"شبكة سميراميس" الوهمية، فتحت الباب مجدداً أمام مراجعة مقاييس النشر الصحفى، فالقصة شغلت الرأى العام، وتناقلتها أغلب الصحف وكل برامج "التوك شو" لتطير إلى خارج الحدود، بينما ضحاياها يلاحقون قنوات البث المختلفة للدفاع عن أنفسهم قبل أن تتحول الشائعة إلى حقيقة فى عقول جمهورهم، وذلك بعد أيام قلائل من إثارة فضيحة أخرى بطلاها محامى شهير ورياضى لا يقل شهرة، والمشترك بين القضيتين أن الأخبار التى تناقلتها الصحف استندت إلى محاضر تحقيقات قسم الشرطة فى الأولى، وبلاغ للنائب العام فى الثانية.
بصرف النظر عن صحة الأخبار من عدمها، إلا أنها وصلت إلى الرأى العام قبل أن تصل إلى النيابة العامة، وقبل إصدار أحكام تبرئ، أو تدين المدعى عليهم، وهو الأمر الذى يفتح الباب على مصرعيه أمام سلسلة لا تنتهى من جرائم "تشويه السمعة"، التى وإن أصابت عدداً من المشاهير فى السياسة والفن والإعلام فأتيحت لهم الفرصة للرد والمواجهة، فإنها تصيب مواطنين ليسوا تحت الأضواء وبشكل يومى، دون أن يكون لهم الحق فى الرد، أو حتى إزاحة أصابع الإدانة التى تظل تلاحقهم إلى حين، حتى لو برأ القضاء ساحتهم.
ففى مايو 2005 تناقلت وسائل الإعلام خبراً عن تعرض الفنان عبد العزيز مخيون لعدة طعنات بالسكين فى منزله بالقاهرة، على يد شاب فى الثلاثين من عمره، تم إلقاء القبض عليه سريعاً، بالإضافة لزوجة مخيون التى أشارت أصابع الاتهام إلى تورطها فى الحادث، وقبل أن تنتهى التحقيقات مع المجنى عليهما، وقبل أن تثبت علاقة الزوجة بالأمر، انهالت الأخبار المرئية والمقروءة تتحدث عن جريمة وراءها زوجة مخيون وعشيقها هدفها الخلاص من الزوج المخدوع، لتتحول سمعة الفنان وزوجته إلى حكاية تلوكها الألسنة والبرامج، قبل أن يقول القضاء كلمته بوقت طويل.
مخيون يتذكر الحادثة بكثير من المرارة، ويبدى دهشته الكبيرة من السرعة التى تصرف بها النائب العام إزاء قضية سميراميس، فيما تقدم هو ببلاغ للنائب حول ما نشر ضده منذ ثلاث سنوات ولا يعرف مصيره حتى الآن، وهو يفسر ذلك بأن إعمال القانون فى مثل هذا النوع من القضايا يعتمد على علاقة الجانى أو المجنى عليه بالسلطة، "واللى مالوش ضهر مالوش دية" حسب تعبيره.
ويمد مخيون أصابع اتهامه أيضاً إلى وسائل الإعلام التى برأيه تقتات على الشائعات المنشورة فى الصحف، وتوسع من نطاق الفضيحة إلى أقصى حد، فالمجتمع المصرى برأيه تحول إلى "غابة تغولت فيها ماكينة الإعلام وتحولت إلى وحش يلتهم كل شاردة وواردة"، ويدعو مخيون المصريين إلى البحث عن مشروع قومى نهضوى يلتفون حوله، تاركين "القيل والقال" إلى غير رجعة، ويقول للمصريين "عيب أن نعيش تحت سحابة من الفضائح، يحيطنا دخان الفضائح".
وتشويه السمعة لا يتوقف عند حياكة قصص وهمية تمس شرف المشاهير، إذ إن بعضها يعتمد على ما يثيره بعض المتخصصين فى إثارة الرأى العام ضد المشاهير بدعاوى قضائية، وبلاغات تكفر بعضهم، وتطعن فى أخلاق الآخر. بعض هذه النيران أصابت المخرجة السينمائية إيناس الدغيدى، وهى واحدة من أكثر المشاهير إثارة للعاب محامىّ الإثارة، الذين يتهمونها بالشذوذ تارة، وبالانحراف تارة أخرى.
فأحدث القضايا التى واجهتها إيناس الدغيدى كانت فى أغسطس الماضى على يد نبيه الوحش المحامى الذى رفع دعوى قضائية تطالب بمنع ظهورها على شاشة التلفزيون بوصفها "من مبطلات الصيام"، وذلك على خلفية حكم سابق كان قد حصل عليه فى حقها بالجلد 80 جلدة.
وكان للقضية الأولى والثانية أن تظل حبيسة قاعة المحكمة، بين المدعى والمدعى عليه، إلا أن وسائل الإعلام طيرت الخبر معتمدة على رقم الدعوى، لتتحول الدغيدى إلى "سيرة" تلوكها الألسن، وليتحول ما تقدمه من أعمال فنية إلى حجة للطعن فى أخلاقها، وسمعتها.
الدغيدى ترى أن المسئولية مشتركة بين الصحفيين من جهة، والمحامين الباحثين عن الشهرة من جهة أخرى، فالصحفيون يحاولون لفت انتباه الفنانين عن طريق التشهير بهم كنوع من الابتزاز أو بهدف صناعة "خبطات" صحفية، أما نبيه الوحش فتقول إن وجوده مرهون بعدد دعاويه القضائية التى لم يسلم منها حتى رئيس الجمهورية، وتصف ايناس الدغيدى جرائم تشويه السمعة بأنها تعبر عن فهم خاطئ للديموقراطية وحرية الصحافة، ولأن الفنانين "مالهمش ضهر" حسب تعبيرها، فإن كل الحانقين على المجتمع يجدون متنفسهم فى تشويه سمعة الفنانين.
إلا أن الفنانين ليسوا وحدهم فى قائمة ضحايا معارك تشويه السمعة، إذ طالت أيضاً صحفيين كبار أبرزهم الكاتب الصحفى عادل حمودة رئيس تحرير جريدة صوت الأمة، حيث تعرض لواحدة من أسوأ عمليات التشويه فى مايو 2003 على يد محامى غير معروف، والذى تقدم ببلاغ تحرر به المحضر رقم 11246 جنح قسم العجوزة يتهم فيه حمودة بأنه اعتدى عليه بالضرب، بعد أن كشف ميوله غير السوية جنسياً، ومحاولاته الاعتداء عليه.
ورغم ما تضمنه البلاغ من عبارات خادشة للحياء، وتصلح وحدها لإقامة عدة دعاوى سب وقذف فى حق مقدم البلاغ، إلا أن بعض الصحف والمواقع الإلكترونية سارعت بنشر نص البلاغ، بقلب مطمئن مستندين إلى رقم البلاغ، الذى وإن كان دليل إثبات على إدعاء المدعى، إلا أنه لا يكفى بحال أن يكون وثيقة تستخدم لتشويه سمعة المدعى عليه، حتى قبل أن يتداولها القضاء الذى أثبت أكاذيب المحامى بعد حين، لكن يكفى أن نسخة من البلاغ المشبوه ما زالت مثبتة على المواقع الإلكترونية وفى أرشيف الصحف التى نشرتها رغم مرور ما يقرب من 8 سنوات على الحادث.
الدكتور عبد الحليم قنديل الكاتب الصحفى، والقيادى بحركة كفاية والذى نالته الكثير من ادعاءات متخصصى التشهير يصف مستخدمى سلاح تشويه السمعة بأنهم عاجزون عن استخدام وسائل أخرى مشروعة، فهم يلعبون على مشاعر المجتمع ويلصقون بضحاياهم ما يكرهه الناس بغرض التحريض ضدهم.
لكن قنديل يميل إلى وضع تفسيرات موضوعية لانتشار هذه الظاهرة، ويحددها فى قصور القانون، وعدم إتاحة المعلومات، فالقانون برأيه "متخلف، ولا يواكب حرية الإعلام" إذ لا يجبر السلطات على تسليم الصحفى الوثائق والمعلومات التى تمكنه من نشر الحقائق دون الاعتماد على مصادر "مجهلة"، أو على مصدر واحد لا يمكنه من إعطاء صورة كاملة للحدث، وبالتالى يترك المجال للصحفيين لإكمال الصورة من الخيال، مخلفين وراءهم الكثير من الشائعات الجنسية، والمالية بدون وجه حق، ويضطرهم أحياناً للاعتماد على محاضر الشرطة وبلاغات النائب العام، محولين الاتهامات إلى إدانة تلصق بالضحايا إلى الأبد.
وهو لا يعفى أيضاً المناخ العام من سقطات الصحافة، إذ يشير إلى أن الحكومة أحياناً تستخدم مثل هذه السقطات لتكثيف هجومها على حرية الصحافة بحجة تعديها على الأخلاق العامة، بينما الهدف الحقيقى وضع مزيد من القيود عليها، وتحجيم دورها ويقول "كثيراً ما تهاجم الحكومة صحفاً صفراء، بينما عينها على الصحف الحمراء".
معارك تشويه السمعة يؤججها باحثون عن الشهرة.. مخيون يشكو : "الفنان اللى ملوش ضهر يضرب على بطنه".. والدغيدى تصرخ: "بقينا ملطشة".. وقنديل يتساءل: ماذا يفعل الصحفى فى بلد تحجب المعلومات؟
الأحد، 18 أكتوبر 2009 02:46 م
هل تكفى محاضر الشرطة وبلاغات النائب العام لنشر الفضائح؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة