منذ اليوم الأول فى حياتها وهى لا تنعم بحياة طبيعية، كثيرون توقعوا بأن حياتها ستنتهى قريبا، بل أصدروا الحكم عليها بأنها لا تستحق الحياة.. هكذا تقول الدكتور نهلة أحمد درويش التى ولدت فى 16 فبراير 1964، والتى كانت ولادتها متعثرة، نتيجة نقص الأكسجين الذى تسبب فى تدمير بعض خلايا المخ، مما تسبب فى عجزها عن الحركة والكلام، ولكن ذلك لم يمنعها من الحصول فى 13 مايو 2009 على الدكتوراه «العولمة وتغير أنساق القيم» من جامعة القاهرة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، مع التوصية بطبع الرسالة على نفقة الدولة وتبادلها مع الجامعات المصرية والعالمية الأخرى.
نهلة بدأت رحلتها التعليمية بعد اجتيازها اختبار الذكاء بالمدارس ومن بعدها اجتازت جميع المراحل الدراسية (ابتدائى، إعدادى، ثانوى، جامعى) من خلال التعليم المنزلى، رغم حرمانها من نعمة التواصل مع العالم الخارجى، إلا أنها حصلت على بكالوريوس العلوم الاجتماعية من جامعة الملك عبد العزيز بالسعودية، خلال تعليمها الجامعى دخلت المستشفى لتلقى العلاج، وإجراء بعض العمليات الجراحية، وخلال فترة العلاج التأهيلى أوصى الطبيب المعالج لها بالعمل لمدة عامين كمترجمة تحريرية بالمستشفى والتى مثلت أجمل سنوات حياتها، لأنها تعرفت أثناءها على مجموعة من الأصدقاء والقيم والأفكار الأوروبية، بالإضافة إلى مجموعة كورسات فى اللغة الإنجليزية من المجلس البريطانى.
وفى أواخر عام 1990 عادت نهلة إلى الوطن وهى تشعر بأنها غريبة عن وطنها الأم «مصر»، لأنها خسرت كل شىء، عملها وأصدقاءها، وما اكتسبته من مكانة واحترام اجتماعى، الأمر الذى دفعها للانشغال بالدراسة للحصول على الدراسات العليا، مشيرة إلى أنها فى البداية لم تلق الترحيب والقبول، بل لاقت الإنكار والرفض بسبب الحكم عليها من خلال المظهر الخارجى وليس العقل ولكنها أصرت واجتازت السنة التمهيدية للماجستير عام 1992، بعد ذلك بدأت معاناتها لتسجيل الرسالة مع مشرف أكاديمى، إذ لم يكن هناك الكثير من المرحبين لخوض هذه التجربة معها.
وفى عام 1994 سجلت للحصول على درجة الماجستير من جامعة القاهرة ورغم حالات الإحباط والاكتئاب -نظرا لأنها كانت ملتزمة المنزل معظم الوقت- إلا أن قبول عملها بمحافظة الجيزة ضمن نسبة 5% بالإدارة العامة لخدمة المواطنين فى أغسطس 1996 كان أمرا مهما لتستغل وقتها فى شىء يخدم المواطنين.
فى 20 أغسطس 2001 ناقشت نهلة رسالة الماجستير وحصلت على تقدير امتياز فى موضوع «القيم فى الفكر السوسيولوجى لماكس فيبر» والتى اعتمدت فى مناقشتها للرسالة على اللاب توب للرد على أسئلة الممتحنين، مشيرة إلى أن هذا اليوم من الأحداث السعيدة القليلة فى حياتها، بالإضافة إلى يوم مقابلتها الأميرة ديانا خلال زيارتها لمستشفى الملك خالد بالسعودية عام 1986 والذى كان أحد أسباب تشجيعها على التفوق.
وفى 2004 قامت بالتسجيل للحصول على درجة الدكتوراه فى موضوع «العولمة وتغير أنساق القيم» مع دراسة تطبيقية على الدراسات المصرية بعد حصولها على التمهيدى وكورس TEOFL، مع تركيز الدكتوراة بتحليل أثر العولمة والأنظمة العالمية على الأوضاع المحلية، خاصة فى المجتمع المصرى، تحليل كل أنساق القيم على المستوى الاقتصادى والسياسى والاجتماعى والثقافى والتعليمى، مشيرة إلى أنها تعتمد فى تجميع المادة العلمية التى تحتاجها فى دراستها العليا (الماجستير والدكتوراه) على مكتبة الجامعة الأمريكية، بالإضافة إلى بعض الكتب الأجنبية التى كان يجلبها أخوها من لندن.
فى يوم 13 مايو 2009 تمت مناقشة الدكتوراه، مرة أخرى، اعتمدت على اللاب توب للإجابة عن أسئلة الممتحنين، إلا أن هذه المرة كان حضور اللواء يوسف وصال سكرتير عام محافظة الجيزة، وردود أفعال أعضاء اللجنة وإعجابهم بالعمل الذى قدمته، مع الكلمة التشجيعية التى قدمها الدكتور أحمد زايد والتى شجعها فيها على مواصلة البحث العلمى.. أجمل فرحة فى حياتها.
وفى النهاية تمنت نهلة أن تعمل فى مجال ترجمة الكتب وتقديم تحليل لها بأسلوبها ورؤيتها التى تحاول أن تنميها، وتقول: أتمنى أن أستطيع أن أقدم المزيد فى مجال تأليف الكتب والتعرف على الأحداث واكتساب الثقافة والتواصل مع الآخرين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة