات أرسل له محضر اجتماع عباس ودحلان مع شارون وموفاز ووفد أمريكى برئاسة وليم بيرنز، وتم فيه دراسة التخطيط لتسميم عرفات, وتصفية عدد من قادة حركة حماس والجهاد، لم يتوقف أحد ممن احتفوا بالوثيقة المزعومة ليفحصها ويتأكد من صحتها، والمفاجأة أن نفس ما ورد فى وثيقة أبواللطف سبق نشره عام 2003، قبل رحيل عرفات، وموجود بنصه على مواقع إلكترونية منها موقع إسلام أون لاين الذى قال إن التقرير سربه «مركز دانيال زيف للأبحاث» وفيه ملخص اجتماعات إسرائيلية - فلسطينية وأن محمد دحلان وزير شئون الأمن الفلسطينى اقترح على رئيس الوزراء الإسرائيلى آريل شارون فى 4/6/2003 أن تغتال إسرائيل قيادى حماس عبدالعزيز الرنتيسى، وعبدالله الشامى القيادى بحركة الجهاد، وقال إن الاجتماع عقد قبل قمة العقبة وحضره إلى جانب شارون ودحلان رئيس الوزراء الفلسطينى محمود عباس (أبومازن) ووزير الدفاع الإسرائيلى شاؤول موفاز وضباط من المخابرات المركزية الأمريكية (سى آى إيه)، لبحث التنسيق الأمنى بين الحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية، وأن شارون اقترح على أبومازن ودحلان »قتل كل القادة العسكريين والسياسيين لحماس والجهاد وكتائب الأقصى والجبهة الشعبية (لتحرير فلسطين) لإحداث حالة فوضى بين صفوفهم، تسهل على حكومة أبومازن «الانقضاض» على المقاومة وتفكيكها، وأن أبومازن ودحلان طلبا فترة لاستكمال سيطرتهما على الأجهزة الأمنية والمؤسسات الفلسطينية قبل التصدى للفصائل، وأن شارون رأى أن ياسر عرفات الذى وصفه بـ«الثعلب» لن يسمح بذلك، واقترح أن يتم قتله «مسمومًا»، طبقًا لنص التقرير الذى قدم إلى مركز دانيال زيف للأبحاث، وأن أبومازن أوضح لشارون أنه يسعى لـ«تمرير» القرارات الهادفة لتطويق المقاومة من خلال عرفات لوضعه فى الواجهة أمام فصائل المقاومة.
هذا ما نشر عام 2003، وهو نفس ما يقول فاروق القدومى إنه وثيقة ومحضر أرسله له عرفات، فهل القدومى يعرف أن ما يقدمه هو تسريبات إسرائيلية، يمكن تصديقها أو الشك فيها، وأن التسريب ربما كان يخدم إسرائيل أكثر مما يفيد حماس أو فتح أو الفلسطينيين، وأن القنبلة ستنفجر فى وسط الفلسطينيين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة