>> الفيلم من إعداد الأب يوتا المتخصص فى توصيل التطرف للمنازل
اعتدنا فيما مضى السخرية من التبريرات الرسمية التى تتهم المعارضين والمحتجين بالعمالة لأطراف فى الخارج تريد إضعاف البلد وشق الصف الوطنى، لكن هذا الاتهام لم يعد متجاوزا ولا خاطئا كليا، إذا كنا بصدد تقييم فيلم «فتنة محمد» من إعداد وإخراج المدعو » الأب يوتا«.
الفيلم الذى تتداوله مواقع الإنترنت حاليا، يمثل نموذجا للكراهية للمسلمين والمسيحيين معا، لا يمكن أن يعبر عن أى تمييز قد يتعرض له إخوتنا الأقباط شركاؤنا فى الوطن، والعمل وزحام المترو والبطالة والأزمة الاقتصادية وأزمة السكن وأزمة مياه الشرب والصرف الصحى، ولا يمكن أن يعبر إلا عن الرغبة الموجهة فى تأليب النفوس وتفجير الغضب فى القلوب، وإعطاء المبرر للعامة أن يهيجوا ويثوروا دون وعى أو حساب.
المدعو الأب يوتا يبدأ فيلمه القمىء برسوم كاريكاتيرية فاضحة تنال من مقام النبى محمد عليه الصلاة والسلام والسيدة عائشة أم المؤمنين، وتصور النبى نستغفر الله العظيم مغرما بالأطفال، مغتصبا وشهوانيا، ولا أعلم كيف يمكن أن يوصل المدعو يوتا رسالته التى يدعيها من مواجهة التمييز الذى يتعرض له الأقباط إذا كان يعتمد أسلوب الطعن والتجريح فى مقدسات المسلمين؟ أم أنه يتعمد الطعن والتشويه فى مقام النبى حتى يقطع الطريق على العقلاء من المسلمين والأقباط الذين يحاولون نزع فتيل الاحتقان والتهييج الذى يشعله أمثاله من المأجورين؟
الفيلم القمىء لا يكتفى بالطعن على مقام النبى وصحابته، ولكنه يعتمد أسلوب التجميع والحشد على طريقة من كل فيلم أغنية، ويحشر حشراً قضية الفتنة الطائفية فى خطابه الذى يعتمد الرؤية الصهيونية التى توحد بين العرب والمسلمين، بأنهم معادون للسامية وغزاة للأراضى المصرية وكما يصور المسلمين كلهم بأنهم إرهابيون عنصريون، يذبحون الناس بالسيوف ويغتصبون الأطفال، ويكفرون الآخرين من اليهود والمسيحيين، معتقداً أن التشوه فى عقله والمرض فى قلبه والخشبة فى عينه يمكن أن تكون معياراً للرؤية أو طريقة فى النظر.
يبدأ يوتا فيلمه بمشهد التطاول على مقام النبى، ثم يختمه بتقارير إعلامية يقتطع فيها عبارات لمتحدثين مجهولين عرب ومتأسلمين من الأمريكيين، يصورون فيها الزواج من الأطفال ركنا من أركان الإسلام، كما يصورون القتل والذبح ركنا آخر من أركان الدين الحنيف الذى اكتملت أركانه على أيديهم السوداء بأن المسلمين جميعهم يكفرون اليهود والمسيحيين، ويهدفون إلى قتلهم.
لست فى معرض الدفاع عن المسلمين فى مواجهة اتهامات يوتا وأشباهه، ولكنى مع تحكيم العقل وإيقاظ الضمير وتحمل المسئولية، فلا يمكن أن تعبر الجماعات المتطرفة فى العراق التى تقوم بذبح أسراها من الغربيين بالسكين، عن عموم المسلمين، رغم أن هذه الجماعات الموصوفة بالتطرف، تذبح أفرادا آحادا بينما القوات الإسرائيلية فى حربها على غزة مثلا ذبحت الآلاف بدم بارد بالسكين وبالفسفور الأبيض وبالقنابل العنقودية، وكذلك القوات الأمريكية فى العراق ذبحت مئات الآلاف من العراقيين مباشرة أو عبر شركات القتل مثل بلاك ووتر، باستخدام الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، وعندما يظهر فى العراق من يقتل ببشاعة مرفوضة إنما يكون رد فعل للقتل الوحشى الأمريكى الذى يجد من يبرره عند الضحايا.
يسعى يوتا إلى التعبير عن خطاب من دفعوا له، جاعلا من الاحتقانات الموجودة بالفعل بين المسلمين والأقباط قنطرة يعبر عليها لتمرير رسالته الصهيونية الحقيقية، والتى تظهر فى الإشارات المتعددة إلى العدوان الإسلامى على اليهود منذ فجر الدعوة وحتى العصر الحديث، وهكذا يربط يوتا ومتحدثوه بين حرب الرسول صلى الله عليه وسلم مع بنى قريظة الذين نقضوا العهد معه، وبين العلاقة السياسية بين مفتى القدس الراحل أمين الحسينى والزعيم النازى هتلر، وهى علاقة معروف دوافعها وأغراضها السياسية، فى سياق دفاع الرجل عن قضيته الفلسطينية ضد انحياز الإنجليز للوكالة اليهودية حينذاك، فما الرابط بين حرب الرسول صلى الله عليه وسلم مع بنى قريظة واللقطات التسجيلية لأمين الحسينى وهتلر؟
وكيف يزعم يوتا الدفاع عن قضايا الأقباط فى مصر، وهو يهدر ثوابت المسلمين ويعيد إنتاج أكثر الخطابات عنصرية تجاههم؟
الإجابة أن هذا الفيلم القمىء الكاره، ليس مصنوعاً للدفاع عن قضايا الأقباط المصريين، فهم أقدر على الدفاع عن قضاياهم فى إطار المواطنة الأبدية التى تجمعهم مع إخوانهم المسلمين، ولكنه مصنوع للتعبير عن الخطاب الصهيونى الغربى الذى يهدف ببساطة إلى إضعاف كل البلاد العربية، وفى مقدمتها مصر، عبر حركات التفكيك والتفتيت ولإثارة النعرات الطائفية والعرقية، إن لم يكن الأقباط فالنوبيون أو البدو، لكن مصر كنانة الله من أرادها بسوء قصم الله ظهره.. مفهوم يا أخ يوتا؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة