سترة النجاة لا تكون دائما تحت المقعد

الشاعر محمد أبو زيد يكتب: الجحيم فى أم درمان

الإثنين، 23 نوفمبر 2009 03:01 م
الشاعر محمد أبو زيد يكتب: الجحيم فى أم درمان الشاعر محمد أبو زيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
1
لا أحب الكرة، ولا أهتم بمعرفة أسماء اللاعبين، ولا أطيق متابعة مباراة كاملة أمام التليفزيون، ولا أتابع إلا أخبار مباريات المنتخب فى النهائيات، وأستغل أوقات المباريات لقضاء حوائجى، والتجول فى الشوارع الهادئة، لذا عندما قررت السفر للسودان لم يكن هناك دافع لدى سوى التغطية الصحفية فى المؤسسة الإعلامية التى أعمل بها، وربما الشهادة على لحظات لن تتكرر فى عالم مجنون بالكرة أكثر من أى شىء آخر، وزيارة بلد أحبه وأحب أهله، وربما العودة بذكريات يمكننى أن أرويها فيما بعد.
2
حين كنت أقرأ الصحف قبل سفرى لمتابعة الأحداث، وأقرأ عن حالات التهييج الإعلامى الحاصلة كنت أبتسم، وأقول الأمر لا يتعدى مجرد مشاغبات صحفية ستزول بزوال الحدث، كان الأمر يبدو مستفزا فى بعض الأحيان عندما كنت أتصفح جريدة الشروق الجزائرية وأقرأ عن اغتصاب جزائريات فى القاهرة، أو خبرًا عن خلع ملابس الجزائريات بالكامل فى المطار للتفتيش، أو ذبح مواطنين جزائريين، وأستغرب أكثر من الذين من الممكن أن يصدقوا مثل هذه الأخبار، لكننى عندما ذهبت إلى السودان ورأيت بعينى البلطجة، والنظرة الانتقامية والتحفزية تجاه أى مصرى، أدركت أن هناك الكثير من المجانين الذين تحركهم شهوة انتقامية لا أعرف مبررها، والذين لديهم استعداد لتصديق أى شىء.
3
فى الطائرة الكينية المتجهة إلى السودان، ابتسمت وأنا أتأمل اللافتة المعلقة "سترة النجاة تحت المقعد"، فيما تتواتر إلى أذنى أحاديث زملائى المجاورين حول حجم التغطية الإعلامية التى سنقوم بها فى حالة الفوز أو حالة الهزيمة، ومدى أهمية المباراة التاريخية التى قد تعود بمصر إلى كأس العالم مرة أخرى بعد عشرين عاما من المحاولات الفاشلة، استسلم الجميع للنوم، فيما كنت أحاول أن أقرأ كتابا لم أستطع أن أتمه، أحاول النوم فلا أستطيع وأراجع أوراق العمل.
4
وصلنا الساعة الرابعة فجرا، صبيحة يوم المباراة الفاصلة، كان متبقيا من الوقت ثلاث ساعات على بث البرنامج الذى أرأس تحريره على الهواء، تحركنا بسرعة ناحية صالة المغادرة، ومنها إلى الخارج لاستلام الحقائب
كان المنظر الذى رأيناه لأول وهلة مروعا، عشرات المشجعين الجزائريين، ربما يصل عددهم إلى الخمسمائة، يرتدون العلم الجزائرى على جسدهم بأشكال مختلفة، كقميص أو كغطاء رأس، أو تى شيرت أو يحملونه أعلاما بأحجام مختلفة، قبل الدخول، وجدنا عددا من العمال المصريين، وبعض السيدات يقفن ولا يتحركن ناحية الحقائب، نسأل: أليس هنا الحقائب؟ كانت الإجابة: نعم، لكنها لم تصل بعد، لكن الحقيقة كانت أنها وصلت، لكن السيدات والعمال كانوا يقولون هذا المبرر حتى لا يدخلوا خوفا من احتكاك الجزائريين بهم.
قررنا الدخول، كنا حوالى خمسة من الفريق الإعلامى، وكان أحدنا يرتدى تى شيرت أحمر اللون، سرنا نحو سير الحقائب فى هدوء، لنأخذ حقائبنا، فيما بدأت تتعالى من حولنا الهمهمات الجزائرية، الهمهمات التى تحولت إلى شتائم وسباب للمصريين "يا يهود محمد"، "بعتوا قضية فلسطين"، "خونة"، "كلاب"، كانت الشتائم مسيسة بشكل أو بآخر، لم نلتفت إلى الشتائم، فنحن الخمسة لن نستطيع بشكل أو بآخر أن نتصدى لهم، قررنا الفرار بأجسادنا، فيما عشرات العيون للمسافرين الواقفين بعيدا ترمقنا فى خوف، فجأة ارتفع صوت جزائرى، وهو يشير "هؤلاء مصريون"، وكانت هذه الجملة هى بداية هجومهم علينا، كنا نهرول، وحقائبنا فى أيدينا، وهم خلفنا نهرول فقط، نريد أن نصل إلى خارج المطار، فهؤلاء الهمج لن يفهموا أننا إعلاميون لم نأت للوقوف ضدهم، فيما الهجوم المنظم للخمسمائة يتبعنا، اختبأت إحدى زميلاتنا فى دورة المياه، أمسكوا بزميلنا الذى يرتدى تى شيرت المنتخب، وانهالوا عليه ركلا، وسبا، أحدهم سكب على جسده براد شاى مغلى، كانت محاولة تخليصه منهم محاولة فاشلة مع عددهم الكبير.
5
يقترب منا سودانيون، يعرضون علينا الاختباء فى سياراتهم، يصفونهم بأنهم همج وبلطجية، يفتحون لنا أبواب السيارات ويدعوننا للاختباء منهم "منذ الصباح يروعون الجميع" يقول أحدهم، الخوف يدفعنا للفرار من الجميع، والخوف على زميلينا المحتجز يدفعنا للهرولة خلف أى شرطى.
أهرول ناحية قسم الشرطة التابع للمطار، أخبر الضابط أن زميلين لى بالداخل محتجزون من قبل الجزائريين، يهز كتفيه، ولا يرد فيما لا ينطق وجهه بأى رد فعل، أصرخ فيه: أنا إعلامى من وزارة الإعلام المصرية، والمحتجزون إعلاميون مثلى فيرد "وماذا أفعل، إنهم مشجعون"، كان محقا فعددهم أكبر من عدد قوات الأمن المتواجدة بكثير.
يدى المرتجفة من مفاجأة ما حدث تضرب أرقام السفير المصرى فى السودان فلا يرد، تصرخ زميلة لى عندما ترى أحد المشجعين الجزائريين خارجا مرتديا تى شيرت زميلنا، كانت ملامحه، وملامح المشجعين الذين حوله ليست لبشر عاديين كانت ملامح مجرمين، مثل البلطجية الذين نراهم فى الانتخابات ويتم تأجيرهم، ينقذنا زميل فى التليفزيون السودانى أتى أخيرا عندما يتصل بأحد القيادات العليا، فيتحرك ضابط وعسكرى ليخرج الزميلة والزميل الذى كسر ذراعه، وشجت رأسه، وأصيب بتمزق عضلى، وأغرق الدم وجهه.
يقول مصرى كان يقف فى المطار " أنتم تانى طيارة مصرية فقط منذ أمس، فى حين وصلت 20 طيارة جزائرية"، ويواصل "هم يصلون كل يوم منذ انتهاء المباراة الفائتة يوم السبت بأعداد ضخمة وطائرات كثيرة" ويقول قبل أن ينصرف "خلوا بالكم الجزائريين ماليين البلد، بلاش أى حد يلبس أحمر، الكثرة تغلب الشجاعة" يحكى زميل سبقنا بيوم مع زميلات له أن الجزائريين كانوا يخلعون بنطلوناتهم ويحركون أعضاءهم التناسلية أمام السيدات فى وقاحة وهم يسبونهم بشكل قذر، ولا يملك أحد أن يفعل شيئا، فالكثرة تغلب الشجاعة.
6
كانت الساعة تقترب من السادسة، وكان متبقيا حوالى الساعة على بدء عملنا، ننطلق بالسيارة، ونحن ندرك أن الجحيم الحقيقى سيبدأ داخل المدينة، بعد قليل.

فى الحلقة القادمة
وقائع ما حدث فى المباراة.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة