سلطت صحيفة الجارديان فى عددها الصادر اليوم السبت، فى مقال كتبه جاك شنيكر، الضوء على مصير جماعة الإخوان بعد تقاعد المرشد العام للإخوان المسلمين مهدى عاكف، ويقول الكاتب إن المعتاد على مجريات الأمور السياسية فى مصر، سيجد أن تقديم رسائل الاستقالة من منصب بارز ليس أمراً شائعاً، إن لم يكن نادراً، وذلك لأن اعتلاء سلم أبرز المناصب فى الدولة يقتضى الحصول أولاً على "الوسطى"، بالإضافة إلى أن الساسة عندما يصلون إلى القمة لا يرغبون فى التخلى عنها.
ويشير الكاتب إلى أن قرار عاكف، الذى يبلغ من العمر 80 عاماً، تقديم استقالته، كان مادة إعلامية جذابة لجميع وسائل الإعلام، فهو أول قائد للجماعة لا يريد أن يتمسك بوظيفته إلى أن توافيه المنية، حيث قال عندما سئل لماذا إعلان قرار استقالته فى يناير 2010 تسبب فى إحداث مثل هذه الزوبعة، إنه "فى مصر لا يوجد مسئولون سابقون.. فقط متوفون".
هناك عدد من الأسباب يكمن وراء اهتمام الجمهور البالغ باستقالة عاكف، ولكن المرشد العام أبدى تحفظاً شديداً إزاء التعبير عنهم، ويرجع ذلك إلى أن رحيله ومعركة الخلافة التى ستترتب عليه داخل الحزب، ستكشف النقاب عن الشخصية العامة والاتجاه المستقبلى لأكبر كتلة معارضة فى مصر، وأحد أكثر التجمعات الإسلامية نفوذاً فى المنطقة. ويأمل المحللون السياسيون أن يقدم اختيار المرشد العام الثامن للجماعة، والذى سيتم اختياره من قبل 100 عضو من مجلس الشورى، خلال الشهور القليلة القادمة، رؤية فريدة إزاء قوة أسس التأييد للفصائل المختلفة، والتى تتنافس من أجل الحصول على مكانة داخل الحركة.
يرى شنيكر، أن جماعة الإخوان بدأت تتنفس الصعداء بعد مرور شهور عصيبة حشدت خلالها أكثر من 200 ألف شخص للاحتجاج فى شوارع الإسكندرية ضد إغلاق الحكومة المصرية لمعبر رفح أثناء الحرب على غزة، وتلى ذلك رشق نائب الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين بمجلس الشعب، حذاءه على منافس له من الحزب الوطنى الديمقراطى أثناء جلسة برلمانية.
وكشفت الأحداث على الحدود مع غزة نقاط قوة الجماعة وفى نفس الوقت نقاط ضعفها، فالجماعة لديها مقدرة لا مثيل لها لحشد جموع المتظاهرين بأعداد غفيرة، ولكن النظام يزيد من وطأة قمع الجماعة، ويعتقد أن أكثر من 1700 عضو من أعضائها ألقى القبض عليهم بسبب نشاطات متعلقة بغزة.
ويقول الكاتب، إن قيادة الحركة الإسلامية على ما يبدو بمنأى عن إجراءات الصناعة اللامركزية التى تجتاح البلاد، كما يعتريها حيرة وارتباك حول كيفية إعلان تأييد بناء علاقة مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية، برئاسة باراك أوباما، الذى قيل أنه يفكر فى فتح قنوات اتصال جديدة مع المنظمة، ومع الحزب الوطنى الديمقراطى، الذى ينظر هو نفسه لاستبدال الرئيس حسنى مبارك. وعلى الرغم من الشعبية الكبيرة التى حظى بها عاكف، إلا أنه يخلف وراءه حركة ليست واثقة بنفسها بصورة كبيرة، وقد تظهر معركة الخلافة شيئاً من عدم الثقة، هذا وقد تسفر عن وجود بعض التماسك الذى تفتقر إليه المنظمة.
يقول الكاتب، إن جماعة الإخوان اشتهرت فى الأعوام الأخيرة باعتبارها جماعة توازن بين زمرة المحافظين السلطوية وبين كادر الشباب المطلعين على الثورة التكنولوجية والراغبين فى الانخراط مع القوات غير الإسلامية وتقويض قوى الرجعية التى تتسم بها القيادة (مثل سياسة عام 2007، والتى حرمت النساء والمسيحيين من فرصة أن يصبحوا رؤساء أو قدم مجلس دينى جديد من شأنه ضمان توافق التشريع مع الشريعة الإسلامية).
ويرى شنيكر، أن صفوف جماعة الإخوان منقسمة بين هؤلاء الذين يرون أن السبب الرئيسى وراء وجودها هو الاشتراك على الساحة السياسية باعتبارها جماعة سياسية، وبين هؤلاء الذين يرغبون فى الابتعاد عن السياسة والتركيز على الدعوة، وشهدت الأعوام الأخيرة تعزيز قوة الدعوة، وتسببت سلسلة الاعتقالات المتتالية والهجمات القانونية فى سجن إصلاحيين وبرجماتيين بارزين فى المعسكر الآخر مثل خيرت الشاطر، وهو رجل أعمال ثرى وأحد أشد المؤيدين للمشاركة مع الحكومات الغربية، مما عزز من مصداقية هؤلاء الذين يرغبون فى التركيز على القيم الأساسية، والأنشطة داخل القطاع الاجتماعى وبالنهاية استمرار الجماعة.
يقول الكاتب، إن ترشيح الزعيم الإصلاحى عصام العريان، أو الشاطر، سيكون تصريحاً واضحاً بنية الحكومة، ولكنها نتيجة مستبعدة، بينما يشكل ترشيح رموز مثل محمد مرسى والأمين العام للجماعة محمود عزت، والذين يميلون إلى الدعوة، احتمالاً وارداً، ويوجد العديد من البدائل المتمثلة فى محمد حبيب، البرجماتى المحافظ، ونائب المرشد العام، ويستطيع حبيب التحدث بلغة العلمانية وفى نفس الوقت يلتزم بالانخراط السياسى، أما عن فرصته فى النجاح، فهو أمر غير معروف بعد. ويختم شنيكر مقاله قائلاً: إن معركة الخلافة ستلعب دوراً محورياً فى تشكيل مستقبل جماعة الإخوان المسلمين وبالتالى ثروات الإسلام السياسى فى الشرق الأوسط.
قرار عاكف تقديم استقالته كان مادة إعلامية جذابة لجميع وسائل الإعلام
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة