أحمد صلاح الدين طه يكتب: صحافة الفيديو بديلاً للصحافة التليفزيونية التقليدية

الخميس، 29 أكتوبر 2009 07:18 م
أحمد صلاح الدين طه يكتب: صحافة الفيديو بديلاً للصحافة التليفزيونية التقليدية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بداية، ما صحافة الفيديو؟
صحافة الفيديو باختصار هى الصحافة التليفزيونية، ولكن عندما يصبح فريق العمل التليفزيونى المكون من حوالى ثمانية أو تسعة أفراد شخصاً واحداً يقوم بالتصوير والمونتاج والكتابة والتعليق الصوتى، ثم أحياناً إضافة الترجمة على التقرير وبثه عن طريق تقنيات الاتصال الحديثة إلى محطات التليفزيون أو مواقع الإنترنت والصحف الإلكترونية، وهذا الأسلوب فى العمل التليفزيونى لا يعتبر حديثاً للغاية، فالبعض يرجعه إلى ستينات القرن العشرين عندما كان مراسلو بعض المحطات التليفزيونية فى الولايات المتحدة يقومون بالتصوير، أيضاً ليست الجرائد السينمائية القديمة التى كان مراسلوها بالأساس هم المصورون ببعيدة عن هذا النمط، لكن المؤكد أن البداية الحقيقية للإنتاج بهذا الأسلوب بشكل كامل والتوسع فيه كانت مع بدايات الألفية الميلادية الثانية، و يعتبر الصحفى التليفزيونى ميشيل روزنبلوم الرائد والمعلم الذى دفع بالكثيرين لاحتراف صحافة الفيديو، كما اعتمدت عليه منظمات تليفزيونية عريقة مثل مؤسسة الإذاعة البريطانية لتدريب طواقمها للعمل بهذا الأسلوب.

كانت بداية روزنبلوم أثناء تغطيته لبعض الأحداث المهمة فى قطاع غزة وكان معه حينها طاقم تليفزيونى تقليدى، كما كان بحوزته كاميرا فيديو من النوع المنزلى المنتشر حينها فى الأسواق، وبكاميرته تلك حاول أن يصور كل شىءٍ صادفه دون أن يخطر بباله أن ما يقوم به سيكون ذا أهمية كبيرة، فحينها ما كان يمكن اعتباره مصوراً محترفاً والكاميرا التى يستخدمها لا تزيد عن وسيلة للهواة لتصوير المناسبات العائلية بجودة محدودة، وما كانت محطة تليفزيونية لتغامر بإذاعة مثل هذه اللقطات، لكن المصادفة أن توتر الصراع فى الأراضى المحتلة كان على أشده، والمادة المصورة التى عاد بها إلى أمريكا كانت مطلوبة بشدة بصرف النظر عن الجودة، ومن هنا بيعت بآلاف مؤلفة من الدولارات. كانت تلك مفاجأة له جعلته يعيد حساباته وجعلت كاميراته لا تفارقه أبداً فى جميع التغطيات.

لكن حتى هذه اللحظة لم تكن ثورة الفيديو الحقيقية ظهرت بعد واحتاج الأمر لعدة سنوات حتى أواخر القرن العشرين وبدايات القرن التالى، حيث انتشرت تقنيات الفيديو الرقمى وأصبحت متاحة للجميع وسهلة الاستخدام بدءاً من التصوير، حتى البث إلى أرجاء العالم فى زمن قياسى.

لقد أنتج الانقلاب الرقمى كاميرات ذات جودة عالية للغاية إذا ما قورنت بالكاميرات التليفزيونية التقليدية، بينما حجمها لا يزيد كثيراً عن كاميرات الهواة الحديثة، وأقل كثيرا أيضاً من كاميرات الهواة التقليدية. هذه الكاميرات توفر سهولة كبيرة فى الاستخدام حتى إن مشغلها ما عادت تؤرقه كثيراً المسائل الهندسية كضبط الإضاءة والوضوح بقدر ما يشغله المحتوى.

بالإضافة للكاميرات الحديثة المتطورة، ظهر أيضاً المونتاج اللاخطى، وتطورت أجهزة الحاسب حتى أصبح فى الإمكان بسهولة فائقة عمل المونتاج وتصحيح أى عيوب بالصورة ومكساج الصوت كل هذا على جهاز حاسوب شخصى متنقل لا يزيد سعره عن 1500 US$، بينما كانت غرف المونتاج التقليدية تكلف عدة مئات الآلاف كل هذا اختصر فى حاسوب نقال وكاميرا صغيرة يمكن حملهما إلى أى موقع للتصوير والمونتاج فى موقع الحدث، ثم بث المادة الإعلامية إلى أى مكان فى العالم عن طريق الإنترنت الذى هو ثورة إضافية، حيث جعل الإنترنت وتطوره السريع وسرعته الحالية الفائقة والتى تزيد يوماً بعد يوم، إضافة لتطور برامج ضغط الفيديو، التى انتهت لتصغير حجم الملفات بشكل ملحوظ مع الحفاظ على الجودة العالية للصورة والصوت، كما يحدث عند استخدام صيغ للضغط مثل MPEG4، كل هذا أضاف وزاد من أهمية صحافة الفيديو التى أصبحت مهمة ليس فقط لمحطات التليفزيون، بل أيضاً لمواقع الإنترنت والصحف التى سارعت بإصدار نسخ إلكترونية تزيد حالياً معدلات قراءتها عن معدلات بيع النسخ الورقية، مما حدا ببعض الصحف العالمية لتحديد ميعاد لوقف طبع النسخ الورقية والاكتفاء بالإلكترونية. هذه المواقع تتيح للصحف إمكانية وضع تقارير فيديوية ضمن أبوابها لتكتسب ميزة طالما انفردت بها محطات التليفزيون تضيفها إلى ميزاتها التقليدية كصحيفة مقروءة، ولكم أن تعرفوا أن صحيفة شهيرة كالواشنطن بوست توظف حالياً ستة صحفيى فيديو ضمن طاقمها.

هيئة الإذاعة البريطانية عندما اتجهت لتحويل طواقمها المختصة بالتغطية المحلية إلى صحفيى فيديو، كان لديها 84 طاقماً يغطون المملكة المتحدة، لكن الآن لديها أكثر من 750 صحفى فيديو مجهزين بكاميراتهم وحواسبهم المحمولة، ويستطيعون تغطية أى حدث وقت حدوثه.

لأنهم ببساطة فصلوا الطاقم الذى يضم على الأقل مصورا ومقررا (مراسلا) ومساعد صوت وأحيانا محرر فيديو (مونتير) قاموا بتدريب كل واحد من هؤلاء على القيام بدور الآخرين، إضافة إلى دوره هو الذى يجيده بطبيعة الحال، فالمصور يتم تدريبه على البحث عن الأخبار وقراءة الحدث والتعليق عليه والمونتاج الرقمى (اللاخطى) والمراسل يتم تدريبه على التصوير وفنياته والمونتاج.. إلى آخره. هذا ما حدث على المستوى العالمى، ماذا تطور عندنا نحن فى عالمنا العربى؟

أولاً، لا بد من الإشارة إلى أن العالم العربى ومصر تحديداً أصبح فيه من يعمل كصحفى فيديو، وفيه أيضاً صحافة فيديو تبنتها المواقع الصحفية الإلكترونية والمحطات التليفزيونية الإخبارية، لكن المصطلح مازال غير مطروح فى أوساط العامة، مما سيشكل عقبة فى سبيل صحفيى الفيديو المحترفين خلال الفترة القادمة، فمثلاً فى مصر لا توجد أية جهة مسئولة عن صحفى الفيديو الذى يعمل غالباً بشكل حر بعيداً عن المؤسسات الكبرى، لا نقابة كنقابة الصحفيين مثلاً ستضمه إليها، ولا نقابة السينمائيين التى تضم فى مصر كلاً من التليفزيونيين والسينمائيين – مسئولة عن العمل الصحفى، ولا أى جهة أخرى مسئولة عنه حتى المركز الصحفى التابع للهيئة العامة للاستعلامات لا يختص بالمساعدة وإصدار التصاريح إلا للصحفيين الأجانب، أما المصريون فيبدو أنهم ليس من حقهم ممارسة العمل الصحفى فى مصر. مما يعنى أن فوضى حتمية ستحدث فى هذا المجال، خاصة مع أسلوب التضييق الأمنى ووضع العقبات أمام العمل الصحفى بشكل عام، أى أن كل صحفى فيديو حر لن يجد من يعطيه التصاريح اللازمة لعمل التغطيات، وذلك لن يمنعه بحال من الأحوال أن يؤدى عمله فالحرية تطور طبيعى للحياة الإنسانية لن يستطيع أحد إيقاف تدفقها، وبالتالى سيعمل ولكن متسللاً عبر الأبواب الخلفية.

المشكلة الثانية التى تواجه صحافة الفيديو العربية هى عدم تفهم القائمين على المواقع الإخبارية للفكرة القائمة على تقديم تقارير وأفلام تسجيلية واقعية الأسلوب بشكل احترافى، ولكن باختصار عدد المتعاونين فى العمل إلى شخص واحد، وبذلك تجمع بين العمل الجيد (المصنوع جيدا من الناحية الفنية)، وفى الوقت نفسه يؤدى العمل الفردى إلى سهولة الوصول إلى مناطق غير مطروقة تتعلق بالقضايا العامة المطروحة أمام الرأى العام، لكن المواقع العربية تتخبط بين استخدام أفراد غير مدربين جيداً على التصوير والمونتاج ليقدموا مجرد لقطات غير جيدة من موقع الحدث، ربما تكون مصورة بكاميرات غير معدة للمحترفين وفى بعض الأحيان بكاميرات هواتفهم النقالة، وهذه ليست صحافة الفيديو التى تعتمد بشكل أساسى على الصورة التى لا بد أن تكون على قدر كبير من الجودة والجمال الذى لن يتأتى إلا بدراسة جادة، وهو ما جعل المؤسسات الغربية تنفق وقتاً ليس بالقصير فى تدريب وتعليم صحفيى الفيديو لديها قبل أن تدفعهم لبدء العمل.

وفى المقابل تجد بعض المواقع الأخرى وقد ألحق بالخبر تفصيلات تقول إنه من إعداد فلان وتعليق فلان وتصوير ومونتاج بل وإخراج فلان، ذلك التجمع لإنتاج عمل واحد يعيدنا مرة أخرى إلى أسلوب العمل التليفزيونى التقليدى، وهو ما ترفضه صحافة الفيديو لأن هذا الأسلوب يحد من حركة الفريق ويعيق الوصول إلى مناطق جديدة غير مكتشفة ويفرق دم العمل بين العاملين، فلا يصبح أحدهم مسئولاً عن شىء، كما أنه مضيعة للوقت، فمثلا فريق من خمسة صحفيين فيديو قام بتغطية خمس غرف للطوارئ فى خمس مستشفيات أمريكية لينتج عملاً وثائقياً رائعاً فى بضعة أيام كان يمكن إنجازه فى عدة شهور، كما أن صحفى فيديو واحداً كان بإمكانه إنتاج فيلم عن حياة مدمنة مخدرات بريطانية بشكل واقعى بعد أن ظل فى صحبتها لعدة شهور، تناول خلالها كل ما يتعلق بحياتها بتفصيل دقيق ما كان أى فريق تليفزيونى تقليدى لينتجه أبداً.

أما المشكلة الثالثة فهى التقسيم الإدارى للعاملين فى معظم التليفزيونات العربية الذى يفصل المصورين فى جانب الفنيين والمقررين أو المراسلين فى إدارات مختلفة، ذلك رغم أن المصور مثلاً يقوم فعلاً بالعمل الصحفى كجزء من مهامة، لكن الإدارة الخاصة بالمراسلين هى ما ينتهى إليه شأن التدريب الصحفى، فإذا أرادت التوجه لاستخدام أسلوب صحافة الفيديو فى إنتاج التقارير الإخبارية، تمنح مراسليها دورات تدريبية فى هذا المجال يعود بعدها المراسل للعمل فى محيط العمل التقليدى نفسه وبالأسلوب نفسه فلا يكون التدريب الذى حصل عليه إلا مضيعة من جديد للوقت والمال.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة