ذكر مراسل صحيفة لوموند الفرنسية فى القدس، أن تجنب تكرار الفوضى التى وقع فيها الجيش الإسرائيلى أثناء حرب لبنان 2006، ورغبته فى استعادة قوته الردعية، وخاصة حرصه على حرمان حماس من الانتصار السياسى الذى استأثر به حزب الله، تمثل جميعها الهواجس الإسرائيلية المسيطرة على معالم سير أحداث الاجتياح الإسرائيلى لغزة، والتى جاءت لتحتل الصدارة منذ الهجوم البرى على القطاع.
وأكد المحلل السابق فى قطاع الأمن الداخلى الإسرائيلى، ماتى ستينبرج، من أن شبح ذكرى إخفاق إسرائيل فى لبنان لا يزال يلاحق القادة العسكريين والسياسيين الإسرائيليين. ويعرب المحللون الإسرائيليون عن ارتياحهم تجاه فكرة استيعاب الجيش الإسرائيلى "درس لبنان"، عند رؤيتهم لقطات توغل جنود المشاة فى قطاع غزة، ملطخين وجههم بالسواد ومرتدين خوذات مزودة بنظارات الأشعة تحت الحمراء. ويشيد الخبير السياسى جيرالد ستينبرج، بخطط الهجوم التى تميزت هذه المرة بكونها أكثر تفصيلا، وخاصة بأركان الجيش الذى لم ينتظر طويلا لإطلاق الهجوم البرى.
فى السياق ذاته يشرح الضابط السابق فى الموساد، يوسى ألفير، أن فى حرب جنوب لبنان، كان قد تم إرسال جنود المشاة والمدرعات كل على حدة، مما أدى إلى وقوع خسائر فادحة فى الجانبين، أما خلال اجتياح قطاع غزة، فقد كان هجومهما متزامنا، مضيفا أن هذا الأمر لا يعنى بالضرورة ضمان النجاح، ولكنه يمثل خطوة على الطريق الصحيح.
ثم تطرح الصحيفة تساؤلا يخطر بلا شك فى كل الأذهان: ما هى أهداف هذه الحرب؟ وتشير الصحيفة إلى أن الإدارة الإسرائيلية قد تهتف عاليا بأنه قد "تم إنجاز العملية"، إلا أن الصيغ المستخدمة من قبل المتحدثين الرسميين فى إسرائيل على غرار "إنزال ضربة قاسية بحماس" أو "إعادة مجرى الحياة الطبيعية لسكان جنوب إسرائيل"، تبدو غامضة بالدرجة التى تجعلها تتلاءم مع أهداف أخرى تمتد على نطاق أوسع بكثير، بدءا من مجرد الرغبة فى إلحاق الضرر بالوسائل الدفاعية لحماس، وصولا إلى تفكيك حكومة إسماعيل هنية، مرورا باستئصال كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكرى لحركة حماس.
وهو الأمر الذى تعكسه طبيعة المنشآت ذاتها التى تستهدفها الضربات الإسرائيلية، فهى لا تخلو مثلا من "الطابع التعليمى"!! وعلى ذلك لا يبدو أن تفجير المدرسة الأمريكية فى غزة، التى تمثل درة النظام التعليمى المحلى، يمت بأية صلة مع "تدمير البنية التحتية الإرهابية لحركة حماس"، وهو الهدف المعلن للهجوم الإسرائيلى وفقا للمتحدث الرسمى، أفيتال ليبوفيتش، إلا إذا افترضنا مثلا أن أدراج التلاميذ تخفى بداخلها متفجرات!!
إذن بماذا يتعلق الأمر؟ يجيب جيرالد ستينبرج، أن وجود أية منفذ للخروج من الأزمة أمام حماس، من شأنه تمكينها من الاستمرار فى إطلاق صواريخها، سيعد بمثابة انتحار بالنسبة لإسرائيل. ومن أجل تجنب انتهاء الأمر باستعمار غزة مرة أخرى، أو نشر قوات دولية، وهو ما لا ترغبه إسرائيل، يتعين تفكيك حماس. ففى حالة تصفية هذه الحركة بالكامل، ستتمكن حركة فتح من إعادة فرض سيطرتها على غزة بعد أن تم طردها منها فى يونية 2007.
إلا أن هذا الخيار الأخير، والذى يداعب الأذهان فى همس فى بعض الدوائر الراغبة فى الانتقام داخل حركة فتح، يبدو خياليا أمام الدمار الذى خلفه الاجتياح الإسرائيلى، والريبة التى يثيرها تجاه الإدارة الفلسطينية فى رام الله، المتهمة عادة بالتخاذل وأحيانا بالتواطؤ مع العدو الإسرائيلى. يعلق ماتى ستينبرج على هذا الأمر قائلا: "عباس ليس فقط غير قادر على القيام بهذا الأمر، ولكنه أيضا غير راغب فيه، إذ أن فى حال قيامه بمثل هذه الحركة، فقد وقع على شهادة وفاته السياسية".
إن تطبيق سياسة الضرب بقسوة التى ترمى إلى دفع حماس للاستسلام لا تبدو مناسبة فى نظر يوسى ألفير، الذى يعتقد أن حماس، مثلها مثل حزب الله، ليست ممثلا للدولة، ولا تخضع إلى نفس قواعد الجيش المتعارف عليه، ولا يعنى بالضرورة قيام إسرائيل بمعقابتها إلى توقفها عن إطلاق صواريخها.
ولذلك تصبح الاستراتيجية الصحيحة الوحيدة، من وجهة نظر المحلل السياسى ماتى ستينبرج، هى إبرام تهدئة ثانية، تتضمن تخفيف الحصار عن طريق نشر قوات تابعة للرئيس عباس على نقاط الحدود بين غزة وإسرائيل ومصر. حيث إن حماس لن ترضخ أبدا للهزيمة، ومن الخطأ دفعها للوصول إلى تلك النقطة التى لن يصبح لحظتها أمامها شئ لتخسره. فقبل بدء الاجتياح الإسرائيلى، كرر خالد مشعل أكثر من مرة استعداده لإيجاد تسوية بشأن نقاط الحدود.
إن وضع مثل هذا الحل قيد التنفيذ يفترض استعادة الحوار بين حركتى فتح وحماس من ناحية، وقيام إسرائيل بالتخفيف من عنف قواتها من ناحية أخرى.. بيد أن أى من الافتراضين لا يلوح فى الأفق حتى هذه اللحظة.
لوموند: إسرائيل تسعى إلى محو إخفاق حرب لبنان بـ"مجزرة" غزة
الخميس، 08 يناير 2009 08:15 م
إسرائيل تحارب فى غزة و"بالها" فى خسائر حرب تموز
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة