القصة بدأت بنشر فيديو يقوم فيه عدد من الشباب فى الثلاثينيات، معهم بنادق آلية ومسدسات، يمطرون شاباً آخر ملقى على الأرض بوابل من الرصاص، ويردد هؤلاء «الله أكبر.. يا كافر»، ويتم ترويج هذه المقاطع ومقاطع أخرى لجثة متفحمة على أنها هى ذاتها جثة «ملاك فاروق هنرى»، المتهم بهتك عرض الفتاة، وبمجرد نشر هذه المقاطع أصبح حديث الغالبية من المسلمين، أنهم أخذوا بثأرهم، وأنهم «شفوا غليلهم» واستردوا حقهم.
الغريب أن أكثر من مصدر فى المدينة، أكدوا أن الذى سرب هذه المقاطع بعض من أفراد الأمن، ومع هذا خرج مدير أمن أسيوط اللواء جاد جميل لينفى بشكل قاطع معرفتهم مكان الشاب، قائلاً: «الموضوع برمته ليس له أى أساس من الصحة، ولم نعلم للآن مكان الشاب، وما انتشر مؤخراً شائعة ابتدعها أهل الفتاة أو آخرون»، وأنهم لا يعرفون من هو الذى ظهر فى هذا التصوير، ولا من الذى قام به أو أين تم!!.
ما يقوله اللواء مدير الأمن يتناقض مع رواية أخرى لقيادات أمنية بأسيوط، أكدت أنهم ألقوا القبض على الشاب فى مطرانية القوصية - وهو مركز بجوار جنوب ديروط مباشرة - بعد ثلاثة أيام فقط من حادث مقتل والد الشاب «فاروق هنرى 60 عاما».
أياً كان مصير الشاب، وأيا كان مكانه.. لماذا لم يعلن الأمن حتى الآن، ولو بيانا يوضحون فيه شيئا من الحقيقة، ليقضى على الشائعات التى تهدد بإشعال النار فى كل شىء، ولعل الجميع يعلم أن الأمن له رغبة فى إنهاء الأزمة وإطفاء نار الفتنة، ويردد البعض شائعات أنه قد يغض الطرف عن قتل الشاب، باعتبار أن هذا ينهى فكرة الثأر التى سيطرت على أهالى الفتاة فى قريتها بالمناشى أو حتى المسلمين الذين اعتبروا أن قتل الشاب وتصويره بهذا الشكل هو انتقام لهم، حتى أنهم نشروا المقاطع عبر «البلوتوث» أو الإنترنت تحت عنوان «انتقام أهالى ديروط من.. المسيحى» طبعاً النقط دى شتائم وأوصاف وأسماء حيوانات!!.
فلماذا لم يحقق الأمن فى مثل هذه الروايات؟ ولماذا لم يفتش الأمن عمن وراء نشر الفيديو الذى يقول البعض بعد نشره، أنه لن يكون ولا يكون فى مصر، وأنه فاصل مما تم فى غزة خلال فترة الخلاف مع فتح، والغريب أن البعض قال بعد نشر الفيديو عبر موقع «اليوم السابع» إن السلاح المستخدم «سلاح أمريكى أم 16» غير متوافر فى مصر، وأن الملابس التى ظهر بها الأفراد القاتلون ليست ملابس أهالى الصعيد، فمن يكون وراء هذا الفيديو المزعوم؟ وأين الأمن من كل ما يحدث؟.
الجديد فى كل ما يحدث هو اللجوء إلى التشهير، والنشر عبر وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، الإنترنت والتليفون المحمول، وهو ما لم ينتبه إليه أحد، أنه فى ديروط - جنوب القاهرة بـ350 كيلو مترا بداية من هتك عرض الفتاة وتصويرها عارية وفى مواضع ممارسات جنسية مباشرة، ومروراً بقتل والد الشاب «فاروق هنرى»، وصولا للفيديو الأخير المزعوم أنه للشاب.
فمن هو الذى يخطط ويعمل كل هذا؟ فلا التقاليد الصعيدية والمصرية عموماً، ولا الدين سواء كان مسيحياً أو إسلامياً، ولا حتى عادات الشباب المنحرف فى الصعيد، تقوم بهذا أو يصل تفكيره إلى أن يفعل مثل هذا، كما لا يبيح الإسلام التشهير ولا التمثيل بالجثة وحرقها، حتى لو كانت انتقاما لعرض وشرف، فمن يكون وراء هذا، ومن يريد إشعال نار جديدة فى المدينة التى عاشت عقد التسعينيات فى رعب وإرهاب و تربص بين المسلمين والمسيحيين.
قد تكون الإجابة كما قالها عضو مجلس الشعب عن الدائرة شاهين كيلانى، بأنها محاولة انتقام لبعض العائلات للتعريض بعائلة الفتاة، وإرباك الأمن عن القيام بدوره، إلا أن هذه المبررات لا تستقيم بمن ينقلون عن أهل الفتاة «أولاد حسونة»، بأنهم ليس لهم عداء مع أحد، ولا يوجد لهم خلافات مالية أو مشاكل تجارية مع أى من العائلات الأخرى وتعاملاتهم كلها كما يقول أحمد عبدالتواب، أحد محامى العائلة أنهم «فى حالهم ومحبوبون من الجميع».
البعض يبرر نشر هذا التصوير، على أن مقتل الشاب هو محاولة من أهل الفتاة لإسكات الأصوات التى علت، وانتهكت حرمتهم الفترة الماضية، ومحاولة لإظهار أنهم غسلوا عارهم، إلا أن مع كل هذا بدأ الناس يرددون «إذا كان هذا مصير الشاب، فأين الفتاة؟ وأين أهل الشاب؟» كل هذه الأسئلة مازالت مفتوحة، وتحتاج إجابة، وبالتأكيد لن تجعل النار تهدأ فى ديروط، خاصة إذا كانت حالة من التربص بين المسيحيين والمسلمين جعلت الشائعات تتسع وتزيد، وتصل إلى حديث عن اغتصاب فتيات مسيحيات، وأخرى تردد أن هناك شبكة باسم «تشويه صورة المسلمين» واغتصاب فتيات مسلمات!! فأين الأمن من كل هذا وإلى متى؟.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة